لماذا لم تكن جزاً من انشغالاتنا النظرية؟ لم تكن النماذج/ النموذج جزءًا من قوائم انشغالات الفكر المصرى والعربى، وقصارى ما تم هو بعض من التمرينات الفلسفية التوفيقية البسيطة حول الجوانية لعثمان أمين، والشخصانية الإسلامية لعزيز الحبابى، وحياد فلسفى ليحيى هويدى الأقرب إلى تبرير فلسفى بالغ البساطة والعمومية لمفهوم الحياد الإيجابى وعدم الانحياز وفق نظام السياسة الخارجية الناصرية. لماذا لم تكن جزاً من انشغالاتنا النظرية؟ لم تكن النماذج/ النموذج جزءًا من قوائم انشغالات الفكر المصرى والعربى، وقصارى ما تم هو بعض من التمرينات الفلسفية التوفيقية البسيطة حول الجوانية لعثمان أمين، والشخصانية الإسلامية لعزيز الحبابى، وحياد فلسفى ليحيى هويدى الأقرب إلى تبرير فلسفى بالغ البساطة والعمومية لمفهوم الحياد الإيجابى وعدم الانحياز وفق نظام السياسة الخارجية الناصرية. استمرت النزعات التسلطية والاستبدادية فى النظم العربية مع نهاية حركات التحرر الوطنى وتحولات ما بعد حرب أكتوبر، فى المنطقة العربية وصراعات وتوازنات القوى والمكانة داخلها، وشيوع سياسات الإصلاح الاقتصادى، ثم الخصخصة، ومعها استمرت القيود على الحريات العامة، وعلى رأسها حريات الرأى والتعبير والبحث الأكاديمى استمرت النزعات التسلطية والاستبدادية فى النظم العربية مع نهاية حركات التحرر الوطنى وتحولات ما بعد حرب أكتوبر، فى المنطقة العربية وصراعات وتوازنات القوى والمكانة داخلها، وشيوع سياسات الإصلاح الاقتصادى، ثم الخصخصة، ومعها استمرت القيود على الحريات العامة، وعلى رأسها حريات الرأى والتعبير والبحث الأكاديمى وتداول المعلومات. فى هذه المرحلة شهدت المنطقة ظاهرة الترحال الأكاديمى والثقافى والإعلامى من مراكز البحث وإنتاج الثقافة فى القاهرة، وبيروت، ودمشق إلى إقليم النفط سعيا وراء الرزق، أو هربا من بعض القيود على الحريات العامة، أو اختلافًا مع السياسة السائدة فى بلدان المركز/ المنشأ إلى بلدان الهجرة. ركّز بعض كبار المفكرين والأكاديميين العرب على تأسيس الجامعات فى الإقليم النفطى، وعلى السياسة التعليمية فى ظل حدود الأوضاع السياسية والاجتماعية فى هذه البلدان. بعض هؤلاء اتجه إلى البحث فى بعض جوانب الفكر الإسلامى فى ظل ظاهرة التمدد الإسلامى أو ما كان يطلق عليه الصحوة الإسلامية، وذلك بهدف إصلاحها، والكشف عن الجوانب الثرية فى التراث، ومن هؤلاء زكى نجيب محمود وكتبه حول تجديد الفكر العربى، والمعقول واللا معقول فى تراثنا الفكرى ومجتمع جديد أو الكارثة، ورؤية إسلامية، وقيم من التراث. زكى نجيب محمود مثال على بعض التغير فى قائمة اهتمامات وانشغالات بعض المفكرين العرب، فى ظل التحديات التى طرحتها الصحوة الإسلامية، وحركات الإسلام السياسى. أسهمت الهيمنة الأيديولوجية الدينية والقاعدية لبعض الجماعات الإسلامية فى العالم العربى فى التأثير على قائمة اهتمامات المفكرين والمثقفين العرب فى ظل بعض السياسات الدينية الرسمية التى وظفت هذه الحركات الدينية وتواطأت معها، واستخدمت بعضها فى مهاجمة الاتجاهات اليسارية، والليبرالية والعلمانية عموما، وقمعها إيديولوجيا. إن نظرة على الحالات الدينية فى بعض الدول العربية عامة، ومصر على نحو خاص تشير إلى تغير فى الاهتمامات البحثية والنظرية، وتركيز بعضها على المشكلات الجديدة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، ومحاولة تفسير التمدد الكبير للجماعات الأصولية الإسلامية السياسية، وظواهر التطرف والعنف والإرهاب، وتفجر بعض مشاكل تهتك أنسجة التكامل الواطنى. تحول تركيز منتجى الأفكار والجماعة البحثية إلى مشاكل الحداثة المبتسرة، والتحديث السلطوى، وظواهر التكفير الدينى، ومشاكل الصراع بين النظم القانونية الوضعية الحديثة، وبين دعاوى ومطالب الجماعات الإسلامية السياسية والمؤسسات الدينية إلى تطبيق نظام الشريعة. لا شك أن هذا التحول فى الواقع الموضوعى -السياسى والاجتماعى والثقافى أدى إلى تحول موازٍ فى قوائم اهتمامات المفكرين والمثقفين، وتحول دورهم إلى نزعة دفاعية عن الفكر التنويرى وإلى نمط العلمانية المؤمنة التى لا تخلط بين الدين والدولة، وبين المجال السياسى والمجال الدينى. ذهب بعضهم إلى محاولة دمج الجماعات الإسلامية السياسية فى النظام السياسى، تحت دعاوى الإصلاح السياسى والاجتماعى. أستمر هذا الاتجاه إلى ما بعد الانتفاضات الثورية العربية المجهضة والتى فرضت اهتمامات بحثية وسياسية جديدة حول مراحل الانتقال السياسى، وفشل التجربة الإسلامية فى الحكم على المثال المصرى. التغيرات السياسية وفى قوائم الاهتمامات الفكرية ساهمت فى الابتعاد نسبيًا عن الأطروحات النظرية الكبرى لصالح الاشتباك مع ما يطرحه الواقع الموضوعى من إشكاليات ومشكلات واقعية. تراجعت بعض اهتمامات الفكر العربى والمصرى بتحولات الفكر الغربى العالمى، لا سيما فى ظل هذه السياقات المتغيرة والهيمنة الرمزية لجماعات الإسلام السياسى، والحركة السلفية، وبعض التغيرات فى توجهات بعض المؤسسات الدينية الرسمية حيث تمدد بعضها، وعلى رأسهم جماعة الأخوان المسلمين إلى داخل تركيبة بعض الجامعات العربية. من ثم نشأت مراكز بحوث تميل إلى التوجهات الإسلامية. فى هذا الإطار طرح بعضهم قضايا أسلمة المعرفة كمشروع يرمى إلى ربط الأطر المعرفية الغربية بالإطار الدينى والثقافى الإسلامى لكن هذا المشروع لم يستطع أن يحقق الأهداف المتغياه من وراءه، لأنه أولاً: حاول تديين الأطر المعرفية والنظرية فى مجال العلوم الاجتماعية، ومن ثم حرفها عن مجالاتها وسياقاتها المحددة لتتلاءم مع بعض من الرؤى والمفاهيم الدينية الفقهية والأصولية الإسلامية، وحول قضايا واهتمامات التيار الإسلامى العام. ثانيًا: استخدام مسألة الهوية وسياستها كقناع وأداة للصراع السياسى مع الاتجاهات الفكرية والسياسية العلمانية، والمدنية، وكأحد محاور السجال الضارى حول طبيعة الدولة، والحديث عن المرجعية الإسلامية للدولة ونظامها القانونى استنادًا إلى المادة الثانية من دستور 1971 المصرى، وتعديلاته، ثم فى التعديلات الدستورية التى تمت فى أعقاب 25 يناير 2011، ودستور 2012، ودستور 2013. أن نظرة على ربط التيار الإسلامى ومؤيديه والعاطفين علية بين هوية الدولة والمجتمع، وبين الإسلام رمت ولا تزال على الصعيد الرمزى إلى تغيير طبيعة الدولة والنظام السياسى والقانونى والقضائى بما يؤدى إلى قطيعة تاريخية مع التراث السياسى والقانونى الذى رافق عمليات بناء الدولة القومية وهندستها السياسية والقانونية الحديثة، ومن ثم التأثير على نمط الحياة الاجتماعية الحديثة، وأسس التكامل الوطنى، وتغيير طبيعة الأمة الحديثة التى تشكلت من خلال الحركة الوطنية الدستورية، ونمط الإنتاج شبه الرأسمالى فى المرحلة شبه الليبرالية، ورأسمالية الدولة الوطنية فى بعض مراحل النظام الجمهورى حتى سياسة الأنفتاح الأقتصادى ثم الخصخصة. فى ظل العولمة لوحظ أن الخطابات العربية تركز غالبها على الموجة الأولى من نقد العولمة، والتركيز على مخاطرها على الهوية، وتوظيفها فى الجدل والسجال مع القوى العلمانية ودعاة الحداثة وما بعدها، وثمة تجاهل نسبى لمراجعات الموجة الثانية من نقد العولمة ومراجعاتها، فضلاً عن ضعف المتابعة العميقة للفكر النظرى للعولمة فى عديد الميادين، وأيضا فى ظل التحول إلى ما بعد العولمة والثورة الرقمية وبدايات الدخول إلى الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الصناعى، وهى تغيرات كبرى وبشائر انقطاعات تقنية ومعرفية وفى الوعى والشرط الأنسانى. مجمل ما سبق يشير إلى أن الفكر العربى فى عمومه والاستثناءات محدودة لم يعرف النموذج المعرفى تنظيرًا أو ممارسة بحثية أو فلسفية، ومن ثم ما طرح من دراسات فى أفق "نحو نموذج ثقافى جديد فى عالم متحول" على أهمية العديد منها، هى تمرينات نظرية، وبعض من التأملات، والروئ جاءت بعد أن تم تجاوز مفهوم ومقاربة النموذج المعرفى فى الأدبيات الغربية ذاتها، والنقد الذى وجه إليها. ثانيًا: النموذج الثقافى فى عالم متحول السؤال الذى نطرحه هل النموذج المعرفى لدى توماس كون الذى طرح فى عالم السرديات الكبرى لا يزال صالحًا للاستخدام والاستعارة والسعى إلى بناء نموذج ثقافى جديد؟ هل هناك حاجة لصياغة نموذج فى عالم مضطرب وسائل متغير؟ بداية لم يساءل غالب الداعين إلى نموذج ثقافى –أورباراديم- عربى المصطلح والنظرية، وانتقالها من العلوم الطبيعية والتقنية فى مهادها الغربى إلى مجال الثقافة والعلوم الاجتماعية، ومن ثم مدى صلاحية هذه العملية نظريًا. من ناحية أخرى لم يتم طرح الانتقادات التى وجهت إلى كتاب توماس كونى، وإلى تعدد استخداماته الدلالية للمفهوم، والتى رصدها بعضهم باستخدامه النموذج / البراديم 27 مرة بمدلول مختلف. الأهم ربط هذا المفهوم بالسياقات التاريخية السياسية والمعرفية والثقافية التى ظهر فيها، وعمليات القطع المعرفى والتاريخى معها، بعد عقود عديدة من تغير عالمنا. أن السياقات الأمنية التى ظهر فيها النموذج المعرفى -البراديم- لم تعد قائمة، وشهد العالم تغيرات وتحولات كبرى. إن نظرة تحليلية على أوضاع عالمنا على الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية والمعرفية والفلسفية فى مجال العلوم الاجتماعية، تشير إلى بعض من الانقطاعات المعرفية، والمتغيرات النوعية التى تؤشر إلى تحولات كبرى، ستمس البنى المعرفية والأنساق الثقافية، وفى النظام الدولى، وذلك على نحو بالغ السرعة والكثافة، وعلى نحو سوف يؤثر على منظومات من الروئ والمفاهيم والنظريات والمقاربات المنهجية التى تناسلت وتطورات ضمن نسق الإنتاج المعرفى والبحثى والسوسيو ثقافى، فى عديد العقود، ومن ثم لم تعد صالحة فى غالبها على وصف وتحليل وتفسير عمليات التغير والتحول فائق السرعة التى تحيط بنا، ومن ثم يبدو أننا فى حاجة إلى بعض من أشكال التنظير المباشر للواقع المتغير والسائد فى عالمنا ومجتمعاتنا العربية التى تعانى من عديد المشكلات الكبرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية فى سياقات مضطربة، وحروب أهلية، وموجات إرهابية، وتراجع لمكانة المثقفين والمفكرين ومراكز البحث وأدوارهم، لا سيما فى أعقاب ما سمى مجازًا بالربيع العربى. الإجابة الأولية على السؤالين سالفى الذكر، تتطلب إلماعة على بعض من وضعيات الثقافة والمعرفة فى ظل حالة التغير فائق السرعة الذى يجتاح عالمنا، ويؤثر فى أنماط الحياة والفكر والنظريات. (وللحديث بقية)