وزير العمل يترأس الاجتماع الثلاثي للتحضير لمؤتمر العمل الدولي    هل زادت أسعار وشرائح الضريبة على الدخل والأرباح التجارية؟، وزير المالية يوضح    وزير المالية: لا زيادة في أسعار أو شرائح الضريبة على الدخل بما فيها ضريبة الأرباح التجارية والصناعية    وزير خارجية البحرين يكشف تفاصيل المباحثات المرتقبة بين الملك والرئيس الصيني    كأس مصر، سموحة يتأهل لدور ال16 بهدف في شباك لافيينا    صرخات الرعب، إصابة سيدة سقط بها أسانسير في عقار بالغربية    أول تعليق ل عبد الرحيم كمال بعد حصوله على جائزة الدولة للتفوق: غمرتني الفرحة    بتكلفة 32 مليون جنيه، افتتاح أعمال تطوير مسجد الطنبغا المارداني بالدرب الأحمر    فيلم "بنقدر ظروفك" يواصل احتلال المركز الرابع    جامعة بنها تحتفل باليوم العالمى للتمريض وتكرم أسر الشهداء والمتميزين من الأطقم الطبية    مشاركون في قوافل «حياة كريمة»: سنتجه إلى قنطرة شرق الأسبوع المقبل    جامعة بنها تحتفل باليوم العالمي للتمريض وتكرم أسر الشهداء    القبض على «ٌقمر الوراق» بحوزتها 2.5 كيلو «حشيش» (التفاصيل الكاملة)    الاتحاد السكندري يعلن قبوله دفعه جديدة من الناشئين بسعر رمزي لشراء استمارة التقديم    ما حكم الصلاة الفائتة بعد الإفاقة من البنج؟.. أمين الفتوى يجيب    ضبط شخص يدير صفحة عبر "فسيبوك" للنصب على أهالي كفر الشيخ    لاعب أرسنال: الأعين كلها نحو رفح    إصابة جندي بولندي في عملية طعن على يد مهاجر غير شرعي    بدء الاختبارات الشفوية الإلكترونية لطلاب شهادات القراءات بشمال سيناء    محافظ جنوب سيناء يترأس الاجتماع الأسبوعي لمتابعة الموقف التنفيذي للمشروعات    متى يلزم الكفارة على الكذب؟.. أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح    بسبب نادي نيس.. مانشستر يونايتد قد يشارك في دوري المؤتمر الأوروبي    شركات محددة تستحوذ على "نصيب الأسد"، اتهامات بالتلاعب في تخصيص الأراضي بالدولار    رئيس الأعلى للإعلام يشيد بالعلاقات القوية بين مصر والسعودية    قومية سوهاج تقدم عرض اللعبة ضمن موسم مسرح قصور الثقافة بالصعيد    كشف ملابسات سرقة سائق بإحدى شركات تطبيقات النقل الذكي حقيبة سيدة    الخميس.. قصور الثقافة تقيم حفل أغاني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بمسرح السامر مجانا    محافظ الإسماعيلية يشيد بدور مجلس الدولة في فض المنازعات وصياغة القوانين    عضو تنسيقية تقدُّم: إعلان مجلس السيادة السوداني عن حكومة كفاءات وشيكة تهديدٌ للقوى المدنية    تعرف علي مناطق ومواعيد قطع المياه غدا الاربعاء بمركز طلخا في الدقهلية    روسيا تطور قمرا جديدا للاتصالات    برلماني: الرئيس يثق في قدرة الحوار الوطني على وضع رؤية اقتصادية جديدة للدولة    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    القبض على المتهم بقتل صديقه في مشاجرة بقليوب    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    شبانة: لجنة التخطيط تطالب كولر بحسم موقف المعارين لهذا السبب    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. تصل إلى 9 أيام متصلة (تفاصيل)    محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    دفاع الفنان عباس أبو الحسن: تسلمنا سيارة موكلى ونتتظر سماع أقوال المصابتين    الطب البيطرى: تحصين 144 ألفا و711 رأس ماشية ضد الحمى القلاعية بالجيزة    سياح من كل أوروبا.. شاهد رحلات جولات البلد على كورنيش الغردقة    بشرى للمواطنين.. تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة حتى نهاية الأسبوع    خلال زيارته للمحافظة.. محافظ جنوب سيناء يقدم طلبا لوفد لجنة الصحة بمجلس النواب    نسألك أن تنصر أهل رفح على أعدائهم.. أفضل الأدعية لنصرة أهل غزة ورفح (ردده الآن)    تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة فؤاد شرف الدين.. «كان يقاوم الألم»    إسرائيل تعتقل 22 فلسطينيا من الضفة.. وارتفاع الحصيلة إلى 8910 منذ 7 أكتوبر    وزيرة الهجرة تستقبل أحد رموز الجالية المصرية في جينف بسويسرا    محافظ الجيزة: تطوير وتوسعة ورصف طريق الطرفاية البطئ    رئيس وزراء إسبانيا: نعترف رسميا بدولة فلسطين لتحقيق السلام    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    كارول سماحة تعلق على مجزرة رفح: «قلبي اتحرق»    معهد صحة الحيوان يعلن تجديد اعتماد مركز تدريبه دوليا    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    وزير الصحة يبحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز التعاون في اللقاحات والأمصال    دويدار: الجزيري أفضل من وسام أبو علي... وأتوقع فوز الزمالك على الأهلي في السوبر الإفريقي    حمدي فتحي: أتمنى انضمام زيزو لصفوف الأهلي وعودة رمضان صبحي    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    مدرب الألومنيوم: ندرس الانسحاب من كأس مصر بعد تأجيل مباراتنا الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة قصيدة النثر
نشر في التحرير يوم 17 - 07 - 2018

فى كل مرحلة من مراحل تطور الشعر العربى، حدث صراع بين المدارس الشعرية المختلفة، والشعراء والنقاد ودارسى الشعر، وذلك لانحياز كل طرف إلى تكوينه وزائقته وذوقه وتجربته. ظهر هذا الصراع جليا وحادا، عندما بدأ جيل جديد وتجارب شعرية مختلفة، تنتقل من الشعر العمودى، إلى الشعر الحر، ومن الموسيقى والمجازات واللغة والإيقاعات إلى عوالم شعرية تتجاوز التراث الكلاسيكى للشعر العربى فى عديد مراحله، لا سيما فى العصر الحديث. من هنا واجه الشعر الحر -وفق نازك الملائكة- هجوما شرسا، ونكرانا، ورفضا لخروج الشعرية الجديدة عن الصراط الشعرى المستقيم وتراثه التاريخى، ونمطا من التلقى التقليدى. جاء الشعر الحر ومعه حس وتجربة ولغة مختلفة، تتجاوب مع متغيرات عصره وأذواقه وحساسيته وساهم فى نقلة نوعية فى التجارب الشعرية العربية، على الرغم ضراوة المحافظين فى رفض هذا النمط الجديد للقصيدة واللغة وفضاءاتها الجديدة وغير المألوفة، ووصل الأمر إلى التشكيك فى شرعية انتمائها إلى فن الشعر، لأن سطوة الذائقة المحافظة كانت تعتمد على سيطرتها على السلطة الثقافية الرسمية، وكانت تشكل عقلية حراس البوابات للمرور لما هو شعرى، وما هو خارج الشعر فى النشر والملتقيات الشعرية والمؤتمرات. من ناحية أخرى اعتمد هؤلاء على الذائقة الشعرية والأدبية التقليدية التى تعتمد على الموسيقى، والإيقاع وجماليات القصيدة ضمن الموروث الشعرى التى يتم تعليمها للطلاب فى المناهج الأدبية المقررة. على الرغم من السياجات التى فرضت على الشعر الحر، فإن التجارب الجديدة فرضت شرعيتها ولغتها وعوالمها وتجاربها لأنها ابنة زمنها وتغيراته الكبرى، وشكلت نقلة نوعية فى الشعر المصرى والعربى، على أيدى نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتى، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطى حجازى، وأدونيس وسعدى يوسف ومجايليهم، الذين قدموا تجارب ومشروعات شعرية كبرى رفدت الشعر العربى بدماء جديدة فوارة.
يبدو أن كل جيل شعرى ينحاز لتجاربه، ويعتبرها أحد معايير الحكم على بعض تجارب الأجيال الشعرية التالية له، وهو الأمر الذى حدث أيضا مع جيل السبعينيات فى مصر والعالم العربى، حيث اختلفت تجارب بعض شعرائه الموهوبين عن الأجيال السابقة، وتأثر بعضهم ببعض الرؤى والتنظيرات حول الشعر على خلاف الأجيال السابقة إلى أن رسخت تجارب بعضهم وقدمت أعمالهم من خلال عديد الدراسات النقدية التى استوعبت عوالمهم الشعرية. قصيدة النثر ولدت كتجربة شعرية متميزة، وهى محاصرة، وذلك من خلال التشكيك فى شرعيتها، وانتمائها للشعر من بعض شعراء التفعيلة، وذلك لعديد من الاعتبارات وعلى رأسها، أن التنظيرات الغربية حول قصيدة النثر لم تكن مترجمة إلى اللغة العربية، ولم يطلع على أدبياتها إلا قلة من الشعراء والنقاد، ومن ثم لم تكن مستوعبة فى المعرفة والتكوين والوعى النقدى لعديد من نقاد الشعر والأدب العربى. من ناحية أخرى شكل فائض التقليد الشعرى السائد والمهيمن فى مناهج التعليم، أحد أبرز مصادر قوة التيار الرافض لشعرية قصيدة النثر وعوالمها ولغتها ومجازاتها، ومن ناحية أخرى إغلاق السلطة الثقافية الرسمية أبوابها أمام قصيدة النثر. إن نظرة على وضعية الشعر والشعراء والمأزق التاريخى الذى يبدو واضحًا يعود إلى التغير فى أنماط استهلاك وتلقى الأنواع الأدبية، والميل العالمى العام إلى السرديات الروائية على حساب تلقى الشعر والقصة القصيرة، وهو اتجاه عام بات سائدا فى مصر والعالم العربى، واتجاه بعض الشعراء الى كتابة الرواية. ثمة عمليات تغير كونية تمس أوضاع الثقافات التى تتسم بسطوة الثقافة الاستهلاكية وتأثيرها على أنماط الاستهلاك والتلقى للفنون والأنواع الأدبية، لا سيما فى ظل تمددها من خلال الثورة الرقمية وفضاءاتها، على نحو أدى إلى التأثير على تلقى الشعر. لا شك أن أزمة الشعر المصرى والعربى هى جزء من هذه الظواهر العولمية سابقة الذكر، وثمة أسباب أخرى عامة تتصل بالثقافة المصرية، وبعضها يعود إلى تطور قصيدة النثر وحقل الشعراء، يمكن لنا إيرادها على النحو التالى:
أ- مشكلة تعليم الأدب فى المناهج المقررة فى مراحل التعليم المختلفة، والتى تعتمد على اختيارات وذائقة تقليدية يختلط فى بعضها الدينى بالأدبى، وعلى نمط من الاختيارات الأدبية لبعض النصوص التقليدية فى تاريخ الأدب العربى، والاعتماد فى عرضها على الشروح اللغوية لمعانى المفردات، والتركيز على الحفظ والتكرار لا التحليل وتكوين الذائقة المرهفة والملكات النقدية، ومن ثم تنحو صوب التأسيس للعقل النقلى التقليدى المرتكز على الدينى، لا العقل النقدى. من ناحية أخرى غياب بعض المختارات من الآداب العالمية فى المناهج كى يطلع الطلاب على رحابة وتنوع وثراء الآداب الإنسانية مع الأدب المصرى والعربى.
ب- الطابع التقليدى فى تعليم اللغة العربية، وصعوبة البنى النحوية والصرفية، والتى تحتاج إلى تحريرها من التعقيد وتبسيطها. من ناحية أخرى ثمة مشكلة خاصة بالفجوة المعرفية والاصطلاحية الناتجة عن فجوة الترجمة عن اللغات العالمية. لا شك أن هذه الفجوة تُعسر من عملية تلقى الشعر الحداثى وتحولاته.
ج- أزمة الرداءة الممتدة والتى تشكلت حول قصيدة النثر من بعض من يفتقرون للموهبة واعتقدوا أنها حقلا مستباحا للهراء باسم الشعر، من خلال الغموض الممتحل والبنى المتصدعة، وركاكة المجازات وعجز المفردات على نحو جعل بعض قراء الشعر يجفلون من قصيدة النثر وشعريتها المتميزة. هذا التمدد للرداءة، تجاور معه وتداخل ضعف التكوين حول الشعر المصرى والعربى والعالمى لدى بعض محررى الصفحات الثقافية التى لا تأبه كثيرا بالإنتاج الشعرى الإبداعى فى مجال قصيدة النثر. من ناحية أخرى ضعف متابعة بعض النقاد للإنتاج الشعرى للأجيال المتتالية لقصيدة النثر العربية، ويلاحظ أن بعضهم توقف عند بعض كبار وشعراء العربية، من قبيل نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتى، وبلند الحيدرى، وأنسى الحاج، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطى حجازى، ووديع سعادة وسركون بولس إلى حد ما، وبعض من جيل السبعينيات كعبد المنعم رمضان و حلمى سالم، وحسن طلب، وفريد أبو سعدة وجمال القصاص ومحمد سليمان وأحمد طه وآخرين، وقليلاً ما تابع بعضهم إنتاج الأجيال الشعرية اللاحقة بالتحليل النقدى. لا شك أن الفجوة النسبية بين الشعر والنقد، ساهمت فى الفجوة الكبيرة بين الشعر والتلقى، على نحو أدى إلى غربة قصيدة النثر وبعض شعرائها.
د- أزمة ثقافة الشاعر التى نجد جذورها وظلالها لدى بعض الشعراء الموهوبين، ونجد بعضهم يدور فى بعض عوالم الشعر العربى، وترجمات من الشعر العالمى، وبعض من استهلاك السرديات الروائية، ولا يكاد بعضهم يتجاوز هذه الحدود، وهو أمر لا يقيم أود القصيدة، والتى تحتاج إلى روافد معرفية متعددة، وحس بصرى حاد، وتركيب ثقافى متميز.
5- سطوة الذائقة الشعرية المحافظة فى المؤسسة الثقافية الرسمية، فى اختياراتها ومواقفها من الأجيال الشعرية الجديدة على خريطة قصيدة النثر.
لا شك أن الأسباب السابقة وغيرها أسهمت ولا تزال فى إقصاء وغربة الشعر الجديد وشعرائه، ومن ثم أثرت على تطور شعرية قصيدة النثر، وبروز مشروعات شعرية، والاستثناءات محدودة فى أجيال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى وما بعد.
على الرغم مما سبق سيظل الشعر مستمراً ما بقيت الكلمات والشعراء والتجارب الشعرية المفتوحة على زمانها، ومن ثم قصيدة النثر وما بعد بعدها، ستأخذ اسمها من تجاربها الجديدة وسياقاتها وزمانها، لأن التجربة الشعرية هى تجربة وجود وشهود ورؤيا للعالم وللشرط الإنسانى، هى إبحار فى الجوهرى والكينونى والحى، وتمرد وهدم وبناء وتفكيك وتركيب، وشهادة رمزية على المصير الإنسانى دونما صراخ أو عويل، لأنها بلغة الشعر ومنطقه ومجازاته، شهادة وجودية بامتياز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.