تعد الديمقراطية من أهم الشروط التي يطلبها المواطنون في حكامهم، وإذا تمكن الحاكم من تطبيقها وصفوه بحسن السياسة، ولم تكن فكرة الديمقراطية فكرة مستحدثة، بل هي كائنة منذ آلاف السنين، فهناك شخصيات في التاريخ الإسلامي ضربوا لنا أروع الأمثلة في ذلك، منهم معاوية بن أبي سفيان، الذي اشتهر في عهده مصطلح "شعرة معاوية"، وجاء المصطلح من عبارته الشهيرة "لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها"، فكان معاوية معروفا بدهائه وحسن سياسته في التعامل مع الناس. من هو معاوية بن أبي سفيان؟ هو معاوية بن صخر بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، يلتقي نسبه مع الرسول في عبد مناف، وهو الطفل الذي تنبأ أبواه له بمستقبل عظيم لما ظهر عليه من ذكاء ونبوغ ودهاء، ففي ذات يوم نظر إليه أبو سفيان وقال "إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه"، فقالت أم معاوية "قومه فقط؟ ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة". وروي أنه عندما كان معاوية غلاما صغيرا يمشي مع أمه وإذ به يتعثر فتقول له أمه، قم لا رفعك الله، فيقول أعرابي: لا تقولي ذلك فإن ابنك سيسود قومه"، وكان يظن الناس ذلك في معاوية لما عرف عنه من الشجاعة والقيادة، والهيبة، وكان عمر بن الخطاب كلما رأى معاوية قال "هذا كسرى العرب". ولد معاوية قبل البعثة بخمس سنوات، ودخل الإسلام في السنة السابعة للهجرة، وكان من رواة أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ووردت أحاديث له في البخاري ومسلم وغيرهما من السنن. ويروي معاوية قصة إسلامه قائلا «لما كان عام الحديبية صدت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت ودافعوه بالراح وكتبوا بينهم القضية، وقع الإسلام في قلبي، فذكرت ذلك لأمي هند بنت عتبة فقالت: إياك أن تخالف أباك، أو أن تقطع أمرا دونه فيقطع عنك القوت، فكان أبي يومئذ غائبا في سوق حباشة قال فأسلمت وأخفيت إسلامي، فوالله لقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وإني مصدق به، وأنا على ذلك أكتمه من أبي سفيان، وعلم أبو سفيان بإسلامي فقال لي يوما: لكنْ أخوك خير منك، فهو على ديني، قلت: لم آل نفسي خيرا وقال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح فأظهرت إسلامي ولقيته فرحب بي». تزوج معاوية من أربع، أنجبن له "يزيد، وعبد الله، ورملة، وهند، وعائشة"، وكان له من الأشقاء سبعة، منهم، يزيد، وعتبة، وعنبسة، وأم المؤمنين أم حبية. وفي يوم طلب أبو سفيان من النبي محمد أن يجعل معاوية كاتبا عنده لما عرف عنه من الحفظ والإتقان، وبالفعل وافق الرسول، وأصبح معاوية من كتاب الوحي، حيث كان يدون كل ما ينزل على النبي من آيات القرآن. أعمال معاوية من أجل توسيع الدولة الإسلامية اشتهر معاوية بالشجاعة والدهاء، والدفاع عن الإسلام والمسلمين، فقد قاتل المرتدين في معركة اليمامة، وفتح الشام، وصيدا، وجبل بيروت، وتولى قيادة الجيش في عهد خلافة أبى بكر، إمدادا لأخيه يزيد بن أبي سفيان، وتولى ولاية دمشق بعد وفاة يزيد في عهد خلافة عمر بن الخطاب، وتولى ولاية الأردن في الشام، وتولى خلافة المسلمين في دمشق عاصمة دولة الخلافة الإسلامية، ويعد هو صاحب ومنفذ فكرة الأسطول البحري الإسلامي وأمر ببناء السفن من أجل الدفاع عن السواحل الإسلامية. واهتم معاوية ببناء الجيش الإسلامي، وعرف عنه حسن اختيار من يعملون معه، وأنشأ الدواوين المركزية. وتوفى معاوية في دمشق عن عمر يناهز ال78 عاما فقد كان واليا على الشام عشرين سنة من قبل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وتولى الخلافة عشرين سنة بعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.