مع عودة الاعتصامات إلي ميدان التحرير تتكرر الخناقات بين ركاب خطوط أتوبيس النقل العام وبين المتظاهرين والمعتصمين .. هؤلاء المواطنون البسطاء لا ينتمون للثورة المضادة حتي لا نفهم غلطا ولا يقفون ضد مواصلة المطالبة بإنهاء بقايا النظام كما أنهم لا يبحثون عن ديمقراطية ولا حرية وإنما شغلهم الشاغل هو البحث عن لقمة العيش وقد طال انتظارهم لليوم الذي يصلون فيه لمستوي معقول من الحياة الكريمة بعدما تعبوا .. مواقف كثيرة تحدث وطرائف ونوادر تتكرر وحوارات جانبية مدهشة وذات دلالة كل ذلك في محطة التحرير .. ركبنا عددا من خطوط الأتوبيس واشتبكنا مع الركاب لنعرف لماذا تحدث هذه الخناقات يوميا خاصة في أيام الاعتصامات والتجمعات .. يقول محمود عبد الحكيم (55 سنة ) موظف في مجمع التحرير وكان يستقل الأتوبيس القادم من محطة شبرا : هم من حقهم يتظاهروا وإحنا من حقنا ناكل عيش ونشوف مصالحنا يعني هي الديمقراطية اللي بيقولوا عليها فكرك هانستفيد بيها دي الأحزاب والناس الأغنياء وبتوع الجماعات واللي غاويين سلطة هم المستفيدون ! إنما إحنا عايزين فلوس وزيادة في المرتب ومواصلة مريحة وطرق فاضية وتعليم كويس لأولادنا طيب ليه ما يعملوش جمعة غضب من أجل الفقراء .. نفسي أشوفهم مرة بيتظاهروا عشان الحاجات دي ساعتها هانزل من شباك الأتوبيس وأتظاهر معاهم .. مواطن آخر كان ثائرا للغاية اسمه سالم حسين يبلغ من العمر نحو 55 سنة ويعمل موظفا بهيئة النقل العام .. هذا المواطن كان يركب الأتوبيس 810 المتجه إلي حدائق القبة هو الآخر اعترض علي عودة الاعتصامات إلي الميدان وعندما سألته عن رأيه قال : أنا فرحان علشان الثورة نجحت لكن هم ليه لحد دلوقتي عمالين يتكلموا عن نفسهم وناسيين الفقراء دا الغلاء نهش الناس اليومين اللي فاتوا .. وإحنا مش شايفين حاجة وبعدين قالوا القطاع الخاص مستمر والمركب ستسير كما كانت طيب يبقي إحنا عملنا إيه .. وبتوع التحرير دول اللي كل يوم جمعة قافلين الميدان عايز أقول لهم آخرتها إيه فكروا في الغلابة شوية !! المشهد المتكرر دائما هو الحوارات الجانبية التي تحدث بين المواطنين لحظة توقف الأتوبيس في محطة التحرير وهي حوارات تؤكد أن جمهورية النقل العام في واد وجمهورية التحرير في واد آخر .. اللي يسلم محفظته ينزل ! كان الركاب نائمين وفي حالة كسل غير عادية طوال الخط مابين منطقة الهرم وحتي عبد المنعم رياض وعندما توقف الأتوبيس فجأة في ميدان التحرير دار هذا الحوار بين واحدة ست عجوزة والسواق .. الست : والله يا بني ربنا يعديها علي خير دي الكترة تغلب الشجاعة .. السواق : يا ست اسكتي دا أنا اللي جري لي ما جراش لحد وأنا سايق الأوتوبيس رقم 855 عند منشية ناصر كان عدد الركاب حوالي مائة راكب طلع علينا 6 بلطجية بالمطاوي في عز الظهر ووقفوا الأتوبيس وهددونا بالقتل لو ما سلمناش محافظنا واللي في جيوبنا ليهم .. والرجالة اللي بشنبات كانوا واقفين في طابور علشان اللي يسلم محفظته ينزل ! وكان فيه واحد أمين شرطة ماكنش معاه فلوس فقال للبلطجية خدوا الطبنجة وخلوني أمشي !! الست : طيب وفين الرجالة؟ السواق : الرجالة ماتوا في الحرب ولا واحد فتح بقه .. وكان أشجع مافي الأتوبيس واحدة ست قالت لهم يا ولاد حرام دا إحنا في أول الشهر لو خدتوا الفلوس هنصرف منين فراحوا ضربوها بالمطواة في رجليها .. وواحد تاني قالهم أنا مش معايا غير 20 جنيه هاكشف بيهم لبنتي العيانة فقالوا : مش مشكلة تموت أحسن .. نهايته أخدوا الفلوس كلها وخدوا ' الغلة ' من المحصل ونفضوا جيوبي ونزلوا !! مرات العمدة لم يكن الجو هادئا في الأتوبيس القادم من الجيزة والمتجه إلي رمسيس مرورا بالتحرير .. حيث دار هذا السجال : المواطن الأول : بعد ثلاثين سنة يطلع إن واحدة ست كانت بتحكمنا أهو أنا نفسي أشوف فيها يوم سيئة مصر الأولي دي . المواطن الثاني من الأرياف : حدانا في البلد كان العمدة راجل كويس لكن مراته كانت زي العقربة زينت له الدنيا فطمع في البلد وده اللي حصل في مصر أصل الستات يكفيك شرهم لو حكموا يبقي علي الدنيا السلام . اللي أخد ربع جنيه ! عندما وصل الأتوبيس القادم من أحمد حلمي إلي بولاق الدكرور مرورا بمحطة التحرير كان هناك اعتصام محدود يقف فيه عدد من الشباب للمطالبة بمحاكمة مبارك ويبدو أن صوت الشباب قد أثار حفيظة ركاب الأتوبيس فدار سجال فكري من نوع غريب جدا : المواطن الأول : اللي راح راح يا عم فلوس إيه اللي هترجع تاني هو اللي بيروح بيرجع . المواطن الثاني راجل متدين : هو مش المفروض إن اللي سرق فلوس ييجي يوم القيامة ويشيلها علي دماغه ! طيب أنا عايز أعرف هيشيلوا المليارات دي علي دماغهم إزاي دي فلوس كثيرة قوي عموما اللي سرق ربع الجنيه الملائكة هتسألوا وتقول له عملت بيه إيه فيقول اشتريت بيه رغيف فيقولوا له طيب أدخل بيه النار .. الحرامية دول افتكروا نفسهم آلهة . أسوأ أربعة آلاف مواطن في الكرسي الأمامي من الأتوبيس القادم من السيدة عائشة إلي عبد المنعم رياض كان يجلس مواطن وقور فأثار الحوار وقال فلوسكو هترجع وإحنا جهزنا قائمة فيها أسوأ 4 آلاف مواطن في مصر والقائمة تضم حسني مبارك وموظفين من كل مكان في مصر وإن شاء الله مش هانسيب حقوقنا . فتدخلت في الحوار وقلت للمواطن : حضرتك شغال إيه فقال : أنا محامي يا بيه ونزل مسرعا فقال مواطن آخر : حرامية بيدافعوا عن حرامية قال المحامي الشحات ده هيجيب لنا حقوقنا .. فثار رجل كان جالسا في الكرسي الخلفي وقال : بطل شغل الأتوبيسات ده ليه ما كلمتوش في وشه راجل لرجال قبل ما ينزل دا مبارك اتغير ومشي وإنتو مش عايزين تتغيروا .. إحنا بتوع الأتوبيس ! أغلب خلق الله ممكن تجدهم بسهولة جدا في أتوبيس هيئة النقل العام ففي الأتوبيس رقم 109 المتجه إلي المنيب من محطة عبد المنعم رياض ركب مواطن غلبان جدا و " علي نياته "' في هيئته وطريقة لبسه وحتي في نظراته فقطع تذكرة وقعد علي الكرسي وفضل نايم ثم استيقظ في شارع قصر العيني واتعدل وعندما توقف الأتوبيس في التحرير دار نقاش غريب بيني وبينه ففهمت من الحوار أن هذه المواطن مشكلته في الحياة تتلخص في " ماسورة صرف صحي " حتي عندما يتكلم في السياسة يتكلم من خلال هذه الماسورة حيث قال لي : لما قامت الثورة كنت نايم في البيت وبعدين سمعت إن مبارك مشي فقلت دي شكلها هاتروق وتحلي .. فقلت له أنا صحفي وممكن أساعدك فقال : يا بيه الماسورة قرفتني في عيشتي أنا موظف بسيط ومرتبي ما يعديش 500 جنيه وعندي 5 عيال وقاعد في الدور الأرضي هذا المواطن كان متوجها إلي مقر مجلس الوزراء ليعتصم من أجل حقه في الحصول علي ماسورة سليمة !