كاتبة صحفية هل عبرنا أخيرًا في السينما عقدة هزيمة 1967؟ وهل -وهو الأهم- عبرنا حواجز التوجس والحذر الأمني المفرط عندما نتعرض لقوتنا العسكرية؟ سؤالان طرحا نفسيهما بقوة عليَّ وأنا أتابع أو ألاحق الأحداث المتسارعة ما بين القاهرة وتل أبيب، قبل تدمير الطيران المصري ومن بعدها الانسحاب المهين، فكانت تلك الشاشة الجديدة علينا بمشاهد الخذلان المفصلة لكل ضابط وجندي، الملونة بالرصاص والقنابل في قلوب وصدور جنودنا، لتعلن أن هذا العمل بلا (تابو) الاقتراب من الهزيمة شكلًا وموضوعًا وفعلًا، جاءت مرونة الدولة بانفراجة انعكست على حركة الأبطال والسيناريو من أول لقطة. ولم أتوقف لألتقط أنفاسي إلا مع البطل ينتقل من كابوس الحرب وعار الهزيمة إلى كابوس الإذلال من الأهل. هل عبرنا أخيرًا في السينما عقدة هزيمة 1967؟ وهل -وهو الأهم- عبرنا حواجز التوجس والحذر الأمني المفرط عندما نتعرض لقوتنا العسكرية؟ سؤالان طرحا نفسيهما بقوة عليَّ وأنا أتابع أو ألاحق الأحداث المتسارعة ما بين القاهرة وتل أبيب، قبل تدمير الطيران المصري ومن بعدها الانسحاب المهين، فكانت تلك الشاشة الجديدة علينا بمشاهد الخذلان المفصلة لكل ضابط وجندي، الملونة بالرصاص والقنابل في قلوب وصدور جنودنا، لتعلن أن هذا العمل بلا (تابو) الاقتراب من الهزيمة شكلًا وموضوعًا وفعلًا، جاءت مرونة الدولة بانفراجة انعكست على حركة الأبطال والسيناريو من أول لقطة. ولم أتوقف لألتقط أنفاسي إلا مع البطل ينتقل من كابوس الحرب وعار الهزيمة إلى كابوس الإذلال من الأهل. وبعد أن انتهيت من المتابعة سألت نفسي بإلحاح: هل ذلك الممر الذي شقه الأبطال بدمائهم وأرواحهم سيعبر بكل المنسي الذي بذله جيل الاستنزاف من سيناء إلى الوادي؟ وهل فعلا يمثل بادرة أمل طيبة عن إمكانية أن ينتقل جيل اليوم وغدًا عبر هذا الممر، ليعرف أو ليتعرف بحق على ما سطرته أجيال الحروب من تضحية وبطولة كي وبعد أن انتهيت من المتابعة سألت نفسي بإلحاح: هل ذلك الممر الذي شقه الأبطال بدمائهم وأرواحهم سيعبر بكل المنسي الذي بذله جيل الاستنزاف من سيناء إلى الوادي؟ وهل فعلا يمثل بادرة أمل طيبة عن إمكانية أن ينتقل جيل اليوم وغدًا عبر هذا الممر، ليعرف أو ليتعرف بحق على ما سطرته أجيال الحروب من تضحية وبطولة كي تعيش أجيال السلام؟ عن فيلم الممر أتحدث، ذلك الذي أحدث جدلًا قبل وفي أثناء عرضه بدور العرض السينمائي، من خلال إنتاج فني ضخم لعمل عسكري ينافس الإنتاج الدرامي في أول موسم الصيف وخلال عيد الفطر. ورغم ضعف (التريلر) الخاص بالفيلم أو الإعلان الترويجي للفيلم، فقد حقق أكثر من مليون مشاهدة قبل طرح الفيلم، وهو ما يمثل في رأيي مؤشرًا قويًّا لاتجاهات جمهور السينما وأغلبهم من الشباب، التي تحتاج إلى تحليل متخصص عن أسبابها، خاصة بالنظر لما حققه الفيلم بعد طرحه، إذ تصدر الإيرادات في المركز الثاني في الأسبوع الأول والآن يتصدر المركز الأول للإيرادات. هل هو تعطش أجيال الحروب لإنتاج حربي عسكري يشفي صبرهم الطويل، أم هو احتياج أجيال جديدة ظلت تسمع وتسمع عن حرب الاستنزاف وتقرأها سطرًا في المناهج الدراسية، أم هي صحوة وعي استردته أجيال مصر الشابة بعد المخاض السياسي الصعب الذي عاشوه منذ يناير 2011 وما بعده، فحان وقت الالتفات لموضع أو مكون أساسي في شخصية الإنسان المصري عندما يواجه تحدي المصير ويواجهه ليس من أجل نفسه بل من أجل أهله في صعيد مصر أو في حاضرتها أو صحاريها؟ الممر ليس أحد الممرات المشهورة عسكريًّا في سيناء، بل ظل طوال أحداث الفيلم هو الممر الذي تشقه الوحوش المجروحة داخل الصبر والعناد ليتخطوا هزيمة لم يستحقوها، وليعبروا داخل أنفسهم للمصري كما عاشوه وعرفوه أبًا عن جد، لا يفاخر لكن نفسه عزيزة تأبى الذل، يتنفس ثأره ليل نهار ولو طالت الليالي وبعدت، لا يعرف أحلام الحياة الهانئة ولا يقدر عليها وجزء من أرضه مغتصب. كل آماله وآلامه مؤجلة لأجل مسمى بتحرير الأرض وإعلاء الكرامة. المشاهد الاستهلالية بين القاهرة وتل أبيب في الأيام القليلة السابقة على الحرب لخصت وقدمت لماذا كانت هزيمتنا وانتصارهم دون أن تلمز أو تنشب أظافر أو أنياب في أسماء بعينها. مشهدان: في تل أبيب يتابعون أم كلثوم على المسرح تغني أغنية حماسية ووراءها ملقن يهمس لها بالكلمات، والثاني عربة نقل تحمل شبابًا بالجلاليب لتسلمهم في إحدى وحدات الجيش في سيناء. كانوا يحللون أغانينا قبل الحرب ليتخذوا قرار الحرب وكنا نرسل جنود التعبئة للجبهة بالجلاليب. لم يتوقف عند جلد أنفسنا وذبح قادة بل قفز ليضع المحصلة: لأننا كنا هكذا وقعت بنا الهزيمة المهينة هكذا. لن أبرع في نقد وتحليل فني للفيلم فلست متخصصة في ذلك. سأتوقف عند علامات لم تخطئها عيناي وأذني وعقلي وأخيرًا قلبي. الإنتاج ضخم، نعم 80 مليونًا ليس بالمتواضع، وما أنتج بالفعل في تقديري يساوي أضعاف هذا الرقم، إذا علمنا أن مسلسلات درامية عادية تنتج بأكثر من هذا الرقم. المخرج شريف عرفة بتاريخه المعروف في صناعة شاشة جميلة ومبدعة، الموسيقي عمر خيرت صائغ الملاحم وراويها بالجمل الموسيقية المميزة، أما الحوار والأغاني لأمير طعيمة بنكهة خاصة تجلت في أغنية الممر، أما النجوم فكلهم صف أول حتى ضيوف الشرف. الممر ممر يخرج بيك من الليل للنهار تبدأ طريقك حتى لو مشوار طويل على كلمات أمير طعيمة وصوت محمد الشرنوبي تتحرك الوحوش الجريحة لتستعد للثأر بالتدريب الشاق والمميت على القتال من جديد، بعد أن يتجاوز الضابط والجندي، الأب والابن، تلك المحنة الدامية نفسيًّا فيوافق الضابط أن يتحدى الجندي الطائرة ببندقيته، لكن يطلب منه أن يتخذ ساترًا، ويتفق الأب والابن أن المباراة لم تنتهِ، وحتمًا سنرد الصفعة لكمات. ظلمة هزيمة 1967 أعتمت العيون ردحًا من الزمن، لكن القلوب والأرواح ظلت نابضة بحب الحياة وحب البلد، لم تزرع الهزيمة القاسية تخاذلًا ولا استسلامًا، بل أخرجت أقوى ما في المقاتل المصري؛ إيمانه بالله وبأرضه وأهله. هكذا رفض تنحي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في رمزية مؤكدة لتمسك المصري باسترداد ما سلب منه، ورفض تقديم القرابين للهزيمة. ورغم أن محور القصة مأخوذ من معارك حرب الاستنزاف، تلك الحرب المجيدة والمنسية في آن، فقد كان الظهور النادر للزعيم عبد الناصر لافتًا وغير مبرر. ربما للابتعاد عن صبغة السياسة في تلك الفترة، وربما أيضًا رغبة من المخرج في تركيز الفيلم على الواجهة العسكرية والقتالية، لكن اختفاء عبد الناصر كان انتصارًا للحرب ومعاركها على حساب الزعيم الذي أطلقها وحشد لها. تقريبًا كل الأدوار كانت مرسومة بعناية وتصرفاتها مبررة بشيء في الشخصية أو البيئة أو الثقافة للتفاعل مع التسلسل الدرامي للأحداث. المهندس القاهري الحالم بالزواج من خطيبته بعد انتهاء خدمته العسكرية، فيتخلى عن حلمه من أجل المصير الغامض الذي أصبح جزءًا منه، وهو تحرير الأرض المغتصبة. الجندي الصعيدي القناص الذي يمارس الحرب كما يمارس أهله في سوهاج الثأر، ويصر أن ينظر للعدو في عينيه وهو يقنصه. والنوبي الذي خذلته أم الدنيا بعد أن ضحى بأرضه من أجل السد العالي، فلم يحصد إلا التشرد هو وعائلته أو قبيلته في الصحراء، ومع ذلك كانت صدمة الانسحاب وترك سيناء عنده أقسى وأمَرّ، ولم يستطع تجاوزها ولم يستطع إلا التشبث بإعادتها. والبدوي الذي يساعد أفراد المجموعة القتالية داخل سيناء ويترك أخته تواصل مهمته، بعد أن يحتجزه الإسرائيليون في رسالة اعتذار عن الإفراط في اتهام أهل سيناء وتأكيد لولائهم وارتباطهم بالدولة الأم. وهنا يرسل المؤلف رسالة سريعة من خلال الصعيدي والنوبي والبدوي، فالثلاثة من مجتمعات مهمشة في مصر، وإذا أمعنا النظر سنجد أن الرسالة عبرت من ممر الستينيات لتقف أمامنا بعد أكثر من خمسين عامًا فما زالت تلك المجتمعات مهمشة حتى اليوم. ونأتي للضابط الأسير الذي مثله أحمد فلوكس، فرغم صغر سن الممثل فقد قدم أداءً مقنعًا للضابط القائد وهو في الأسر، وبدا ضابطًا أكبر في رتبته من سنه، وهو يعطي الأوامر ويتحدى غريمه الإسرائيلي قائد المعسكر المحتجز فيه الأسرى المصريون حتى في لحظات استشهاده كان يموت قائدًا كبيرًا . وأتوقف عند القائد الإسرائيلي إياد نصار الذي أسندت إليه قيادة موقع عسكري مصري بوسط سيناء بعد احتلاله وتحصينه بالدشم المضادة للقنابل والقصف الصاروخي، واتخذه موقعًا لتعذيب وقتل الأسرى المصريين. لا أملك إلا أن أقدم كل الشكر والتحية لذلك الفنان الأردني على مشاركته في هذا العمل بهذا الأداء والإتقان، فلقد قدم أداءً مدروسًا بعناية للشخصية الإسرائيلية، جعلت المشاهد يرى من جديد وبوضوح ما بداخل الإسرائيلي وليس فقط ما يظهر عليه من انفعالات خارجية. كما أنه قدم كل الكراهية والحقد والخبث دون تشنج أو صراخ أو عصبية مبالغ فيها تعودناها من الأعمال الدرامية المصرية عندما تقترب من الشخصية الإسرائيلية. نظراته المليئة بالحقد والغل لصورة الزعيم عبد الناصر يبتسم قالت كيف كانوا يكرهونه رمزًا لإرادة الأمة المصرية، وبعد الهزيمة لم تنكسر الأمة، وظل عبد الناصر زعيمها يقود معارك حرب الاستنزاف، فظل الحقد نفسه لأن إرادة المصريين لم تنكسر وقاموا من جديد في وجوه أعدائهم.
الأداء البارع لإياد نصار ضابطًا ويهوديًّا يمارس شعائره على تبة الموقع العسكري غلفته أيضًا تلك اللكنة المميزة وقصة الشعر المشهورة لديهم، والتي أضفت عليه مصداقية أخرى، فأصبح إياد نصار يهوديًّا إسرائيليًّا صهيونيًّا دون أي تردد أو تفكير في أنه في الحقيقة ممثل عربي. لكنني أتحفظ على الصحفي الفني المتخصص في تغطية أخبار الكباريهات، الذي سخَّر قلمه وكاميرته لخدمة راقصتين ثم يظهر فجأة داخل موقع كتيبة الضابط أحمد عز، ليلتحق بالعملية الكبيرة التي تنفذ خلف خطوط العدو مراسلًا حربيًّا. وأعتبره نقطة ضعف واضحة في بناء السيناريو الذي لم يقدم تبريرًا مقبولًا للتحول في سلوكه، حتى بعد أن أقسم بالله ليقنع الجنود والضباط أنه تغير فلم يقنع المشاهد. ولم يقدم السيناريو تبريرًا عسكريًّا كيف يمكن أن يشارك صحفي مدني في عملية خلف خطوط العدو ويصبح عبئًا على أفراد المجموعة القتالية من جهة، ويتسبب في كشف العملية في بدايتها، ويوشك أن تباد القوة كلها بسببه في مشهد ساذج ركيك، كان التصعيد الدرامي للأحداث في غنى عنه. تصوير المشاهد القتالية العسكرية إحدى نقاط القوة الواضحة في الممر، وظهر جليًّا فائدة الاستعانة بفريق أمريكي متخصص لإخراج وتصوير هذه المعارك. فخرجت في جودة تضاهي المعارك العسكرية في أحدث الأفلام العالمية. وهنا لا بد أن أتوقف طويلًا عند الجهد المشكور الذي قدمته إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة في فهم طبيعة المطلوب لإنجاح الفيلم وإعادة صياغة المفاهيم الأمنية التي تحكم إنتاج الأعمال ذات الصبغة العسكرية. فيظهر جليًّا الدعم الأدبي والمعنوي للتجاوب مع فكر ورؤية صناع الفيلم، في تلك المرونة التي اقترب بها الإخراج والسيناريو عند تقديم العلاقات داخل الوحدات العسكرية بين القائد وجنوده وبين الضابط وزميله في سلاح آخر. أما الدعم اللوجيستي من معدات وأسلحة فكان الإنتاج ستتجاوز قيمته أضعاف ما أنفق لولا ذلك الدعم الذي قدمته وزارة الدفاع وأفرعها، تحت إشراف الشئون المعنوية، التي قادت بحرفية تلك المقطوعة من العزف بأداء يحسب للمؤسسة العسكرية. لسه جاي من وسط العتمة ضي يفرد جناح النور ويوهبلك حياه تفتح عيونك ع الأمل وتشوف مداه وساعتها بس هتعرف إنك لسه حي ولسه عندك حلم وهتفضل وراه كلمات الأغنية تلخص الرسالة التي عبرت من ممر الأبطال والعزة والكرامة، عبرت بعقل كل شاب ورجل وفتاة من عتمة الصعب الذي نعيشه اليوم إلى الحياة التي يمكن أن ننالها ونمسكها بأيدينا، كما فعل أمامنا أبطال الممر، فعبروا الهزيمة والمهانة ليصنعوا لأنفسهم نصرًا وحلمًا أمسكوا به، لأنهم ظلوا وراءه ولم يتخاذلوا. نحن أيضًا اليوم نستحق ويجب أن نفتح عيوننا وقلوبنا على الأمل، وأن نصنع لأنفسنا ممرًّا نعبر منه إلى الحياة وإلى أحلامنا التي تنتظرنا، فقط بأن نتمسك بها وأن نظل وراءها، تلك هي الرسالة الأعمق التي نجح الفيلم بالعبور بها لرؤوس أبنائنا وكل الأجيال الجديدة.