قد تكون هناك في مصر العديد من المناطق غير المخططة جيدا، بل وقد يكون جزء منها تحول إلى عشوائيات وجزء آخر مبانيه قديمة وبعضها متهالك، إلا أن هذه المناطق لها تاريخ عريق، يجعل هناك أمل ألا تتعرض تلك المناطق للهدم، من أجل أن تتحول إلى مشروعات استثمارية، فأحيانا التراث والتاريخ يجعلنا نفكر كثيرًا قبل اتخاذ خطوة تمحو تلك المناطق بشكلها الشعبي المتعارف عليه على مر السنين، إلا أن ما حدث خلال الأيام الماضية من القضاء على عدد كبير من مباني منطقة بولاق أبو العلا من أجل مشروع مترو الأنفاق، ومن أجل تطوير منطقة مثلث ماسبيرو وتحويلها إلى مشروع استثماري كبير، أثار حالة من التخوفات لدى باقي أصحاب العقارات والمحلات في المنطقة، من أن تهدم منازلهم وتمحى بولاق أبو العلا لتتحول إلى مشروع استثماري. تاريخ بولاق أبو العلا يمتد تاريخ منطقة بولاق أبو العلا إلى مئات السنين، وتعد من أعرق أحياء محافظة القاهرة، أخذت شهرتها مع حملة بونابرت عام 1798، واستخدامها للوصول إلى مناطق الوجه البحري. ويتواجد في حي بولاق أبو العلا العديد من المؤسسات الصحفية، منها جريدة الأهرام، ومؤسسة أخبار اليوم، وجريدة المساء. وانتشرت العمارات على الطريق بدءا من حديقة الأزبكية إلى كوبري أبو العلا وكانت بها أماكن تعد ملتقى الأدباء والمفكرين، ومنها عمارة الجندول التي أقامها الموسيقار محمد عبد الوهاب مكان بار سان جيمس، الذي كان يجلس فيه الشاعر أحمد شوقي وعمر لطفي المحامي، وعمارة شيكوريل التي قامت مكان "بار صولت" الحلواني، الذي كان مطعما ومحلا للحلوى ومشربا للخمر، وكان "صولت" هذا متلقى كبار الأدباء والشعراء والمثقفين والصحفيين، يتقدمهم أحمد شوقي الذي كان مكانه المفضل بين العاشرة مساء والواحدة صباحا، ويتجمع حوله الدكتور محجوب ثابت بك الطبيب الأديب، والشيخ عبد العزيز البشري ومحمود فهمي النقراشي وعبد الحليم العلايلي، وأمين الرافعي رئيس تحرير جريدة الأخبار "القديمة" وسليمان فوزي صاحب جريدة الكشكول وصالح البهنساوي الصحفي الشمهور في "الأهرام". وفي بولاق ثلاثة مساجد تاريخية أشهرها مسجد السلطان أبو العلا، وأكبرها مسجد سنان باشا، وأقدمها مسجد زين الدين يحيى. وفي عهد محمد علي تحولت بولاق إلى منطقة صناعية ضخمة، منها المسابك والمصانع، وفيما بين بولاق وشبرا على ساحل النيل، أقيمت الورش الكبرى والمطبعة الأميرية ودار الصناعة الكبرى والمباني الحكومية وحظيرة واسعة أطلق عليها اسم "المبيضة"، إذ كان يتم "تبيض" الأقمشة بالأساليب المستحدثة، وأنشئ مصنع الخوخ على شاطئ النيل وامتاز بجودة إنتاجه وأزيلت أنقاض بولاق، وفيها أنشئت أول دار للطباعة في الشرق، وبجوارها أنشئ مصنع لصناعة الورق ليمد المطبعة بما تحتاجه، بل أنشئ مسبك لسبك الحروف العربية اللازمة للمطبعة. وتحولت بولاق والسبتية إلى منطقة صناعية فيها مسابك الحديد ومصانع الأقمشة وورش النجارة والحدادة وغيرها من الصناعات والحرف المختلفة. بدأت عملية التطوير في حي بولاق عندما تم إزالة العشش والمباني العشوائية وأنشأت الدولة مقرا للدبلوماسية المصرية على كورنيش بولاق، ثم بناء مبنى الإذاعة والتلفزيون في أوائل الستينات، ومؤخرا هدم منطقة مثلث ماسبيرو للبدء في تطويرها. ارتباك بعد هدم مثلث ماسبيرو حالة من الخوف والارتباك تسيطر على سكان منطقة بولاق أبو العلا، وكذلك على أصحاب محلات الوكالة، بعد هدم منطقة مثلث ماسبيرو من أجل تطويرها، وكذلك هدم العديد من المحلات المطلة على شارع 26 يوليو والعقارات، من أجل مشروع مترو الأنفاق، وأصبح لدى السكان قناعة بأن الهدم سيصل إليهم وسقضي على منطقة بولاق بالكامل، وسيتم تحويلها إلى مشروع استثماري. أيمن عطية أحد سكان بولاق أبو العلا قال ل"التحرير"، إن السكان يعيشون في حالة من الرعب، بعد هدم منطقة ماسبيرو وعدد من العقارات والمحلات المطلة على 26 يوليو، وأصبح هناك يقين بأن الحكومة ستهدم باقي المنطقة، وبخاصة أن هناك عددًا من البماني المتهالكة، ويتردد أيضًا بين السكان أن المنطقة قد يتم تحويلها إلى مشروع استثماري كبير. وأضاف عطية، أن السكان الذين نُقلوا من مثلث ماسبيرو ما زالوا يعانون، فالتعويضات ضئيلة لسكان يتركون منازلهم التي عاشوا بها، ثم ينتقلون لعقارات أخرى أسعارها باهظة، وتتعدى ما حصلوا عليه من تعويضات، مؤكدا أن غالبية سكان منطقة بولاق أبو العلا من الطبقة المتوسطة والفقيرة، وعملية الهدم أثرت على الكثيرين سلبيا. وطالب الحكومة بترميم المباني في منطقة بولاق وتوجيه رسالة طمأنينة للمواطنين بأن الهدم لن يصل لهم في يوم من الأيام، مثلما حدث خلال الفترة الماضية. انتصار خلف إحدى سكان منطقة بولاق أبو العلا قالت ل"التحرير"، أن القلق والخوف أصبح يسيطر على السكان، قد لا يصل الهدم إلى باقي المنطقة خلال هذه الأيام، ولكن هناك توقعات بأن يحدث ذلك خلال الفترة المقبلة، مؤكدة أنها تعيش في بولاق منذ سنوات طويلة، والمكان يحمل ذكرياتها هي وعائلتها، كما أن ارتفاع أسعار العقارات سيضع السكان في مأزق، اذا تم إخلاء المنطقة. وأضافت "خلف"أنه لم يبلغهم أحد سوى بهدم منطقة مثلث ماسبيرو فقط، ولكن لا بد من طمأنة المواطنين، وترميم المنازل المتهالكة، مؤكدة أن المنطقة بها العديد من العقارات التراثية ذات الطابع المعماري المميز، هذا بالإضافة إلى أن المنطقة تاريخية بطابعها الشعبي، وتردد بعض الأقاويل عن احتمالية تحويلها إلى مشروع استثماري كبير، يُثير غضب المواطنين بشكل يومي. تطوير مثلث ماسبيرو فقط اللواء إبراهيم عبد الهادي رئيس حي بولاق أبو العلا أكد ل"التحرير"، أنه لا داع للتخوف من جانب المواطنين، لأن مخطط التطوير يشمل فقط منطقة مثلث ماسبيرو، وما يتردد عن أن منطقة بولاق أبو العلا سيتم هدم مبانيها، أمر غير صحيح، وغير مطروح، ووجود عقارات متهالكة ليس مقياس لاتخاذ قرار بهدم باقي العقارات، فمصر بها مناطق عديدة بها عقارات متهالكة، وهذا لا يعني القضاء على منطقة بالكامل، ومخطط التطوير يشمل فقط مثلث ماسبيرو وما دون ذلك شائعات. يُذكر أن محافظة القاهرة تعاونت مع وزارة الإسكان بحصر عدد سكان مثلث ماسبيرو وتسليمهم استمارات رغبات تتضمن 3 رغبات، أولاها الحصول على وحدة بديلة بحي الأسمرات، والثانية الحصول على تعويض مادي يبلغ 100 ألف جنيه، أما البديل الثالث فهو الحصول على وحدة سكنية بمنطقة ماسبيرو عقب الانتهاء من عملية التطوير في مقابل دفع أقساط شهرية، وهو البديل الذي رفضه كثيرون منهم بسبب ارتفاع الأقساط بما لا يتناسب مع محدودي الدخل، وانتهت الحكومة بالفعل من إخلاء المنطقة وهدم المباني استعداد لبدء عملية التطوير، وأصدرت قرارًا مؤخرا بهدم عدد آخر من العقارات المطلة على شارع 26 يوليو.