قد يكون مفهوما أن يكون مجرد الحصول علي مقاعد في مجلس الشعب القادم هو كل هم الأحزاب الكرتونية التي كانت متحالفة مع نظام مبارك و رضيت أن تعمل في كنفه لكي تضفي علي النظام مسحة من الديمقراطية الزائفة حيث يبدو أنه يسمح بالمعارضة وكانت لا تزيد عن كونها مقرا و لافتة و جريدة دون أن تكون لها قواعد جماهيرية أو مواقف حاسمة من قضايا الفساد و الظلم الاجتماعي إن لم تكن مشاركة فيه والتي وقفت متفرجة علي الثورة وعلي قتل الثوار حتى لاح لأصحابها أن مبارك في سبيله للسقوط فسارعت لركوب الموجة و إعلان انضمامها للثورة. هذه الكيانات المشوهة المسماة بالأحزاب ليست سوي عدد من الأشخاص معظمهم من المسنين يجمعون حولهم عددا ضئيلا من الأفراد غير المسيسين و لا تجمعهم قضية قومية عامة ولا يمثلون إلا أنفسهم و لا دور مجتمعي لهم حتى علي مستوي الجمعيات الأهلية التي تعمل علي تقديم خدمات اجتماعية للجمهور . ولهذا فإنني لا أستغرب أبدا غياب أي دور لهم في قضايا الثورة الأساسية و الملحة مثل عدم القبض علي قتلة الثوار و عدم الإعلان عن أسماء القناصة و سائقي المدرعات التي دهست الثوار في ميدان التحرير ومثل اعتقال شباب الثورة بالآلاف و محاكمتهم عسكريا و مثل تدليل المخلوع و أفراد عصابته و محاولات تبرئتهم و مثل عدم استعادة مليارات الدولارات المنهوبة و المهربة ومثل تعيينات رجال النظام في كل المناصب الحساسة في الدولة و مثل الإصرار علي عدم تحديد الحدين الأدنى و الأقصى للأجور و كذلك عدم عزل من أفسدوا الحياة السياسية وعاثوا في مصر كلها فسادا والسماح للحزب الوطني بخوض الانتخابات بعدد من الأحزاب و الأدهى من ذلك كله عدم تقديم مرتكبي جرائم إشعال الفتن الطائفية للمحاكمات و أيضا المسئولين عن الانفلات الأمني و استمرارية البلطجية و مهاجمتهم لشباب الثورة .......الخ إلخ. هذه الأحزاب الكرتونية لم نسمع لها صوتا علي الإطلاق في كل ذلك و لكننا نسمع صوتها فقط عندما تثار مسألة تأجيل الانتخابات أو أي شيء يتعلق بالتأثير علي فرصهم في الحصول علي مقاعد في البرلمان الذي يريدونه نسخة من البرلمانات السابقة فقط مع تعديل نسب تمثيلهم فيه وهم يستعدون لخوض الانتخابات وفقا لنفس آليات الانتخابات السابقة : الرشاوى الانتخابية و القبلية و العصبية و التضليل و الوعود الكاذبة و اللجوء إلي استخدام الدين لاستمالة الناخب. قد يكون كل ذلك مفهوما من هذه الأحزاب القديمة التي بلغ عددها قبل الثورة 24 حزبا. و كذلك من كل أحزاب قوي النظام التي تكونت بعد الثورة مثل أحزاب ” الحزب الوطني” وكذلك أحزاب التيارات الإسلامية التي تركز جل اهتمامها علي الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية أو بأغلبيتها حتى تتمكن من تنفيذ برنامجها الهادف إلي إقامة الدولة الإسلامية ولذلك فهي لم تتخذ أي موقف حيال أي قضية من قضايا الثورة السابق ذكرها ولكنها أقامت الدنيا ولم تقعدها عند عرض الوثيقة المسماة وثيقة السلمي عندما وجدت فيها بندا يمكن أن يحرمها آو يقلل من أمكانية تحقيق أهدافها في حالة فوزها بمقاعد تمكنها من ذلك.. أتفهم مواقف كل هؤلاء فهم متسقون مع تاريخهم ومع موقفهم السلبي من الثورة و أهدافها ومع طبيعتهم النفعية والانتهازية ولكن ما يستعصي علي فهمي هو موقف رموز الفكر الثوري و أعضاء الحركات الاحتجاجية و بعض من شباب الثورة الذين هرعوا إلي تكوين أحزاب و الترشح للانتخابات البرلمانية كمستقلين أو كأعضاء في قوائم حزبية و أعجب من تناسيهم أن ثورة قد قامت في مصر لإسقاط نظام حكم فاسد متخلف و إقامة نظام الحرية والديمقراطية و العدالة الاجتماعية وليس لمجرد انتخاب أعضاء مجلس شعب جديد بنفس القواعد السابقة التي كانت تأتي لنا بنواب الكيف و القروض و الرشاوى و الفساد والتخلف العقلي و أعجب من عدم إدراكهم أنهم يلعبون نفس دور الأحزاب الكرتونية في إضفاء مسحة كاذبة من الديمقراطية علي النظام وكذلك من عدم إدراكهم أنهم يضيعون وقتهم في انتخابات لا يمكنهم الفوز فيها إلا بالتحالف مع من يملكون المال و النفوذ والرؤي المخالفة لتلك التي أعلنوها لنا عند تأييدهم للثورة. ورأيي أنه كان الأجدر بهؤلاء أن يكونوا الآن منشغلين بالنضال ضد إجهاض الثورة و بكشف خطورة إجراء أي انتخابات وفقا للأسس القديمة و بقضية القبض علي شباب الثورة و المحاكمات العسكرية للمدنيين وبمطلب تسليم الحكم لمجلس ثورة مدني يتولي مهمة تحقيق أهداف الثورة حتى يتفرغ المجلس الأعلى للقوات المسلحة تماما لحماية حدود الوطن و سلامته . قد يبرر هؤلاء الذين أشبعونا كلاما عن ضرورة أن يكون الدستور أولا وشاركوا في وضع المبادئ الدستورية والوثائق والظهور اليومي في الفضائيات للحديث عن الثورة ثم نسوا كل ذلك وتفرغوا للدعاية الانتخابية و عقد الصفقات و التحالفات مع مختلف ما تسمي بالقوي السياسية بأنهم سيعملون علي تحقيق أهداف الثورة بعد فوزهم بعضوية مجلس الشعب ولكن هذا الكلام لا ينطلي علي عاقل يعلم أنه حتى إن فازوا فلن يكونوا سوي أقلية غير مؤثرة مثلما كان الشرفاء من أعضاء مجلس الشعب السابق الذين لم يزد دورهم عن تقديم الاستجوابات لإحراج الحكومة التي لم تكن تحرج و عجزوا عن الحيلولة دون تمرير أي قانون من تلك سيئة السمعة مما يكشف عن هدفهم الحقيقي من خوض الانتخابات و التخلي عن الدفاع عن الثورة : انتهاز الفرصة للحصول علي مزايا عضوية المجلس النيابي . كم أحترم هؤلاء الرجال الذين رفضوا الترشح لهذه الانتخابات و صمدوا مع الثوار دفاعا عن الثورة و من أجل تحقيق أهدافها في إسقاط نظام مبارك و إقامة نظام ديمقراطي حقيقي وأقول لكل من أعلي مصالحه الشخصية علي مصالح الوطن : في مصر ثورة وهي مستمرة وهي قادرة علي تحقيق أهدافها و علي فرز الثوار الحقيقيين من أدعياء الثورية .