يخرج الناس إلى الميدان ثائرين.. فتحصل قوى سياسية ليس لها علاقة بالثورة على مكاسب على حساب الثورة والثوار! حصل ذلك فى الثورة.. لكن استطاع الثوار بإصرارهم إجبار الرئيس السابق على الرحيل.. فى الوقت الذى كانت فيه القوى السياسية راضية بالفتات الذى وعد به مبارك «المخلوع» فى خطابه العاطفى وأنه لن يترشح مرة أخرى.. وطالبوا الثوار والشعب بترك ميدان التحرير وميادين مصر.. وذهبوا هم للجلوس مع نائب الرئيس عمر سليمان «المخلوع» للتفاوض، ومع هذا أصر الثوار على أنه لا تفاوض إلا بعد الرحيل.. ويفاجأ الجميع بأن الذين كانوا متعاطفين مع مبارك -مؤكدين أننا -وقتها- حصلنا على ما كنا نحلم به- هم الذين يتصدرون المشهد السياسى الآن وأصحاب الأصوات العالية والذين يشيدون بسياسات المجلس العسكرى.. بل منهم من يعمل كمقاول أنفار لتوريد البعض إلى المجلس العسكرى. نجحت الثورة بإصرار الثوار ووقوف مختلف فئات الشعب ضد الرئيس وعصابته التى قتلت المتظاهرين وحاولت إعادة السيطرة من جديد بالبلطجة والتواطؤ كما حدث فى موقعة الجمل.. لكن الثوار تمسكوا بمطالبهم فما كان إلا أن تم خلع مبارك فى النهاية وذهب ذليلا إلى شرم الشيخ.. ويصر الثوار على محاكمته مع عصابته فى اتهامهم بقتل المتظاهرين وعلى فساده ونهب المال العام.. يتحصل المجلس الأعلى للقوات المسلحة على السلطة ويدير شؤون البلاد مع حكومة ضعيفة لا حول لها ولا قوة.. سلمت أمرها للمجلس العسكرى ولا تستطيع أن تتخذ قرارا أو تضع قانونا إلا بإذن من «العسكرى» أو بتعليمات منه. ليس هذا فقط.. بل بدأت تعود إلى الساحة قوى سياسية لم يكن لها علاقة بالثورة.. بل كانت تعاديها.. وكانت لها مصالح خاصة مع النظام السابق «المخلوع» وأجهزته الأمنية، لتصبح الآن معتمَدة عند المجلس العسكرى يحاورها ويسمع كلامها.. ويستخدمها فى وأد مطالب الثورة والتلكؤ والتباطؤ فى تحقيق أى منها. ورأينا تحالفات بين قوى تسارع على جنى ثمار الثورة قبل نضجها على حساب مبادئ وأهداف الثورة ومطالبها، حتى وإن بدا أنهم معها فقد تعودوا فى عملهم السياسى على ذلك. ولعلنا هنا نذكر موقف حزب الوفد ومعه الإخوان وخروجهما عن الإجماع الوطنى من مقاطعة انتخابات البرلمان عام 2010 لفضح وتعرية نظام مبارك الاستبدادى الديكتاتورى المزور للانتخابات.. ومع هذا شارك هذان الفصيلان السياسيان فى تلك الانتخابات الهزلية، والتى بالطبع رحب بها وقتئذ قيادات الوطنى «المنحل» حتى إنهم كانوا يفخرون بأن جماعة الإخوان تشارك فى الانتخابات، وهم الذين كانوا يعادونها ويعتبرونها «المحظورة». فإذا بهما الآن -الوفد والإخوان- يدخلان فى تحالف وإن بدأ فى التصدع، لأنه كان تحالفا من أجل المصلحة الشخصية.. فلا جماعة الإخوان تحترم الوفد والسيد البدوى.. ولا الوفد يحترم جماعة الإخوان.. ولكن كما قلت إنها المصلحة الشخصية ومحاولة تقسيم غنائم الثورة على حساب الوطنى والثوار. ويدرك الثوار أن الثورة تضيع على يد المجلس العسكرى وسياساته المرتبكة وحكومته الضعيفة وتحالف الأحزاب الكرتونية «والفلولية» التى تسعى إلى تحقيق أى مكسب وأرضية من خلال قانون انتخابى ردىء لا يمكن بأى حال من الأحولا أن يعبر عن مصر الثورة.. مصر الجديدة التى ضحى من أجلها ألف شهيد والآلاف من المصابين بأعيرة «القناصة» والذين يتواطأ الجميع فى عدم الكشف عنهم حتى الآن. من أجل هذا خرج الثوار مرة أخرى فى الجمعة الماضية «جمعة استرداد الثورة» ليرتبك المجلس العسكرى من جديد ويصدر بيانا قبل الجمعة بساعات، يحذر فيه الداعين إلى المظاهرات السلمية من التعرض للمنشآت الحيوية، وهو يعلم جيدا أنهم الذين حرسوا المنشآت الحيوية أيام الثورة فى ظل خيانة الأمن الذى ترك البلاد فجأة ليجعلها فوضوية لصالح النظام المخلوع وعصابته ولم يحاسبهم أحد حتى الآن! ويحملهم مسؤولية حماية أنفسهم!! ويفاجأ الجميع أن المجلس العسكرى يدعو بعدها بساعات القوى التقليدية وبعض أحزاب الفلول ليمنحها مكاسب جديدة على حساب مطالب الثورة وأهدافها لتخرج هذه القوى تهلل مرة أخرى للعسكرى بعد أن وقّعت على وثائق كانت تجاهر برفضها. وبالطبع يجرى الحديث عن وعود جديدة تتعلق بعزل أعضاء الحزب الوطنى دون محاسبة من أفسدوا الحياة السياسية ودون تطهير لمؤسسات الدولة.. ودون عودة الأمن.. وكله فى حضور الفلول والأحزاب الكرتونية. راجعوا من حضر اجتماع الفريق سامى عنان أول من أمس (السبت) من الأحزاب لتكتشفوا علاقة «العسكرى» بالفلول.