وزارة الأوقاف تفتتح 19 مسجدًا.. اليوم الجمعة    تعرف على سعر الذهب اليوم الجمعة.. عيار 21 ب3080    الفسفور.. أسعار الجمبري اليوم الجمعة3-5-2024 في محافظة قنا    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تجدد غارتها على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    أكبر جامعة في المكسيك تنضم للاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين.. ما القصة؟    تموين الغربية يضبط 2000 لتر سولار بمحطة وقود لبيعها بالسوق السوداء بالسنطة    جنازة مهيبة لطالب لقى مصرعه غرقًا بالمنوفية (صور)    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان نجوم دراما رمضان 2024    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أوستن: لا مؤشرات على نية حماس مهاجمة القوات الأمريكية في غزة    انتهاء أزمة الشيبي والشحات؟ رئيس اتحاد الكرة يرد    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين جائزة حرية الصحافة    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    نجم الأهلي يقترب من الرحيل عن الفريق | لهذا السبب    "الدفاع التايوانية" تعلن رصد 26 طائرة و5 سفن صينية في محيط الجزيرة    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    20 لاعبًا بقائمة الاتحاد السكندري لمواجهة بلدية المحلة اليوم في الدوري    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    سعر الموز والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 3 مايو 2024    بشير التابعي: من المستحيل انتقال إكرامي للزمالك.. وكولر لن يغامر أمام الترجي    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    هالة زايد مدافعة عن حسام موافي بعد مشهد تقبيل الأيادي: كفوا أيديكم عن الأستاذ الجليل    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روسيا واليابان.. خلاف الجزر يرسم المستقبل
نشر في التحرير يوم 27 - 01 - 2019

دكتوراه في فلسفة العلوم السياسية وخبيرة في العلاقات الدولية
اجتمع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء اليابان شينزو آبي يوم 22 يناير 2019 بشأن إبرام معاهدة سلام بين البلدين والتي لم يتم الاتفاق بشأنها بينهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب نزاعهما على ملكية جزر الكوريل، وذلك بعد اتفاقهما في شهر نوفمبر 2018 على تسريع مفاوضاتهما في هذا الصدد وفقا للإعلان السوفييتي الياباني عام 1956 والذي أنهى الأعمال العدائية بين الدولتين، ولذا يمكن طرح عدد من الأسئلة منها: هل من الممكن توقيع كلا البلدين معاهدة سلام؟ وما مستقبل العلاقات بينهما؟
اجتمع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء اليابان شينزو آبي يوم 22 يناير 2019 بشأن إبرام معاهدة سلام بين البلدين والتي لم يتم الاتفاق بشأنها بينهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب نزاعهما على ملكية جزر الكوريل، وذلك بعد اتفاقهما في شهر نوفمبر 2018 على تسريع مفاوضاتهما في هذا الصدد وفقا للإعلان السوفييتي الياباني عام 1956 والذي أنهى الأعمال العدائية بين الدولتين، ولذا يمكن طرح عدد من الأسئلة منها: هل من الممكن توقيع كلا البلدين معاهدة سلام؟ وما مستقبل العلاقات بينهما؟
بداية، الجزر المتنازع عليها هي 14 جزيرة تقع بين اليابان وجزيرة ساخالين الروسية. وتبلغ مساحتها 15.5 ألف كيلومتر مربع، ويسكنها أكثر من 20 ألف نسمة، وتقسم إلى جزر سلسلة الكوريل الكبيرة، وضمنها جزيرة إيتوروب التي تبلغ مساحتها 3 آلاف كيلومتر مربع، وجزيرة كوناشير التي تبلغ مساحتها 1.5 ألف كيلومتر مربع، وسلسلة
بداية، الجزر المتنازع عليها هي 14 جزيرة تقع بين اليابان وجزيرة ساخالين الروسية. وتبلغ مساحتها 15.5 ألف كيلومتر مربع، ويسكنها أكثر من 20 ألف نسمة، وتقسم إلى جزر سلسلة الكوريل الكبيرة، وضمنها جزيرة إيتوروب التي تبلغ مساحتها 3 آلاف كيلومتر مربع، وجزيرة كوناشير التي تبلغ مساحتها 1.5 ألف كيلومتر مربع، وسلسلة جزر الكوريل الصغيرة، وضمنها جزيرة شيكوتان البالغة مساحتها 182 كيلو مترا مربعا، وكذلك 5 جزر تابعة لأرخبيل هابوماي ومجموعات من الجزر الصغيرة التي هي عبارة عن صخور بارزة من البحر، وهي جزر "أوسكولكي و"وديومين" و"سكالني" التي تبلغ مساحتها العامة 118 كيلومترا مربعا.
أهمية هذه الجزر:
على الرغم من الصغر الجغرافي للجزر فإن جزر الكوريل الجنوبية لها وزن اقتصادي وعسكري استراتيجي، حيث تحتوي على ثروات كبيرة من النفط والغاز والمعادن (منها معادن نادرة كمعدن الريني الذي يوجد منجمه الوحيد في العالم في جزيرة إيتوروب التي تبلغ مساحتها 3 آلاف كلم مربع)، ناهيك بوجود الموارد المعدنية المستكشفة، بما فيها التيتانيوم والمغنسيوم والكوبلت والنحاس والرصاص والزنك والبلاتين والذهب والكبريت. كما يوجد في جزيرة إيتوروب حقل وحيد في العالم من معدن الريني النادر، ومخزون هائل من الثروات البحرية (يقدر ما يتم اصطياده سنويا من المياه المحيطة بجزر الكوريل بنحو 1.6 مليون طن من الأسماك)، مما يشكل ثلث كمية السمك المصطاد في بحار الشرق الأقصى. وتتمتع بموقع استراتيجي وعسكري مهم، لذا فليس من المستغرب أن يدور حولها صراع متوارث ومتجدد عبر الأزمنة.
أسباب تنازع الطرفين على الجزر:
ترجع أسباب تنازع الطرفين على الجزر إلى أهمية الجزر للدولتين، فبالنسبة لروسيا، ترجع أهميتها من احتوائها على الموارد التي تحتاجها لتنمية اقتصادها في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، كما تكتسب جزر الكوريل، بما فيها الجنوبية منها، أهمية استراتيجية لروسيا، إذ إنها عبارة عن خط وحيد من جهة المحيط الهادئ يسمح بالدخول في بحر أوخوتسك ومنطقة الشرق الأقصى الروسية المطلة على المحيط الهادئ. كما أنها تزيد إلى حد كبير من منطقة الدفاع القاري وتضمن أمن طرق المواصلات المؤدية إلى القواعد العسكرية الواقعة في شبه جزيرة كامتشاتكا كراي والرقابة على مياه بحر أوخوتسك والأجواء فوقها.
كما تستضيف الجزر عدة قواعد عسكرية روسية، وتعد هذه الجزر إحدى القواعد الاستراتيجية العسكرية للغواصات والأسطول الروسي، كما استثمرت موسكو في البنية التحتية العسكرية بالجزر، وكان أبرزها نشر أنظمة الصواريخ الباليستية، ومن ناحية أخرى، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو في فبراير 2017 أن روسيا ستُعزز قوتها العسكرية في الجزر من خلال نشر فرقة جديدة للجيش. ومن ثم فإن تقديم هذه الأراضي إلى اليابان، قد يعني تقويض الأمن الوطني الروسي. ولذا نجد أنه من غير المحتمل أن تتخلى روسيا عن الجزر، كما نستطيع أن نستنتج من هذا أسباب تنازع الطرفين على المنطقة.
موقف الدولتين من النزاع على الجزر:
1- الموقف الياباني: طوكيو تطالب موسكو بتسليمها أربع جزر تصفها اليابان ب"أراضيها الشمالية المحتلة" قبل التوقيع على معاهدة السلام، مستندة إلى المعاهدة الثنائية للتجارة والحدود المبرمة مع موسكو عام 1855، وبعد أحد عشر عامًا، وقعت روسيا واليابان اتفاقية، قضت بتقاسم الجزر الجنوبية الأربع من جزر كوريل لتحصل كلٌ منهما على جزيرتين، بيد أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلًا بعد توقيع اليابان اتفاقًا أمنيا مع الولايات المتحدة، إبان اشتعال الحرب الباردة، مما جعل موسكو تتخلى عن التزاماتها بشأن هذا الاتفاق.
وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، اتفق الجانبان عام 1993 على الالتزام بالاتفاقية الموقعة عام 1956، لكن اليابان هذه المرة غيرت رأيها وأصرت على تملك الجزر الأربع، ولم يطرأ أي جديدٍ منذ ذلك العام.
وتطالب اليابان في حديثها عن إبرام معاهدة سلام بين البلدين، بجزر كوريل الجنوبية (كوناشير، وشيكوتان، وإيتوروب، وهابوماي)، في الوقت الذي تتحدث فيه روسيا عن أن جزر كوريل الجنوبية انضمت إلى الاتحاد السوفييتي بنتيجة الحرب العالمية الثانية وسيادة روسيا عليها، ولها صياغة قانونية دولية، وليست موضع شك.
وفق بيان موسكو عام 56 نظرت موسكو إلى احتمال إعادة جزيرتين من جزر كوريل إلى اليابان، لكن اليابان طالبت بالجزر الأربع كلها.
2- الموقف الروسي: تؤكد موسكو سيادتها على هذه الجزر بعد ضمها إلى أراضي الاتحاد السوفييتي نتيجة الحرب العالمية الثانية. وتصر على اعتراف طوكيو بكامل نتائج الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك سيادة روسيا على الجزر الأربع التي استعادتها من اليابان بعد الانتصار في الحرب.
ومن ثم تشكل مسألة السيادة على جزر الكوريل العائق الرئيسي الذي يحول دون توقيع معاهدة السلام بين روسيا واليابان.
ملاحظات على الخلاف حول الجزر:
1- تخضع تبعية الجزر والسيطرة عليها لقوة كل دولة من الدولتين حسب الفترة الزمنية التي امتلكت فيها الجزر:
أ- بالنسبة لليابان: جاء اليابانيون للجزر مع عملية التوسع اليابانية في عام 1798 في القرن الثامن عشر ليزيلوا الشواخص الروسية وينصبوا أعمدة لهم تنص على أن هذه الأرض تعد ملكية لليابان الكبرى. وقد أنشئت في جزيرة هوكايدو اليابانية في بداية القرن التاسع عشر في عام 1802 الهيئة الخاصة باستيطان جزر الكوريل.
ولذا تقدم المبعوث الروسي نيقولاي ريازانوف الذي وصل إلى طوكيو عام 1805 باحتجاج للحكومة اليابانية بسبب أن كل الأراضي الواقعة شمالي ماتسماي أو هوكايدو تعد ملكية للإمبراطور الروسي. كما سعت اليابان للسيطرة على جزيرة ساخالين.
في أثناء خوض روسيا حرب القرم في عام 1855، أمام تحالف من فرنسا والإمبراطورية العثمانية وبريطانيا العظمى وسردينية للسيطرة على البحر الأسود والبلقان والقوقاز، وقعت روسيا على اتفاقية "سيمود" التي تنازلت بموجبها لصالح اليابان عن جزر الكوريل الجنوبية "هابوماي وشيكوتان وكوناشير وإيتوروب" مقابل إحلال السلام والصداقة. وفي عام 1875 تم عقد اتفاقية بطرسبورغ التي تنازلت روسيا بموجبها عن سلسلة جزر الكوريل كلها مقابل اعتراف اليابان بحق الملكية الروسية على جزيرة ساخالين.
في القرن العشرين، أجبرت اليابان الجيش الروسي في فبراير عام 1905 على الانسحاب بعد انهزامه في معركة موكدن وتدمير الأسطول الروسي الذي تم نقله إلى الشرق الأقصى من بحر البلطيق خلال معركة تسوسيما في 14-15 مايو عام 1905. وجعل كل ذلك بالإضافة إلى قيام ثورة عام 1905 في روسيا نيقولاي الثاني يوافق على البدء في مباحثات السلام مع اليابان.
انتهت الحرب بعقد معاهدة السلام في مدينة بورسموث 23 أغسطس عام 1905، وبموجب شروط السلام تنازلت روسيا عن حقوقها بالقسم الجنوبي من جزيرة ساخالين وحقها باستئجار شبه جزيرة لياو تونج والسكة الحديدة في منشوريا الجنوبية.
ب- بالنسبة لروسيا: سيطرت على هذه الجزر في النصف الأول من القرن الثامن عشر وكانت الخرائط الروسية والأوروبية الغربية حينذاك تصف سلسلة جزر الكوريل كلها بأنها جزءٌ لا يتجزأ من الإمبراطورية الروسية.
وفي القرن التاسع عشر، خاصة في عام 1895، توجهت كل من روسيا وألمانيا وفرنسا كلٌّ على حدة إلى الحكومة اليابانية بطلب التخلى عن ضم شبه جزيرة لياو تونج التي تعود حاليا إلى الأراضي الصينية. كما نالت روسيا في عام 1898 الحق باستئجار شبه الجزيرة، الأمر الذي زاد من النزعة المضادة للروس لدى اليابانيين وتفاقم التوتر في العلاقات بين البلدين بشكل تدريجي.
وفي القرن العشرين، خاصة عام 1925، أصر الوفد السوفييتي على إدراج بند في نص البيان المشترك مفاده أن الاعتراف بمعاهدة بورسموت لا يعني أن الحكومة السوفييتية تشارك الحكومة القيصرية في مسؤوليتها عن عقد تلك المعاهدة.
تمكن الاتحاد السوفييتي في أثناء الحرب العالمية الثانية من إقناع حليفتيه بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في الائتلاف المضاد لهتلر بالموافقة على إعادة الاتحاد السوفييتي لأراضيه التي احتلتها اليابان. وفي فبراير عام 1945 عقد في مدينة يالتا المؤتمر الذي توصل إلى اتفاق حول موعد دخول الاتحاد السوفييتي الحرب مع اليابان، وذلك مع شرط أن يعاد إلى موسكو بعد انتهاء الحرب، القسم الجنوبي من جزيرة ساخالين وجزر الكوريل. وبدأ الاتحاد السوفييتي عملياته الحربية ضد اليابان في شهر أغسطس عام 1945. وتم إنزال القوات السوفييتية على جزر الكوريل. فاستسلمت اليابان في 2 سبتمبر عام 1945 وأعلن الاتحاد السوفييتي عن ضمها إلى أراضيه.
وعقد مؤتمر السلام في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في عام 1951 بهدف عقد معاهدة للسلام مع اليابان. ورفض الوفد السوفييتي توقيع المعاهدة التي طرحت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا مشروعا لها، فاقترحت موسكو تعديلاتها للمعاهدة، ولكن لم يتم أخذها بالحسبان.
توجهت اليابان بطلب انضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة في عام1956. فتم توقيع البيان المشترك بين البلدين حول تطبيع العلاقات بينهما. وتشير بعض التقييمات إلى أن هذه الوثيقة كان من شأنها أن تضعف مواقف الاتحاد السوفييتي فيما يتعلق بمسألة حدودها. وكانت المادة التاسعة للبيان تنص على أن الاتحاد السوفييتي يوافق على "أن تُسلَّم إلى اليابان جزيرتا هابوماي وشيكوتان مع شرط أن لا يتم ذلك إلا بعد توقيع معاهدة السلام بين الاتحاد السوفييتي واليابان".
2- تأثير العامل الخارجي على توقيع اتفاقية سلام بين البلدين:
خلال الحرب الباردة أيدت الولايات المتحدة موقف اليابان في النزاع حول جزر الكوريل الجنوبية وبذلت ما في وسعها للحيلولة دون تخفيف الموقف وقد أعادت اليابان النظر في موقفها من بيان عام 1956. وصارت تطالب بإعادة جميع الأراضي المتنازع عليها. واشترط الاتحاد السوفييتي لتوقيع معاهدة الأمن اليابانية الأمريكية الجديدة إعادة جزيرتي هابوماي وشيكوتان إلى اليابان وانسحاب جميع القوات الأجنبية من أراضيها. وردا على ذلك تقدمت اليابان باعتراض مفاده أنه لا يمكن أن يغير من جانب واحد مضمون البيان المشترك بين الاتحاد السوفييتي واليابان والذي يعد معاهدة صادق عليها برلمانا البلدين كليهما. فوردت بعد فترة تصريحات من الجانب السوفييتي مفادها أن مسألة الأراضي في العلاقات بين الاتحاد السوفييتي واليابان قد تم حلها في أيام الحرب العالمية الثانية. ولذلك فقد انتهت بحد ذاتها.
وقد نص البيانان المشتركان السوفييتي والياباني اللذان تم اتخاذهما في عامي 1973 و1991 على أهمية توقيع معاهدة سلام بين البلدين وحل ما تبقى من مسائل النزاع التي خلفتها الحرب العالمية الثانية.
3- دور النظام السياسي القائم في إحداث تغيير في ملف الجزر:
شهدت قضية الجزر منحى جديدا في فترة الرئيس بوريس يلسين، حيث زار اليابان في شهر أكتوبر عام 1993 وتم توقيع بيان طوكيو، الذي أكد أن "الجانبين أجريا مباحثات جادة حول تبعية جزر إيتوروب وكوناشير وهابوماي. واتفق الجانبان على مواصلة المباحثات بهدف توقيع معاهدة السلام في أسرع وقت، على أساس مبدأ الشرعية والعدالة"، وقد شيع آنذاك أن موقف روسيا تقترب من التنازل عن جزء من هذه الأراضي إلى اليابان، وهذا ما نفته السلطات الروسية التي رأت أن يلتسين في عهده كان يرتجل كثيرا وينطق بكلام لا يمتّ إلى الحقيقة بِصلة، إلا أن اليابانيين كانوا يعتبرون هذا الكلام نهجا ليبيراليا للرئيس الروسي، ولذلك كان اليابانيون يعتقدون حتى عام 2000 أنهم سيحصلون على الجزيرتين.
وبعد انتهاء عهد يلتسين ومع بداية ولاية الرئيس فلاديمير بوتين عام 2000 أعلنت روسيا بشكل رسمي أنه لم تكن هناك سياسة سرية للرئيس يلتسين وأن بيان عام 1956 لن يتم التطرق إلى مناقشته إلا بعد توقيع معاهدة السلام وأن روسيا ليست مدينة لليابان بأية أراض، وقد أكد بوتين هذا النهج الروسي وبقوة خلال زياراته لليابان.
وفي اليابان كان لانتصار الحزب الديمقراطي في نهاية العام 2009 وبداية العام 2010 -الذي كان معارضا خلال ثلاثين عاما- والذي اعتمد في شعاراته السياسية على فكرة استعادة الأراضي الشمالية أي جزر كوريل، وأصبح هذا المبدأ أساسا في السياسة الخارجية لهذا الحزب ورئيس الوزراء "ناوتو كان". وقد قام الحزب الديمقراطي الحاكم -آنذاك- بتمرير مشروع قانون الأراضي الشمالية كأول وثيقة رسمية في البرلمان تنص على أن جزر كوريل تُعد جزءا لا يتجزأ من الأراضي اليابانية، من ثم لم تهمل روسيا مشروع القانون وبالتالي كان رد الفعل الروسي يتمثل في زيارة الرئيس الروسي دميتري مدفيديف لجزر الكوريل جاءت بعد حضوره قمة روسيا- آسيان في هانوي.
هذا فضلا عن تحدث الحزب الديمقراطي عن إعادة النظر في السياسة الخارجية اليابانية وعن توسيع استقلال اليابان، وطالب بسحب القواعد العسكرية الأمريكية، وبالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وبدأت إدانة الدول النووية بما فيها كوريا الشمالية. مما يعكس طموحات الحزب في أن تصبح اليابان دولة عظمى.
في عهد فلاديمير بوتين وكويدزوميو أعرب الرئيس بوتين في عام 2005 عن استعداده لحل نزاع الأراضي طبقا لبيان عام1956، أو بالأحرى تسليم جزيرتي هابوماي وشيكوتان إلى اليابان، لكن الجانب الياباني لم يوافق على الحل الوسط.
مستقبل معاهدة السلام:
قبل التحدث عن السيناريوهات المستقبلية لمعاهدة السلام وحل قضية الجزر يمكن التطرق إلى:
عوامل محفزة للتعاون:
1- حاجة روسيا الماسة للتعاون الاقتصادي مع اليابان، فبعد تجاهل اليابان وروسيا، كلاهما الآخر، لنحو عقد من الزمن، دخلت علاقتهما نقطة تحول عندما عقد البلدان محادثات قمة في مايو عام 2013. ويعكس هذا التطور تركيز بوتين على آسيا -آنذاك- في الوقت الذي دخلت فيه العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأوروبا مرحلة ركود تام.
كما أن عودة زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي شينزو آبي إلى رئاسة الوزراء هي تطور ملحوظ آخر. وربما ضمنت إدارة آبي التي حظيت بموافقة شعبية تراوحت بين60% و70% سيطرة ثابتة ومستمرة على زمام الحكومة. فحكومة الحزب الديمقراطي بقيادة رئيس الوزراء هاتوياما يوكيو والتي خسرت الانتخابات، كانت تدعي انحيازها إلى الروس ولكنها لم تحاول أبدا الانخراط بجدية مع جارتها في نفس القارة.
ولذا عندما توجه آبي إلى موسكو في أبريل 2016 في أول زيارة رسمية يقوم بها زعيم ياباني إلى روسيا في عشرة أعوام، قام بوتين باغتنام الفرصة للتودد لآبي وإقناعه بإقامة علاقات أفضل. ولعل روسيا بحاجة ماسة للتعاون الاقتصادي مع اليابان وذلك لتصدير مواردها من الطاقة واستيراد تكنولوجيا متقدمة ولتنمية أقاليمها في الشرق الأقصى. كما تهتم اليابان التي تدهورت علاقاتها مع الصين وكلتا الكوريتين الجنوبية والشمالية بإقامة علاقات اقتصادية أقوى مع روسيا، فالحصول على موارد الطاقة الروسية سيكون ذا فائدة استراتيجية لها.
وفي ديسمبر 2016، استقبل آبي الرئيس الروسي ووفدا من وزراء ورجال أعمال روسيين في اليابان، من أجل مناقشة حل النزاع إلى جانب عقد العديد من الصفقات التجارية، وتم تحقيق العديد من الإنجازات الرئيسية في تلك القمة الثنائية التي عُقدت في موسكو، من أبرزها اتفاق اليابان وروسيا على زيادة التعاون الاقتصادي، وتسهيل وصول السكان السابقين إلى الجرز الأربع، وتشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في إمكانية إجراء استثمارات مشتركة بالجزر.
2- التعاون في المجال الأمني: في محاولة للوصول إلى نوع من التوافق حول القضايا الأمنية والسياسية الدولية. اتفقت روسيا واليابان على عقد محادثات "اثنين + اثنين" بين وزيري الدفاع والشؤون الخارجية في الدولتين. تعد مصلحة روسيا في التعاون مع اليابان بشأن المسائل المتصلة بالأمن تطورا حديثا والدافع وراء تعاونهما الأمني هو القلق من الصين على الرغم من عدم الاعتراف بذلك.
فعندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ موسكو في مارس عام 2013، اقترح على بوتين أن تتخذ روسيا والصين نهجا مشتركا في التعامل مع اليابان حول القضايا الإقليمية، ولكن الجانب الروسي اعترض. ولا تزال بكين وموسكو تتمتعان رسميا بعلاقات ودية، ولكن في الواقع روسيا قلقة من الصين وبالتالي تحاول تحقيق توازن أكثر فائدة من خلال مواصلة تحسين علاقاتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ مع اليابان وفيتنام والولايات المتحدة.
3- نيات بوتين الحقيقية: ففي اجتماع القمة بين آبي وبوتين في أبريل 2016، أصدر الزعيمان بيانا مشتركا حول تطوير الشراكة الثنائية، ووافقا على إعادة تفعيل وتسريع المفاوضات حول معاهدة السلام بين البلدين والتي من شأنها أن تضع نهاية للحالة الرسمية من العداء المتبادل التي تركت دون حل منذ الحرب العالمية الثانية. وبهذه الطريقة أثبت بوتين موقفا إيجابيا تجاه حل قضية الجزر الشمالية حيث أضحى من المتوقع أن يزيد مكانته بين الشعب الياباني. ولكن إذا كانت نية بوتين الظاهرة في إبرام معاهدة سلام مع اليابان مجرد ذريعة لضمان علاقات اقتصادية أفضل مع اليابان، فإن الحكومة الروسية ستفقد مصداقيتها مع الشعب الياباني، وسوف تتدهور العلاقات بين البلدين أكثر فأكثر.
وبصفة عامة، عند تناول آفاق حل النزاع يمكننا التحدث عن رؤيتين متعارضتين، واحدة متشائمة والأخرى متفائلة، سنعرضهما في التالي:
1- السيناريو المتشائم: ويذهب إلى عدم تحقيق أي تقدم ملحوظ في سبيل حل النزاع حول الجزر، خاصة أن الكرملين يعطي تركيزا قليلا في سياسته الخارجية على آسيا مقارنة بمناطق أخرى في العالم كالشرق الأوسط، فضلا عن أن التحالف الأمني الياباني مع الولايات المتحدة، يعني أن طوكيو ليست جهة مستقلة -من وجهة النظر السوفييتية- وهو ما يفسر المخاوف الروسية من أن واشنطن يمكن أن تضع قوات في جزر الكوريل إذا أُعيدت لليابان، وهذا من شأنه أن يؤدي لزيادة التوترات بين روسيا والولايات المتحدة، وقد يزداد الأمر سوءا إذا قرر الناتو إرسال قوات إلى الجزر، وهو ما ينعكس سلبا على الأزمات السياسية الأخرى، التي تحدث مع روسيا في أوروبا الشرقية.
ومن ثم يتم التشكك في جدوى الجانب الاقتصادي في العلاقات، خاصة أن المستثمرين الأجانب من مختلف الجنسيات يعتبرون روسيا مكانا غير ملائم للاستثمار؛ فحتى إذا تم رفع العقوبات الاقتصادية عليها، فستقدم القليل من الفرص الاستثمارية الجذابة، وأن معدل نمو الاقتصاد الروسي يُمثل جزءا من معدل النمو في الصين أو غيرها من الاقتصاديات الآسيوية سريعة النمو، إلى جانب الروتين الحكومة وتعقد إجراءات الاستثمار بها، وتاريخ الحكومة فيما يتعلق بمصادرة الشركات الخاصة.
2- السيناريو المتفائل: ينطلق من أن معطيات الواقع إنما توضح أن هناك شكلا ما من التحسن قد يطرأ في سبيل حل ذلك النزاع، فاللقاءات بين زعيمي البلدين، والتي تجاوز خمسة وعشرين لقاءً تؤكد عمق العلاقات والتنسيق المستمر، واستحداث اليابان وزارة خاصة للتعاون الاقتصادي مع روسيا، إنما هو وجه آخر لعمق تلك العلاقات.
ويعضض هذا السيناريو أن هناك استراتيجية لدى بوتين وشينزو آبي منذ السنوات الأولى لتوليهما زعامة البلدين، وضعا على أساسها أولوية وطنية لفتح حقبة جديدة من العلاقات الثنائية، لرغبة كل منهما ترك أثر تاريخي لبلديهما، فيرغب آبي في أن يظهر كقائد قادر على إعادة جزء من الأراضي التي ضاعت خلال الحرب العالمية الثانية، ويأمل بوتين في أن يظهر كشخصية سياسية قادرة على حل النزاعات الإقليمية مع معظم الدول المجاورة لروسيا، كما حدث بالفعل عندما توصل إلى حل وسط في النزاعات مع الصين والنرويج.
وختاما، يمكن القول بأنه رغم تحسن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين موسكو وطوكيو، فإن قضية التخلي عن الجزر وتسليمها أمر مشكوك فيه إلى حد كبير، كما أنه من الصعب أن تتخلى اليابان عن مطالبها الإقليمية، لكنه أيضا غير متوقع أن ينشأ نزاع بين البلدين على الجزر، وكل ما يمكن أن يحدث هو أن تصبح الجزر منطقة استثمارات مشتركة، مع التوسع في إعطاء المواطنين اليابانيين حرية الوصول إليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.