نقل السلطة بشكل سلس وديمقراطى كان أحد مطالب الثورة ضد الرئيس المخلوع حسنى مبارك طوال أيام الثورة. وكان هناك إصرار من الثوار على رحيل مبارك.. فى وقت كانت فيه قوى سياسية تجرى إلى الحوار مع نائب الرئيس وقتئذ عمر سليمان سعيا للحصول على الشرعية من نظام قد سقط. فالثوار كانوا يرفعون شعار «الرحيل أولا» قبل الحوار، بينما كانت القوى التى تستقوى على الثوار الآن تسعى إلى الحوار ولم يكن عندها أى مانع للاستجابة فى مد أجل بقاء النظام لشهور حتى تكتمل مدته فى حين كانت قوى أخرى تستعرض عضلاتها الآن غائبة تماما عن المشهد ولم يكن لها أى دور يُذكر. ونجح الثوار فى إجبار الرئيس السابق حسنى مبارك على الرحيل.. وتنتقل السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى وثق به الثوار منذ اللحظة الأولى فى نزوله إلى الشارع مساء يوم 28 يناير باعتبار أن الجيش مؤسسة وطنية تعبّر عن الشعب.. وتشكل من أفراد الشعب ولم يكن أبدا مثل جيوش بعض البلاد المجاورة التى تتشكل من قوات موالية للأنظمة مثل كتائب القذافى التى كانت تمثل القذافى نفسه وعائلته أو الجيش السورى الذى يسيطر عليه طائفة الرئيس. والجيش المصرى وعى الدرس تماما بعلمه أنه يمثل الشعب ويجب المحافظة عليه. ومن ثم كانت ثقة الثوار بدور الجيش فى حماية الثورة وانتقال السلطة إلى المدنيين عبر فترة انتقالية محدودة يتولاها المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتم خلالها التجهيز لانتخابات رئاسية وبرلمانية. وبانتقال السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعد بتنفيذ أهداف الثورة ومطالبها من انتقال سلمى للسلطة إلى رئيس وبرلمان منتخبَين فى فترة لا تتعدى 6 أشهر. لكن بدأ مستشارو السوء يظهرون مع ارتباك المجلس العسكرى فى إدارته شؤون البلاد.. وفى ظل حكومة ضعيفة لا أحد يعرف ماذا تفعل.. فهى لم تكن حكومة إنقاذ وطنى أو حكومة تسيير أعمال.. لكنها للأسف الشديد تنتظر فى كل القضايا تعليمات المجلس العسكرى المرتبك دائما فى تصرفاته وقراراته.. فأصبحت خطوات الفترة الانتقالية بطيئة ومتعثرة كأنهم يعيدون إنتاج النظام السابق الذى كان مشهودا له بالبطء. فلم تتم حتى الآن محاسبة الفاسدين الذين أفسدوا الحياة السياسية خلال الثلاثين عاما من حكم مبارك والحزب الوطنى الفاسدة «المنحلّ». ولم تتم أى إنجاز فى محاكمات رموز النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس المخلوع حسنى مبارك. ولم يتم استعادة أى من الأموال التى نهبها النظام السابق وعصابته ورجال أعماله.. ولم يتم أى إنجاز فى محاكمات قتلة المتظاهرين من قيادات الشرطة. فضلا عن عدم استفادة الأمن حتى الآن كأن الداخلية تعمل حتى الآن لصالح وزير الداخلية السابق حبيب العادلى وعصابته برعاية المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وحاولت قوى سياسية برعاية المجلس الأعلى للقوات المسلحة تبريد الثورة وتشويه الثوار أمام الرأى العامّ باعتبارهم المعطلين لمسيرة الحياة والواقفين ضد استقرار البلد! ناهيك بقوانين ومراسيم مسيئة صدرت عن المجلس العسكرى خاصة بمباشرة الحقوق السياسية.. وقانون الانتخابات والدوائر الانتخابية والإصرار على الإبقاء على نسبة العمال والفلاحين والإبقاء على مجلس الشورى ذى الاختصاصات الهلامية وغير المفيدة. وفوق كل ذلك إصرار المجلس العسكرى على المحاكمات العسكرية للمدنيين التى تطبق فى الغالب على النشطاء السياسيين، أما البلطجية ومسجلو الخطر فهم طلقاء برعاية وزارة الداخلية وضباطها الذين فى حكم الممتنعين عن العمل حتى بعد مرور 9 أشهر من الثورة. من أجل كل ذلك وغيره.. أصبحت الثقة مهزوزة فى المجلس العسكرى.. لذا يطلب الجميع نقل السلطة من المجلس العسكرى إلى سلطات مدنية فى موعد محدد لا يتعدى أبريل 2012. وبغضّ النظر عن الحضور الإسلامى من الإخوان والسلفيين فى جمعة 18 نوفمبر.. ومحاولة ركوبها وتحويلها إلى مخاصمة مع الوثيقة الدستورية، تلك الوثيقة التى يؤكدون بتصرفاتهم وسلوكهم أهميتها فى المرحلة القادمة، فهذه وثيقة من أجل مجتمع مدنى ديمقراطى نادت به الثورة منذ أيامها الأولى ونجحت فى خلع الطاغية مبارك. ولم يكن لمن يدعون ضدها الآن أى دور فى تلك الثورة العظيمة وإن شاركوا فيها فى ما بعد.