هذا فيلم كبير تدور قصته حول واحدة من معارك حرب الاستنزاف، وبشكل عام فإن الأفلام التى تؤرخ للحروب والمعارك الحربية أفلام قليلة العدد فى تاريخ السينما المصرية لأنها تحتاج ميزانيات ضخمة، أما الأفلام التى تتناول مرحلة حرب الاستنزاف فإنها أقل عددا رغم أهمية هذه المرحلة، فلولا حرب الاستنزاف ما تحقق نصر أكتوبر، ومن هنا جاء ذكاء صّناع الفيلم فى اختيار عنوان الممر . هذا العنوان يمكن فهمه بشكل مباشر على أنه يشير إلى الممر الذى شقّه أبطال الفيلم وسط نيران مدفعية المحتل وتمكنوا ببسالة من الوصول إلى شاطئ القناة. لكن العنوان يمكن فهمه أيضا بشكل مجازى على أساس أنه يعنى الممر من الهزيمة إلى النصر، وهذا المعنى المجازى هو الذى يصنع الفارق بين فيلم أغنية على الممر وفيلم الممر. تدور قصة فيلم أغنية على الممر الذى عُرِض عام 1972 حول فصيلة مشاه مصرية تمركزت قرب أحد ممرات سيناء فى حرب 1967 ولم تصلها أوامر قيادتها بالانسحاب، فحوصرت ونقص زادها وعتادها لكنها رفضت الاستسلام، والقصة مأخوذة عن مسرحية لعلى سالم وأخرجها على عبد الخالق. أما الفيلم الثانى أى فيلم الممر الذى كتب قصته وأخرجه شريف عرفة فإنه كما سبق القول يصوّر جانبا من حرب الاستنزاف، ويدور حول مجموعة من ضباط وجنود الصاعقة المصرية تلقت أمرا بتنفيذ عملية قتالية ضد أحد أكبر معسكرات الاحتلال فنفذتها بنجاح ودمرت المعسكر وحررت ما فيه من أسرى مصريين. الانتقال من الدفاع إلى الهجوم ومن الإحباط إلى الأمل صنع الفارق بين حرب 1967 وحرب الاستنزاف، وهو جوهر الاختلاف بين الفيلمين. هذا الاختلاف تعبر عنه بوضوح الكلمات المُغنّاة فى الفيلمين، ففى أغنية على الممر غنّى أحمد مرعي: أبكى أنزف أموت وتعيشى يا ضحكة مصر، وتعيش يا نيل يا طيب وتعيش يا نسيم العصر. أما فى فيلم الممر فغنّى محمد الشرنوبي: لسه جاى من وسط ليل العتمة ضيّ يفرد جناح النور ويوهب لك حياة. كلا النوعين من الأفلام مطلوب، فالإقرار بالأمر الواقع بكل مرارته مطلوب ومحاولة تغييره للأفضل أيضا مطلوبة بالتأكيد. يبدأ الفيلم باجتماعات لقادة الجيش الإسرائيلى لتقدير الموقف على الجبهة المصرية، وكان الرأى الغالب أنه رغم الشعارات المرفوعة فإن مصر غير جاهزة للحرب لا عسكريا ولا نفسيا. واستدّل أحد القادة على عدم الجاهزية النفسية بأن أم كلثوم احتاجت على غير عادتها إلى ملقّن يلقنها كلمات أغنيتها الجديدة جيش العروبة يا بطل الله معك، يريد أن يقول إن أم كلثوم فى داخلها كانت غير مقتنعة بأن هناك حربا قادمة. ورغم صحة القول بعدم جاهزية مصر للحرب، إلا أن الاستدلال عليها بوجود ملقّن وراء أم كلثوم ليس صحيحا، فقد أُعدّت الأغنية على عجل لتغنيها أم كلثوم فى حفلها الشهرى فى الخميس الأول من يونيو أى قبل الحرب بأربعة أيام فقط ولذلك فإن من المفهوم ألا تكون قد تدّربت عليها بما يكفى. وفى تقييم الفيلم لى ملاحظتان، إحداهما فنية والأخرى سياسية. أما الملاحظة الفنية فهى أن إخراج شريف عرفة للمعارك الحربية كان رائعا عدا بعض المبالغات الحركية غير المنطقية، ولذلك تكرر تصفيق القاعة كلما نال أبطال الصاعقة من جنود الاحتلال، وتلك مناسبة للقول إن معظم جمهور الفيلم كان من الشباب الذى لعله جاء ليفهم ما جرى. ومع أن الفيلم لا يشرح للشباب ماجرى لكنه عرّفه بأن بين هزيمة 1967 ونصر 1973 يوجد ممر اسمه حرب الاستنزاف، وإثارة الاهتمام هى بداية الطريق إلى المعرفة. فى الفيلم أطل شريف عرفة مجددا على الصراع العربى -الإسرائيلى ، ومع أن زاوية المعالجة اختلفت فى فيلم الممر عنها فى فيلم أولاد العم، لكن موقفه ظل ثابتا: إسرائيل هى التهديد الأول والأساسى للأمن القومى المصرى مهما جرت محاولات تغيير هذه الحقيقة أو حرفها. ولتكملة الملاحظة الفنية لابد من الإشارة إلى الأداء الرفيع لكل طاقم العمل بدون استثناء: أحمد عز وهند صبرى وأحمد رزق ومحمد فرّاج وأسماء أبو اليزيد، بل إن من قاموا بدور القيادات العسكرية الإسرائيلية بلغوا حدا من التقمص وطلاقة العبرية جعلنا ننسى أنهم يمثلون. وأما الملاحظة السياسية فهى أن الفيلم لم يحاول تجميل الواقع على حساب الحقيقة، فهناك إشارة واضحة لمسئولية النظام السياسى ككل عن هزيمة 1967 أى أن أسباب الهزيمة لم تكن عسكرية فقط ، وكانت اللقطة التى نظر فيها إياد نصار لصورة كبيرة يبتسم فيها عبد الناصر وخاطبه قائلا: لسه بدّك ترمينا فى البحر يا جمال.. ابتسم .. ابتسم عبقرية فى دلالتها وفى قسوتها أيضا. أبرز الفيلم أيضا الشعور الجماهيرى العارم بالغضب بعد الهزيمة وهو غضب سرعان ما تحوّل كعادة المصريين إلى موجة من السخرية، ولم يتوقف سيل النكات السياسية اللاذعة إلا بعد أن ألقى عبد الناصر خطابه فى الذكرى الخامسة عشرة للثورة فى يوليو 1967 وقال: النكت اللى طلعت تجرح كرامة ناس هم أولادنا وإخوتنا. تعامل الفيلم أيضا مع مجموعة اقتحام المعسكر الإسرائيلى كمجموعة يجمعها هدف الدفاع عن الوطن، لكن توجد بينها تناقضات لا تخفى على أحد، تناقضات بسبب الموقع الجغرافى أو بسبب الاختلاف فى الرأى أو بسبب المصلحة، باختصار تعامل الفيلم مع أفراد الاقتحام كبشر يحاربون ويختلفون ويمزحون ويغنون كان يوم حبك أجمل صدفة. فيلم الممر هو فيلم جاد وثمين وسط غث كثير. لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد