كان يوم أمس (اللى هو 23 يوليو بتوقيت لحظة كتابتى) يوما عبثيا بامتياز.. تحتل موقع البطولة فيه الكلمة الأنسب لوصفه.. «عباسية».. كل ما سمعته أو قرأته أو شاهدته فى ذلك اليوم العباسية كان مغرقا فى العبثية.. فمنذ ساعات الصباح الأولى تعامل التليفزيون المصرى مع ذكرى ثورة يوليو بوصفها الثورة الأم.. وهكذا نكون قد خلصنا من مرحلة «الرئيس الأب» لندخل فى مرحلة «الثورة الأم».. ونكون قد طلعنا من نقرة تقديس الرئيس السابق لنقع فى دحديرة تقديس الثورة السابقة.. وذلك طبعا لتجنيب البلاد خطر الوقوع فى فخ الفراغ التقديسى وتقديرا ومجاملة للمجلس الأب صاحب الثورة الأم.. ولأن البنى آدم منا ليس بحاجة إلا إلى قليل من الفكاكة فقط ليدرك أنه بما أن الهدف الطبيعى والمنطقى لأى ثورة هو تغيير الأوضاع السابقة عليها.. وبما أن ثورة 25 يناير لم تقم إلا لإصلاح ما فعلته بالبلد ثورة 23 يوليو.. وبما أنه مافيش حاجة اسمها ثورة تكمل ما بدأته ثورة ماضية حيث إن الثورة تقوم لهدم وضع خاطئ سابق.. إذن وبناء عليه.. مافيش حاجة اسمها الثورة الأم والثورة الابنة والثورة الجدة (اللى هى ثورة 19 ) .. فالثورات ماهياش غاوية خلفة على الفاضى مثلنا نحن البنى آدمين.. الثورات تولد من رحم الشعوب المقهورة لا من رحم الثورة السابقة عليها! على قناة «النيل للأخبار» المشير يحذر فى خطابه من محاولات الوقيعة وإحداث الفتنة بين الشعب والجيش.. بينما على قناة «الجزيرة» لواء متقاعد يتحدث عن رصد تحركات أعضاء حركة «6 أبريل» منذ فترة.. ويتحدث عن الدورات التدريبية التى تلقوها فى صربيا وأمريكا ودول أخرى أوروبية وعربية على كيفية تشكيل التنظيمات الإرهابية المسلحة (يلا.. إن شالله ما حد حوش).. ولكن لم يذكر أحدهما (لا المجلس العسكرى ولا اللواء المتقاعد) شيئا عن رصد تحركات البلطجية وفلول النظام التى تقوم يوميا على مرأى ومسمع من الشعب والجيش والشرطة بإيقاع الفتنة بين الجميع.. الشعب والشعب.. الشعب والجيش.. المسلمين والمسيحيين.. الثوار وبتوع الكنبة.. لم نسمع شيئا عنهم ولا عن تحركاتهم التى لا تحتاج إلى رصد أصلا من فرط وضوحها ومن فرط معرفة قيادات الأمن لهم بلطجيا بلطجيا بالاسم وبالتليفون وبالعنوان وبنوع البرشام اللى بيضربوه وبشكل السنجة بتاعة كل واحد فيهم (أمال كانوا بيجيبوهم ازاى أيام الانتخابات!) مع التوغل فى ساعات اليوم.. يبدأ الوضع فى العباسية يلتهب.. وفى هذا الصدد.. إذا كان الذهاب إلى وزارة الدفاع دون مبرر قوى يعضده يعد عبثا يرقى إلى درجة الرعونة.. فإن ترك هؤلاء المتظاهرين العزل إلا من حماستهم واندفاعهم نهبا للبلطجية وبعض أهالى العباسية الفاهمين غلط يعد عبثا يرقى إلى درجة الجريمة.. كان الخبر عبثيا تماما وأنا أستمع إليه عبر نشرة الأخبار.. «المتظاهرون يناشدون قوات الجيش توفير مخرج آمن لهم إلى ميدان التحرير حيث إنهم محاصرون بالبلطجية من جهة وبأهالى العباسية من جهة وبقوات الأمن المركزى من جهة وبالشرطة العسكرية من جهة».. يا نهار اسود! مخرج آمن من العباسية لميدان التحرير! ليه؟! إحنا فى الصومال؟! أما بقى فى ما يخص وجود السيد وزير الداخلية منصور العيسوى فى نفس وقت الأحداث فى حفل مع على السلمى والإخوان والسيد البدوى فقد جاء ليضفى على الأحداث عبثية فوق عبثيتها.. وإن كانت عبثية لا يخاصمها المنطق! وكأن اليوم ناقص مسخرة.. جاء خطاب القذافى إلى المصريين بمناسبة ذكرى ثورة يوليو -وهو يدعونا إلى تكبير دماغنا من حكاية الرئاسة وحكم نفسنا بنفسنا عن طريق اللجان الشعبية كما هى الحال فى ليبيا- بمثابة كريزة العبط التى يمكننا أن نزين بها تورتة العبث لذلك اليوم! وأنا الذى ظننت أن القذافى هو ختام العبث.. أراد الله أن يكذب ظنى تاركا إصبعى لتذهب بى عبر الريموت كنترول وعن طريق الخطأ إلى المدعو توفيق عكاشة فى أثناء إرساله تحية إلى أبطال العباسية الشجعان الذين دحروا ووقفوا بتوع ميدان التحرير اللى كانوا رايحين يهاجموا وزارة الدفاع.. ثم أنهى كلامه بافتعال تمثيلى.. «ابقوا تفوا على دقنى لو ماجابولكو الاحتلال».. الأستاذ توفيق.. اطّمن.. مش حيجيبولنا الاحتلال.. و بناء عليه.. دقنك لو سمحت!