لم يكن من المستغرب أن يواجه قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من خطة العمل المشتركة الشاملة، المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، لاعتراضات كبيرة من الدول الخمسة الأخرى الموقعة على الاتفاق، والدول الأخرى التي استفادت من الاتفاق. هذا الهجوم تصاعد بشكل كبير بعد إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، والتي ألغتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كجزء من الاتفاق. وأعيد فرض الجولة الأولى من العقوبات في 7 أغسطس الجاري، وشملت حظر شراء إيران للدولار الأمريكي، وكذلك منع التجارة في الذهب والسيارات. ومن المقرر أن تدخل الجولة الثانية من العقوبات، والتي تعد أكثر قسوة، حيز التنفيذ في الرابع من نوفمبر المقبل، في الذكرى التاسعة والثلاثين لاقتحام السفارة الأمريكية في طهران، وستشمل فرض عقوبات على جميع صادرات النفط الإيرانية. مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، أكدت أن هذا الاعتراض يأتي بشكل جماعي من حلفاء الولاياتالمتحدة، ومنافسيها الاستراتيجيين وشركائها المحتملين. حيث قالت الدول الخمس الأخرى الموقعة على الاتفاقية النووية الإيرانية، أنها ستضمن أن إيران لا تزال قادرة على تصدير نفطها وغازها. كما أشارت الصين، التي تستورد 650 ألف برميل من النفط الإيراني يوميًا، إلى أنها لن تقلص حصتها، كما أكدت تركيا أنها ملتزمة بتنفيذ عقد لشراء 9.5 مليار متر مكعب من الغاز الإيراني خلال العقد المقبل. اقرأ المزيد: كيف تؤثر العقوبات الأمريكية على إيران؟ وفي الوقت نفسه أعلنت الهند، التي تحصل على 18% من نفطها من إيران، وثاني أكبر مستورد للنفط الإيراني بعد الصين، استمرارها في شراء النفط الإيراني، مشيرة إلى أن الأممالمتحدة لم تعد فرض العقوبات. المجلة الأمريكية، أشارت في تقرير لها، إلى أسبابًا خمسة، توضح لماذا تعترض هذه الدول على العقوبات الأمريكية على إيران: 1- الاتفاق كان فعالًا أشارت المجلة إلى أن الاتفاق النووي الإيراني، كان أكثر فعالية من أي اتفاقية أخرى لوقف سباق التسلح بين الدول. فوفقًا لأحد عشر تقريرًا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أجرت عمليات تفتيش هي الأكثر صعوبة على بلد ما، فإن إيران التزمت بروح ونص الاتفاقية. حيث أصبح برنامجها النووي سلميًا بشكل كامل منذ توقيع الاتفاق في 2015، كما قام الإيرانيون بتعديل منشآت المياه الثقيلة بحيث لا تستطيع إنتاج البلوتونيوم اللازم لإنتاج قنبلة نووية. كما خفضت مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 98%، وخفضت عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في عمليات تخصيب اليورانيوم ل13 ألف جهاز فقط. 2- زيادة صادرات النفط الإيرانية منذ توقيع الاتفاق، عكفت إيران على زيادة صادراتها اليومية من النفط، لتصل من حوالي مليون برميل يوميًا إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين برميل. اقرأ المزيد: «النظام لن يسقط».. ماذا بعد تطبيق العقوبات الأمريكية على إيران؟ وساعدت هذه الزيادة في الحفاظ على السعر العالمي للنفط أدنى بكثير مما كانت عليه خلال عاميي 2011 و2012، عندما وصل سعر البرميل إلى أكثر من 100 دولار. وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن إعادة فرض العقوبات الأمريكية لن تؤدي إلى زيادة أسعار النفط فحسب، بل قد تؤدي إلى ركود عالمي آخر مماثل للكساد الذي حدث منذ عقد من الزمان. 3- دعم القوى المعتدلة في طهران ساعد توقيع الاتفاقية النووية، حكومة الرئيس الإيراني المعتدل نسبيا، حسن روحاني، على الفوز في الانتخابات مرة أخرى، والاستمرار في الحكم لفترة ثانية. حيث ساعدت الاتفاقية، الاقتصاد الإيراني على تحقيق نمو أكبر مما حققته خلال الفترة التي كانت فيها العقوبات قائمة. وقبل أن يعلن ترامب عن انسحابه من الاتفاقية، كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 4.3% هذا العام، ومن المتوقع أن تنخفض نسبة النمو إلى 1.8% فقط. 4- إنقاذ المنطقة من سباق تسلح "ناشيونال إنترست"، أكدت أن الاتفاقية النووية، منعت دول الشرق الأوسط من الدخول في سباق تسلح نووي، بل من الممكن القول أنها منعت اندلاع حرب جديدة في المنطقة. فلو استمرت إيران على طريق تطوير سلاح نووي، فليس هناك شك في أن دولًا مثل السعودية والإمارات كانت ستسعى هي الأخرى لبناء برنامجها لتطوير أسلحة نووية. اقرأ المزيد: كيف سيعيش الإيرانيون بعد تطبيق العقوبات الأمريكية؟ علاوة على ذلك، كان هناك احتمال أن تشن إسرائيل ضربة استباقية ضد إيران، لو استمرت طهران في إحراز تقدم نحو تطوير سلاح نووي. 5- لا توجد استراتيجية أمريكية واضحة العديد من المتابعين أكدوا أنه من الواضح أن انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاقية وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، لا يستند إلى استراتيجية واضحة، أو لها أهداف واقعية. حيث يتساءل بعض حلفاء أمريكا، وكذلك منافسوها، عما إذا كان هدف واشنطن الحقيقي هو تغيير النظام، وهو ما أكده دبلوماسيان أوروبيان شاركا في المفاوضات مع الولاياتالمتحدة بشأن كيفية فرض العقوبات على إيران. ويعتقد آخرون أن الإدارة تأمل، كما أشار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في أن تجبر العقوبات إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات، وأن تضع حدًا لجميع عمليات التخصيب وتطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، وإعادة جميع المواطنين الأمريكيين المحتجزين لديها، وسحب قواتها من سوريا وإنهاء دعمها لحزب الله وحماس والحوثيين.