آخر واحد مفترض أن يستقيل، استقال. الدكتور حازم الببلاوى الذى كان وجوده يعطينا الأمل فى إمكانية النجاة الاقتصادية. استقال احتجاجا على المجزرة التى لم يكن له أى يد فيها. أما وزير الإعلام الذى كان ضلعا أساسيا فى الكارثة، فقد أعلن الحداد فى التليفزيون، أى قتل القتيل ومشى فى جنازته. أسامة هيكل لم يستقل ولم يُقَل رغم التحريض على الفتنة الطائفية التى مارسها التليفزيون المصرى يومها. كما لم يستقل المسؤول الذى أعطى الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، والذى أعطى الأوامر لقائد المدرعة وسائق السيارة بدهس المتظاهرين. لم يستقل محافظ أسوان مفجر الشرارة الأولى. ولم نعرف أصلا من المسؤول عن طريقة فض الاعتصام فجر الأربعاء، ولم يدرك هو بالتأكيد أن فيديو ضرب الشاب فوق كوبرى أكتوبر بهذه الوحشية وتركه مهشم العظام كان دافعا أساسيا لكثيرين للمشاركة فى مسيرة الأحد. ***** الصور والفيديوهات التى سجلت ما حدث مساء الأحد مؤلمة ومؤثرة بدرجة جعلت كثيرين يرفضون عرضها فى الصحف والتليفزيون. لأنه قد يؤدى إلى مزيد من إثارة الاحتقان الطائفى. وأنا أعتقد أن العكس هو الصحيح، فعرض الصور البشعة يحتاجه كل من المسلم والمسيحى المصرى. يحتاجه المسلم ليدرك وحشية ما حدث، وبالتالى يعرف أنه عندما يوافق أو يتجاهل ضرب المسيحيين «لأنهم زودوها» من وجهة نظره، فهو مشارك فى هذا الفعل الإجرامى. بعض من المسلمين سيجدون لأنفسهم مبررات لأن يقبلوا ما حدث، والنفس الإنسانية المريضة قادرة على اختلاق المبررات، أما النفس السوية المسلمة، بل و«حتى لو كانت ملحدة» لا يمكن أن تتحمل رؤية صور ما حدث. المسيحيون أيضا يحتاجون إلى أن يروا هذه الصور منشورة ومذاعة فى وسائل الإعلام العامة، لأنهم جميعا -ولا أبالغ- شاهدوها وتابعوها إما على المواقع القبطية وإما فى القنوات القبطية واحترقت قلوبهم غضبا وحزنا، وعرضها يخفف عنهم قليلا، ويجعلهم يشعرون بأن أبناء وطنهم يعرفون عنهم ويشعرون بهم وقد يتعاطفون معهم. أما إحساسهم بأنهم منعزلون فى قنواتهم ومواقعهم فيزيد حرائق القلب اشتعالا. مشهد الأعداد الغفيرة التى شيعت جنازة الشهداء من المستشفى القبطى حتى الكاتدرائية والحزن الحقيقى والغضب الصادق الذى سيطر على الجميع طمأننى قليلا. وزاد من يقينى بصحة الشعار الذى كان يتردد فى الجنازة «دى مش فتنة طائفية.. دى مدبحة عسكرية». لا يمكن لأحد عاقل أن ينكر التعصب والطائفية ونتائجهما. ولا يمكن أن نعزل مذبحة ماسبيرو عنهما. لكن محاولة إقناعنا بأن المدرعة التى دهست المتظاهرين كانت مسلمة، وأن الرصاص الذى اخترق الحشايا كان قبطيا، محاولة ساذجة وفاشلة لا يقبلها حتى المتعصبون. ******** لا أفهم العلاقة بين إعدام الكمونى وقتل 25 وإصابة مئات فى ماسبيرو، ولا أستطيع أن أتقبل فكرة الصدفة، فحتى لو كان الموعد مقررا من قبل، كان يمكن تأجيله حتى لا يرتبط بالأحداث. هل تصدقون أن هذا التزامن جعل من القاتل.. السفاح.. أول مرتكب لجريمة قتل على الهوية فى مصر، جعل منه ضحية فى نظر بعض أهالى بلدته، حين اعتبروا أن إعدامه جاء لمصالحة الأقباط بعد قتل أولادهم فى ماسبيرو، وفى الوقت نفسه استفز بعض الأقباط الذين اعتبروا أن تقديم الإعدام على أنه منحة أو تعويض هو نوع من الاستغفال والاستهزاء بذكائهم.