خبر صادم تلقته الأوسط الفنية أمس الجمعة، هو رحيل المخرجة عطيات الأبنودي، عن عمر ناهز ال79 عامًا، عقب تدهور حالتها الصحية، ليرحل جسدها ويتبقى أعمالها الفنية الرائعة. منذ أن اشتد وعيها في خنادق ستينيات قرن ولى، لم تتوقف عن الركض وراء صور الناس العاديين، الذين داستهم أحذية المؤرخين، تشعل سيجارتها الكليوباترا، لم تغيرها منذ خمسين عاما، تتنفس صعداء طويلة، انتظرت إذن حركة التاريخ طبعا، «آآه.. عملوها ولاد الإيه، انتفضوا في 25 يناير، العاديون، أبناء العابرين، بناة الأهرام، قلبي انخلع من الانبهار، وعاد»، بانفعال طفلة في السابعة، تدب عطيات الأبنودى، مخرجة الأفلام التسجيلية الأكثر شهرة وتأثيرا في مصر والعالم الثالث وابنة الواحد والسبعين، على باطن منضدة من الرخام لتلتقط صورة، تراها مختلفة عن السائد. «ما حدث في مصر ليس ثورة، انتفاضة، أشبه بانتفاضة الطلبة في 1968، في الثورات يستولي الثوار على السلطة، في روسيا، ونيكاراجوا، وفييتنام، وكوبا، حدث هذا، الفكر الثوري لازم في كل موقع ، وبناء الإنسان كذلك».في عام 1970 عرضت المخرجة الشابة ، فيلمها الأول "حصان الطين" في جمعية الفيلم بالقاهرة ، وهو يجسد معاناة «ما حدث في مصر ليس ثورة، انتفاضة، أشبه بانتفاضة الطلبة في 1968، في الثورات يستولي الثوار على السلطة، في روسيا، ونيكاراجوا، وفييتنام، وكوبا، حدث هذا، الفكر الثوري لازم في كل موقع ، وبناء الإنسان كذلك». في عام 1970 عرضت المخرجة الشابة ، فيلمها الأول "حصان الطين" في جمعية الفيلم بالقاهرة ، وهو يجسد معاناة صبية ونساء ورجال في صناعة الطوب في ورشة قروية بائسة لتكسب قروش لمواجهة الموت جوعا ، "منذ العرض الأول للفيلم ، وتهمة الإساءة إلى سمعة مصر تلازمني ، هاها ، قالوا إن هذه المخرجة المبتدئة لطخت وجه البلد في الطين ، ولا بد من معاقبتها ، لم أكترث أبدا، أقابل الآن من سبوا أفلامي ، الساندويتش ، و أغنية توحة الحزينة ، و سوق الكانتو ، وغيرها ، آخذهم بالحضن . مجانين هؤلاء . أبطال أفلامي وأبناؤهم هم من نزلوا الشارع وعمدوا بدمائهم انتفاضة الشعب". عندما نفضت عن كاهلها دور "سكرتيرة الرجل العظيم المحتمل"، الزوج الشاب، الذي سيصبح شاعرا مشهورا فيما بعد، عبد الرحمن الأبنودي، اختارت عطيات عوض محمود خليل ، أن لا تتخلى عن تلبية نداء الفن ، حتى وإن تخلت عن اسم عائلتها، لتصبح عطيات الأبنودي ، نسبة إلى رفيق الحياة الذي لن يدم طويلا كذلك . عملت ممثلة ناشئة في مسرح الجيب في منتصف الستينيات ، كان الزوج غير مقتنع بعملها في التمثيل . لم تكن تعرف ما تريده من الفن وقتها . لم تقاوم شلال تلميحات الرفيق، ولم تغبن روحها المسكونة بالجنون ، فتقدمت بأوراقها لمعهد السينما في عام 1968 لتدرس بقسم الإخراج. قبل رحلة السفر المهمة لإنجلترا لدراسة تقنيات السينما التسجيلية ، كانت عطيات الأبنودي ، في مهلكة السياسة في ستينيات جمال عبد الناصر . لم تكن عضوا في أي تنظيم سري ، لكن بيتها ، كان ملتقى كل المطاردين من البوليس بتهمة الشيوعية ، وإضافة لذلك ، كانت زوجة للشاعر الذي سيدخل المعتقل في 9 أكتوبر 1966 ، بتهمة الإشتراك في تنظيم " ماوي " ، نسبة إلى ماو تسي تونج ، الزعيم الصيني وقتها . لم يكن القبض على عبد الرحمن مفاجأة ، فقد ألقى البوليس القبض على أصدقاءه ، الواحد يلو الآخر ، بدءا من صلاح عيسى ، الكاتب والأخصائي الاجتماعي وقتها ، وغالب هلسا ، الروائي الأردني ، والشاعر سيد حجاب ، وسيد خميس ، الناقد الأدبي ، وجمال الغيطاني ، كاتب القصة القصيرة ، والقاص يحيى الطاهر عبد الله بعد فترة من الهرب. عندما تتذكر عطيات الأبنودي مشاهد الشهور الصعبة ، قبل الإفراج عن الزوج ورفاقه في مارس وأبريل من العام التالي ، عندما تتذكرها وتقارنها بدراما السنوات التي لم تكن معه ، بعد انفصالهما في أكتوبر 1989 ، تقول غافرة ، مطمئنة ، " أنا لا أدين أحدا ، أنا مؤمنة بالتغيرات التي تحدث في النفس البشرية ، ، أنا أحترم المنجز المشترك بيننا ، كتابي الأخير ، أيام لم تكن معه ، يوثق دوري ، النسخة الإنجليزية منه ، عنوانها : مواسم الغفران ، خطاباتنا المتبادلة ، وثيقة تاريخية ، حكم بين الصدق وغيره ". بعد مرور سنوات على الإنفصال يرفع الشاعر الشهير ، دعوى قضائية في المحاكم لمطالبة الرفيقة " عطا " كما كان يوقع خطاباته لها ، بالتخلي عن لقب " الأبنودي "، " هل هناك أحد في الدنيا يمكن أن يلغى تاريخه ، حتى هو ليس في اسم عائلته الأبنودي ، هذا لقب ، أنا حرة ، من حقي أن أنتسب لأي مدينة . " ، تنظر إلى صورة ابنتها بالاختيار . كانت تحملها على كتفيها ، متطابقان في الملامح ، تنفرج أسارير الأم بوضوح صوب ذلك الخيط المضيء.
منذ بضع سنوات ، لا ترد عطيات على الهاتف يوميا ، في الفترة من العاشرة مساء إلى العاشرة صباحا ، " لو خبر حلو ينتظر ، لو خبر سيئ، لا داع للعكننة قبل النوم " . تقضي يومها مع القراءة . تعرب بوضوح عن قلقها من القادم في مصر ، " ليس هناك مرشح قوي للانتخابات الرئاسية ، سأنتخب من لديه برنامج اجتماعي واضح ".
تتابع عن كثب ما يجري في تونس ، التي تعشقها ، وليبيا ، واليمن ، والبحرين ، وسوريا ، " قلقة جدا ، ليس هناك حزب قوي ، يدعم الانتفاضات الشعبية في العالم العربي. النقابات العمالية المستقلة ، خطوة. التنظيم في كل موقع . تنمية الوعي . حقوق الإنسان . هذا سيحول ما يجري لثورات جذرية في المستقبل". تقول إنها ستبقى مولعة بالحياة لآخر نفس ، ولا تراجع أفكارها القديمة ، ولا تتعلم من أخطائها ، " أنا أكثر واحدة لا تتعلم من أخطائها ، ولا أهتم في كل الأحوال ، عندما أفقد شيئا ، أقول لنفسي ساخرة : حافظة نقود ، وضاعت في الأتوبيس " . لكنها لا تضيع وقتها هدرا . تعكف الآن على الانتهاء من مشروع مكتوب اسمه وصف مصر بالكاميرا . تغويها الكتابة الآن أكثر ، " الصورة وثيقة ، والكتاب وثيقة أخرى لها وظيفة . الجيل الجديد من التسجيليين عليه أن يبدع ، ويثور على كل القواعد ، بالمناسبة ، أنا لست أستاذة لأحد منهم ، أبارك أعمالهم فقط ، من حق كل واحد أن يكون هو".