جواهر حسين: «رجال الغاب احتجزونا شهرين وقدموا لنا الدود وورق الشجر».. نيرة إبراهيم: «خضت طرقًا غير شرعية في أثناء فترة حملي».. إبراهيم سعدان: «دفعت 1500 دولار للسماسرة» تتعدد جنسيات اللاجئين الموجودين في مصر، نظرًا إلى موقعها القريب من الدول الإفريقية، التي تمر بأزمات وتقلبات سواء أكانت سياسية أو اقتصادية، أو تعاني اضطهادًا دينيًا أو عرقيًا، فضلًا عن أن وجود مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة يزيد من رغبة المجيء إلى مصر طلبًا للحماية. الرحلة التي يقطعها هؤلاء الأشخاص في سبيل الوصول إلى الأراضي المصرية ليست سهلة، فهي تستلزم مجازفة، تكون حياتهم، أحيانًا، ثمنًا لها، تمكنا من الدخول إلى ذلك العالم، الذي يمتلئ بحكايات قاسية، وأجرينا مقابلات مع لاجئين أفارقة من جنسيات مختلفة، تحدثوا عن رحلتهم مع «سماسرة الموت». جواهر حسين، فتاة صومالية، تعيش الآن مع أسرة بمنطقة المعادي، تتكفل بخدمتهم مقابل الحصول على مقابل شهري، يعينها على العيش، كانت تحتفظ بأسرار حكايتها طوال السنوات التي تركت فيها وطنها، لكنها قررت أخيرًا كشف تفاصيل رحلتها المأساوية، فهي لم تعد تحتمل الصمت أكثر من ذلك. تحكي جواهر في حديثها إلى «التحرير» جواهر حسين، فتاة صومالية، تعيش الآن مع أسرة بمنطقة المعادي، تتكفل بخدمتهم مقابل الحصول على مقابل شهري، يعينها على العيش، كانت تحتفظ بأسرار حكايتها طوال السنوات التي تركت فيها وطنها، لكنها قررت أخيرًا كشف تفاصيل رحلتها المأساوية، فهي لم تعد تحتمل الصمت أكثر من ذلك. تحكي جواهر في حديثها إلى «التحرير» عن المسار الذي اتخذته للهروب من دولتها، تقول: «لجأت إلى سماسرة لمساعدتي في المرور من الصومال إلى كينيا، واستغرقت مدة وجودي فيها ثلاثة أشهر، حتى أخبرني بعض الصديقات عن نيتهن التوجه إلى جنوب السودان، فطلبت مرافقتهن». تشير الفتاة الصومالية إلى أنها لم تستطع تجاوز الحدود الأوغندية، إذ تعرضت للسجن ثلاثة أشهر بعد الإمساك بها، نظرًا إلى أنها كانت تسلك مسارًا غير شرعي. بعد انقضاء تلك المدة، أخبرها الأمن بأن عليها ترك البلاد خلال 24 ساعة، وعن ذلك تقول: «كنا أمام خيارين: إما العودة إلى كينيا، وإما استمرار رحلتنا نحو جنوب السودان، وليس معنا أوراق سليمة، كنا في حيرة شديدة». تواصلت جواهر مع تاجر صومالي، يمتلك شاحنة تنقل البضائع إلى جنوب السودان، وطلبت منه المساعدة، فأخبرها بأن تدّبر أمرها لحين إرسال بعض الشباب لمساعدتها على تخطي الحدود. تتابع جواهر قصتها: «اختبأت مع صديقة رافقتني الرحلة في غابة مخيفة، إلى أن جاء الشباب إلينا، تحركنا معهم ووصلنا إلى غابة أخرى، وهناك وقعنا في أيدي أفراد لا يرتدون ملابس! كانوا عراة، أشبه بالقرود، إنهم رجال الغابة، يأكلون الدود، وورق الأشجار، قاموا بالإمساك بنا، وقيَّدونا بالحبال». كانت جواهر تأكل شيئا يشبه الذرة، إذ لم تستطع أن تقبل ما يقدم لها من الدود وورق الشجر، ظلت رهينة لمدة شهرين، بعد ذلك أٌطلق سراحها، وكل من معها، بدأت من جديد الرحلة إلى جنوب السودان، وأخيرًا تمكنت من الوصول بواسطة شاحنة صديقها، وحصلت على الإسعافات في أحد المستشفيات. لم تكن الفتاة الثلاثينية تمتلك أية مبالغ مالية، لكن السماسرة طلبوا منها مبلغ 5 آلاف جنيه نظير حملها معهم إلى مصر، ما دفع شبابًا من الصومال إلى جمع المبلغ، من أجل مساعدتها في الوصول من السودان إلى أسوان. علمت جواهر أن الصديقة التي رافقتها ماتت، بعدما تفرقا في جنوب السودان، إذ إنها لم تحتمل صعوبة الرحلة، مرت تلك الفترة عليها مثل الكابوس، بدأت بعد ذلك تسجل نفسها في مفوضية القاهرة، وتمكّنت من الحصول على البطاقة الزرقاء، والاعتراف بها لاجئة. لم تتوقف الحكاية عند تلك النقطة، حيث أخبرها لاجئون من الصومال أنهم سيغادرون مصر عبر البحر، طلبت منهم أن تتواصل مع الوسطاء، وهو ما حدث، حيث أخبرتهم بعدم امتلاكها المال، فكان الرد بأن عليها أن تقنع أربعة أفراد غيرها بالسفر حتى ترافقهم مجانًا، وهو ما تمكنت من فعله. «كنا أكثر من 200 شخص من جنسيات مختلفة، تجمّعنا في مكان مهجور، يشبه القاعة، لكن جدران المبنى مكسورة» تصف جواهر ذلك المكان القريب من البحر، مشيرة إلى أنها مكثت 7 أيام هناك، وكانت تحصل على وجبة واحدة في الصباح عبارة عن طبق فول ورغيف خبز. لم تستطع تلك المجموعة التحدث أو التحرك خلال تلك المدة إلا بإذن، كما سحبت الهواتف منهم، وكان مخصصًا حمام واحد لقضاء حوائجهم، وكان أخطر شيء عندما وضعتهم العصابة في شاحنة كبيرة مغلفة من أعلى بكيس بلاستيكي، وذلك عندما اقتحمت الشرطة المنطقة. ألقي القبض على جواهر لمدة شهر، قبل أن تتدخل المفوضية، وتخرج من تلك الورطة، ورغم ما تعرضت إليه، فإنها كررت ذلك، حسب حديثها لنا مرة أخرى، بعد أقل من 30 يومًا، وتحركوا بقارب بشكل سريع، وبعد مرور 24 ساعة، أكتشف أمرهم، وتمت إعادتهم إلى ميناء الإسكندرية، ومنه إلى السجن، وتدخلت المفوضية مرة أخرى. النساء اللواتي يخضن مثل تلك المغامرات يرزحن تحت وطأة المعاناة النفسية والجسدية، حيث ألفت آذانهم على تلقي السباب، كما اعتادت أجسادهن على التعرض للضربات، هن مجبرات على ذلك نتيجة الظروف التي يتعرضن لها. جواهر من ضحايا الأوضاع التي تشهدها بعض الدول الإفريقية، تقول إنها اضطرت إلى ترك الوطن، بعدما شهد بلدها حربًا تقدر بعدد سنوات عمرها الثلاثين، تنهي حديثها والدموع تتساقط من عينيها قائلة: «حاولت أبيع كليتي، لكن لم أجد أحدًا يشتريها». يصل عدد اللاجئين الصوماليين المسجلين بمفوضية الأممالمتحدة 6990 لاجئًا معترفًا بهم، معظمهم يعاني من ظروف مشابهة لقصة جواهر. في شارع عصمت عبد الله، بمنطقة فيصل في الجيزة، جلسنا مع نيرة إبراهيم، اسم مستعار، لفتاة إريترية، وافقت على التحدث معنا، شريطة أن يتم إخفاء وجهها، وتغيير اسمها، خوفًا من معرفة أهل زوجها تفاصيل عنها، ومن ثم تتبعها للحصول على أبنائها. تحكي نيرة أنها غادرت إريتريا، وعمرها 19 عامًا، أي قبل 6 سنوات من الآن، مشيرة إلى أن أشقاءها سافروا إلى ليبيا، بحثًا عن العمل، لكن انقطع الاتصال بهم نهائيًا، ولا تعلم أي معلومات عنهم، تقول الفتاة الإريترية: «تركت بلدي، وأنا صغيرة، كنت لا أملك إلا غويشة واحدة، أخبرت السماسرة أنني سأعطيها لهم بمجرد الوصول إلى أسوان، كانت الرحلة صعبة، خصوصًا أنني كنت أسير بثلاثة أبناء، إضافة إلى الحمل». وأشارت إلى أن كل من رافقها الرحلة كان يدفع بالدولار، لكنهم أخذتهم الرأفة بحالي، وعندما وصلت إلى مصر كنت أعاني من صعوبة بالغة في التأقلم مع الثقافة المصرية، التي تختلف عنا، كنت أحاول أن أكون الأب والأم لأطفالي، سجّلت نفسي بالمفوضية، وبعد سنوات حصلت على البطاقة الزرقاء». نيرة تشير إلى أنها لا تحصل على المعونة الشهرية من المفوضية منذ عدة شهور، وعندما استفسرت عن السبب، أخبروها بأن ذلك ينطبق على الجميع، والأمر لا يخصني وحدي، مستدركة: «الحمد لله، أنا أعيش مع بنات بيأكلوني معاهم». تواصلنا بعد ذلك مع الشاب الإثيوبي إبراهيم سعدان، الذي وافق على أن يستقبلنا بمنطقة حدائق المعادي، في مقر يجمع شباب الجالية الإثيوبية، حيث شقة مكونة من غرفتين، ويوجد في إحداهما مقاعد محاضرات، وسبورة مكتوب عليها بعض المعادلات الرياضية. كان الشاب الإثيوبي مترددًا في الحديث رغم موافقته المسبقة، فأخبرناه بأننا لن نحصل على قصته رغمًا عنه، واستأذنا في الانصراف، فما كان منه إلا أن أخبرنا أنه ليس لديه مانع من التحدث معنا. يبدأ سعدان حديثه قائلًا: «تعرضت لمشكلات كثيرة في بلدي، منها أنني سجنت، لذلك قررت المجيء إلى مصر، كانت الرحلة صعبة، مات صديقي شمس الدين خلالها». وتابع: «دفعت 300 دولار من أوروميا إلى المتمة، كما دفعت 500 دولار من المتمة إلى الخرطوم، ودفعت 700 دولار من الخرطوم إلى أسوان، كان إجمالي المبلغ الذي أعطيته للسماسرة 1500 دولار». وحكى أن رحلته استغرقت 3 أيام من إثيوبيا إلى المتمة، و5 أيام من المتمة إلى الخرطوم، و8 أيام من الخرطوم إلى السودان، كنت أسير كل هذه المسافة سيرًا على قدماي لعدم امتلاكي جواز سفر». لقراءة بقية القصة «ضحايا الصدمات النفسية».. معاناة اللاجئين خارج الوطن (الحلقة الثالثة) «التأهيل النفسي للاجئين».. هنا يبدأ التعافي (الحلقة الرابعة) «العبور أو الموت».. لاجئون أفارقة على أبواب المفوضية (الحلقة الأولى)