أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 أكتوبر 2025    هيئة «الرقابة المالية» تستهدف إطلاق سوق المشتقات في مصر خلال 2026    وزير البترول يبحث مع شركات التعدين الأسترالية فرص الاستثمار في مصر    حماس تجدد التزامها باتفاق الهدنة: حريصون على إنجاحه وتنفيذه على أرض الواقع    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي شغل سلسة من المناصب في "حزب الله"    شجرة وحيدة ناجية.. مستوطنون يبيدون حقل زيتون بالضفة    حجازي يتصدر تشكيل نيوم لمواجهة الخليج في الدوري السعودي    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 107 مليون جنيه خلال أسبوع    مصرع 4 تجار مخدرات وأسلحة وضبط آخرين بحوزتهم مواد مخدرة بقيمة 76 مليون جنيه بالغربية والشرقية    البابا تواضروس: أدعوكم أن تتعرفوا على بلادنا مصر بتاريخها العريق وحضارتها الممتدة    مفتي الجمهورية يؤدي صلاة الجمعة في العاصمة الماليزية برفقة رئيس الوزراء    وزير الدفاع والفريق أحمد خليفة يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    "حماس" تسلّم جثتي إسرائيليين مساء اليوم    بيسكوف: العقوبات الأمريكية ستكون بلا جدوى كسابقاتها    مستقبل وطن ينظم مؤتمرات حاشدة لتشجيع المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب| فيديو    الوداد المغربي يتعاقد مع حكيم زياش    الغزاوي: واثق في وعي الجمعية العمومية ومشاركة الأعضاء يوم 31 أكتوبر واجب تجاه تاريخ الأهلي    تفاصيل مشاركة وزير الشئون النيابية في منتدى البرلمانيين العربي الآسيوي    خبير: مصر نجحت في تعزيز موقعها داخل السوق الأوروبي ب «الصادرات الزراعية»    بالأسماء، إصابة 4 أشخاص في تصادم سيارتين ملاكي على طريق المنصورة جمصة    لأول مرة مهرجان الموسيقى العربية يعزز نجاحه المحلي وينطلق دوليًا بثلاث حفلات لنجوم الطرب المصري في الإمارات    منة هيكل: جناح توت عنخ آمون بالمتحف المصري الكبير تجربة فريدة    من التمر إلى الزيتون.. رحلة النباتات المباركة بين العلم والإيمان    "الصحة" تعلن محاور المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    فى اليوم العالمي، ماهو شلل الأطفال وأسبابه وأعراضه وطرق الوقاية منه    في جولة ليلية مفاجئة، نائب وزير الصحة يحيل مدير مستشفى حلوان العام للتحقيق    مؤتمر سلوت عن الخطأ الصغير وحاجة كيركيز وجاكبو لتواصل أفضل    آس: رافينيا خارج الكلاسيكو ومدة غيابه تمتد لشهر    محمد وهبي - مُعلم خجول أصبح بطلا للعالم.. ورحلة خاصة ل فهم اللعبة واكتشاف المواهب    ترامب: لن نطلب موافقة الكونجرس لشن هجمات على عصابات المخدرات    الجدل يتجدد في أمريكا حول إلغاء التوقيت الصيفي واعتماد توقيت دائم    أمن القاهرة يوجه ضربات حاسمة لعصابات السرقة    "الداخلية" ضبط 13 شركة ببني سويف للنصب علي راغبي السفر إلي الخارج    انطلاق القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء المصرية إلى شمال سيناء    جمارك مطار أسيوط تضبط تهريب كمية من مستحضرات التجميل    جذوره تعود لآل البيت.. من هو إبراهيم الدسوقي بعد تعليق الدراسة أسبوعًا بسبب مولده؟    من العدم إلى الخلود.. الداعية مصطفى حسني من جامعة القاهرة: الإنسان يمر ب4 مراحل (تفاصيل)    بينها «مؤتمر الذكاء الاصطناعي واجتماع فولبرايت».. الحصاد الأسبوعي للتعليم العالي (تفاصيل)    عالم أزهري: أكثر اسمين من أسماء الله الحسنى تكرارًا في القرآن هما الرحمن والرحيم    الأمم المتحدة: 30 مليون سوداني بحاجة عاجلة للمساعدات    إصابة شاب في تصادم سيارة بسور استراحة محافظ مطروح    إعدام 187 كيلو مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك خلال حملات تموينية في أسوان    وزيرة التنمية المحلية: إزالة أدوار مخالفة في حي الزيتون بالقاهرة واتخاذ إجراءات قانونية حازمة تجاه المخالفين    أوسكار رويز يطير للإمارات 4 نوفمبر لحضور مباريات السوبر المصرى    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. وحكم الاستماع إليها من الهاتف    سر ساعة الإجابة يوم الجمعة وفضل الدعاء في هذا الوقت المبارك    أفضل الأدعية والأذكار المستحبة في يوم الجمعة وفضائل هذا اليوم المبارك    الوزير: افتتاح مصنع جديد في صناعة الضفائر الكهربائية للمركبات قريبا    بعثات أثرية فرنسية وإيطالية تواصل أعمالها فى مناطق آثار الفيوم    أبراج تشارك حياتها الخاصة مع متابعيها على السوشيال ميديا.. أبرزهم برج الحمل    مجلة فوربس: رئيس الرعاية الصحية ضمن أبرز 10 قادة حكوميين بالشرق الأوسط لعام 2025    خطة مانشستر يونايتد لضم نجم نوتنجهام فورست    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    بعد «أقدم ممر فى التاريخ» و«موكب المومياوات».. مصر تستعد لإبهار العالم مجددًا بافتتاح المتحف المصرى الكبير    مهند في ورطة، بيان من محامي شقيقة كيفانش تاتليتوج بعد ضجة أنباء اعتقالها بتركيا    المشهراوي: لا بد من إطلاق إعمار غزة سريعًا لتثبيت صمود الشعب    وكيل صحة الفيوم تفتتح أول قسم للعلاج الطبيعي بمركز يوسف الصديق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة قصيدة النثر
نشر في التحرير يوم 17 - 07 - 2018

فى كل مرحلة من مراحل تطور الشعر العربى، حدث صراع بين المدارس الشعرية المختلفة، والشعراء والنقاد ودارسى الشعر، وذلك لانحياز كل طرف إلى تكوينه وزائقته وذوقه وتجربته. ظهر هذا الصراع جليا وحادا، عندما بدأ جيل جديد وتجارب شعرية مختلفة، تنتقل من الشعر العمودى، إلى الشعر الحر، ومن الموسيقى والمجازات واللغة والإيقاعات إلى عوالم شعرية تتجاوز التراث الكلاسيكى للشعر العربى فى عديد مراحله، لا سيما فى العصر الحديث. من هنا واجه الشعر الحر -وفق نازك الملائكة- هجوما شرسا، ونكرانا، ورفضا لخروج الشعرية الجديدة عن الصراط الشعرى المستقيم وتراثه التاريخى، ونمطا من التلقى التقليدى. جاء الشعر الحر ومعه حس وتجربة ولغة مختلفة، تتجاوب مع متغيرات عصره وأذواقه وحساسيته وساهم فى نقلة نوعية فى التجارب الشعرية العربية، على الرغم ضراوة المحافظين فى رفض هذا النمط الجديد للقصيدة واللغة وفضاءاتها الجديدة وغير المألوفة، ووصل الأمر إلى التشكيك فى شرعية انتمائها إلى فن الشعر، لأن سطوة الذائقة المحافظة كانت تعتمد على سيطرتها على السلطة الثقافية الرسمية، وكانت تشكل عقلية حراس البوابات للمرور لما هو شعرى، وما هو خارج الشعر فى النشر والملتقيات الشعرية والمؤتمرات. من ناحية أخرى اعتمد هؤلاء على الذائقة الشعرية والأدبية التقليدية التى تعتمد على الموسيقى، والإيقاع وجماليات القصيدة ضمن الموروث الشعرى التى يتم تعليمها للطلاب فى المناهج الأدبية المقررة. على الرغم من السياجات التى فرضت على الشعر الحر، فإن التجارب الجديدة فرضت شرعيتها ولغتها وعوالمها وتجاربها لأنها ابنة زمنها وتغيراته الكبرى، وشكلت نقلة نوعية فى الشعر المصرى والعربى، على أيدى نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتى، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطى حجازى، وأدونيس وسعدى يوسف ومجايليهم، الذين قدموا تجارب ومشروعات شعرية كبرى رفدت الشعر العربى بدماء جديدة فوارة.
يبدو أن كل جيل شعرى ينحاز لتجاربه، ويعتبرها أحد معايير الحكم على بعض تجارب الأجيال الشعرية التالية له، وهو الأمر الذى حدث أيضا مع جيل السبعينيات فى مصر والعالم العربى، حيث اختلفت تجارب بعض شعرائه الموهوبين عن الأجيال السابقة، وتأثر بعضهم ببعض الرؤى والتنظيرات حول الشعر على خلاف الأجيال السابقة إلى أن رسخت تجارب بعضهم وقدمت أعمالهم من خلال عديد الدراسات النقدية التى استوعبت عوالمهم الشعرية. قصيدة النثر ولدت كتجربة شعرية متميزة، وهى محاصرة، وذلك من خلال التشكيك فى شرعيتها، وانتمائها للشعر من بعض شعراء التفعيلة، وذلك لعديد من الاعتبارات وعلى رأسها، أن التنظيرات الغربية حول قصيدة النثر لم تكن مترجمة إلى اللغة العربية، ولم يطلع على أدبياتها إلا قلة من الشعراء والنقاد، ومن ثم لم تكن مستوعبة فى المعرفة والتكوين والوعى النقدى لعديد من نقاد الشعر والأدب العربى. من ناحية أخرى شكل فائض التقليد الشعرى السائد والمهيمن فى مناهج التعليم، أحد أبرز مصادر قوة التيار الرافض لشعرية قصيدة النثر وعوالمها ولغتها ومجازاتها، ومن ناحية أخرى إغلاق السلطة الثقافية الرسمية أبوابها أمام قصيدة النثر. إن نظرة على وضعية الشعر والشعراء والمأزق التاريخى الذى يبدو واضحًا يعود إلى التغير فى أنماط استهلاك وتلقى الأنواع الأدبية، والميل العالمى العام إلى السرديات الروائية على حساب تلقى الشعر والقصة القصيرة، وهو اتجاه عام بات سائدا فى مصر والعالم العربى، واتجاه بعض الشعراء الى كتابة الرواية. ثمة عمليات تغير كونية تمس أوضاع الثقافات التى تتسم بسطوة الثقافة الاستهلاكية وتأثيرها على أنماط الاستهلاك والتلقى للفنون والأنواع الأدبية، لا سيما فى ظل تمددها من خلال الثورة الرقمية وفضاءاتها، على نحو أدى إلى التأثير على تلقى الشعر. لا شك أن أزمة الشعر المصرى والعربى هى جزء من هذه الظواهر العولمية سابقة الذكر، وثمة أسباب أخرى عامة تتصل بالثقافة المصرية، وبعضها يعود إلى تطور قصيدة النثر وحقل الشعراء، يمكن لنا إيرادها على النحو التالى:
أ- مشكلة تعليم الأدب فى المناهج المقررة فى مراحل التعليم المختلفة، والتى تعتمد على اختيارات وذائقة تقليدية يختلط فى بعضها الدينى بالأدبى، وعلى نمط من الاختيارات الأدبية لبعض النصوص التقليدية فى تاريخ الأدب العربى، والاعتماد فى عرضها على الشروح اللغوية لمعانى المفردات، والتركيز على الحفظ والتكرار لا التحليل وتكوين الذائقة المرهفة والملكات النقدية، ومن ثم تنحو صوب التأسيس للعقل النقلى التقليدى المرتكز على الدينى، لا العقل النقدى. من ناحية أخرى غياب بعض المختارات من الآداب العالمية فى المناهج كى يطلع الطلاب على رحابة وتنوع وثراء الآداب الإنسانية مع الأدب المصرى والعربى.
ب- الطابع التقليدى فى تعليم اللغة العربية، وصعوبة البنى النحوية والصرفية، والتى تحتاج إلى تحريرها من التعقيد وتبسيطها. من ناحية أخرى ثمة مشكلة خاصة بالفجوة المعرفية والاصطلاحية الناتجة عن فجوة الترجمة عن اللغات العالمية. لا شك أن هذه الفجوة تُعسر من عملية تلقى الشعر الحداثى وتحولاته.
ج- أزمة الرداءة الممتدة والتى تشكلت حول قصيدة النثر من بعض من يفتقرون للموهبة واعتقدوا أنها حقلا مستباحا للهراء باسم الشعر، من خلال الغموض الممتحل والبنى المتصدعة، وركاكة المجازات وعجز المفردات على نحو جعل بعض قراء الشعر يجفلون من قصيدة النثر وشعريتها المتميزة. هذا التمدد للرداءة، تجاور معه وتداخل ضعف التكوين حول الشعر المصرى والعربى والعالمى لدى بعض محررى الصفحات الثقافية التى لا تأبه كثيرا بالإنتاج الشعرى الإبداعى فى مجال قصيدة النثر. من ناحية أخرى ضعف متابعة بعض النقاد للإنتاج الشعرى للأجيال المتتالية لقصيدة النثر العربية، ويلاحظ أن بعضهم توقف عند بعض كبار وشعراء العربية، من قبيل نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتى، وبلند الحيدرى، وأنسى الحاج، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطى حجازى، ووديع سعادة وسركون بولس إلى حد ما، وبعض من جيل السبعينيات كعبد المنعم رمضان و حلمى سالم، وحسن طلب، وفريد أبو سعدة وجمال القصاص ومحمد سليمان وأحمد طه وآخرين، وقليلاً ما تابع بعضهم إنتاج الأجيال الشعرية اللاحقة بالتحليل النقدى. لا شك أن الفجوة النسبية بين الشعر والنقد، ساهمت فى الفجوة الكبيرة بين الشعر والتلقى، على نحو أدى إلى غربة قصيدة النثر وبعض شعرائها.
د- أزمة ثقافة الشاعر التى نجد جذورها وظلالها لدى بعض الشعراء الموهوبين، ونجد بعضهم يدور فى بعض عوالم الشعر العربى، وترجمات من الشعر العالمى، وبعض من استهلاك السرديات الروائية، ولا يكاد بعضهم يتجاوز هذه الحدود، وهو أمر لا يقيم أود القصيدة، والتى تحتاج إلى روافد معرفية متعددة، وحس بصرى حاد، وتركيب ثقافى متميز.
5- سطوة الذائقة الشعرية المحافظة فى المؤسسة الثقافية الرسمية، فى اختياراتها ومواقفها من الأجيال الشعرية الجديدة على خريطة قصيدة النثر.
لا شك أن الأسباب السابقة وغيرها أسهمت ولا تزال فى إقصاء وغربة الشعر الجديد وشعرائه، ومن ثم أثرت على تطور شعرية قصيدة النثر، وبروز مشروعات شعرية، والاستثناءات محدودة فى أجيال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى وما بعد.
على الرغم مما سبق سيظل الشعر مستمراً ما بقيت الكلمات والشعراء والتجارب الشعرية المفتوحة على زمانها، ومن ثم قصيدة النثر وما بعد بعدها، ستأخذ اسمها من تجاربها الجديدة وسياقاتها وزمانها، لأن التجربة الشعرية هى تجربة وجود وشهود ورؤيا للعالم وللشرط الإنسانى، هى إبحار فى الجوهرى والكينونى والحى، وتمرد وهدم وبناء وتفكيك وتركيب، وشهادة رمزية على المصير الإنسانى دونما صراخ أو عويل، لأنها بلغة الشعر ومنطقه ومجازاته، شهادة وجودية بامتياز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.