إيه قصة الرجولة؟ كلنا نعرف ناس بتشتكي إن ماعادش فيه رجالة، وأصحابهم وقرايبهم بس هم اللي بقوا رجالة بجد. الرجولة في التعبير ده عبارة عن خليط من الشهامة والإخلاص والأمانة والجدعنة، يعني صفات مالهاش علاقة بالرجولة في حد ذاتها، وإنما بتُعتبر رجولية في إطار الخطاب الذكوري الشائع في مصر والعالم. اللي بيشتكي من اختفاء الرجالة وبيعظّمهم في نفس الوقت بيعتبر إن الرجولة شيء جوهري وصفاته معروفة ومحددة. سواء اختفت أو ماختفتش، الرجولة هي الرجولة في الآخر، في كل زمان وفي كل مكان. ولكن إذا تبعنا تفكير المنظرة النسوية الأمريكية جوديث باتلر، الرجولة مالهاش وجود في المطلق لأنها نتيجة أفعال أدائية يومية. في مقال مؤسس عنوانه "الأفعال الأدائية وتكوين النوع الجنسي"، باتلر راجعت التصورات المسبقة عن الجنس (sex) والنوع الجنسي (gender). في التصور الذكوري الشائع خاصةً في أوروبا والشرق الأوسط، مافيش فرق بين الجنس والنوع الجنسي، والناس بتتكلم عن الإثنين وكأنهم مجرد حاجة واحدة مرتبطة بجنس الشخص مباشرةً، وكأن الأعضاء التناسلية بتحدد الصفات الفردية والاجتماعية اللي بتفرّق بين الرجالة والستات. الكتابات النسوية الأوروبية والعربية في القرن العشرين فككت التصور الشائع ده وانتقدته بشدة. الكتابات دي أثبتت إن الجنس والأعضاء اللي بنتولد بها مالهاش أي علاقة بالطريقة اللي المجتمع بيكوّن بها نوعنا الجنسي. حسب مقولة الفيلسوفة الفرنسية المشهورة سيمون دي بوڤوار (Simone de Beauvoir): "لا نولد نساء، بل نصبح كذلك". يعني بغض النظر عن الجسم اللي الواحدة اتولدت فيه، المحيط الشخصي والاجتماعي اللي حوليها هو اللي بيشكّل وبيكوّن نوعها الجنسي (gender)، ونقدر نطبّق نفس الكلام على أي رجل أو ست أو غيرهم. التحليل ده قوي لأنه بيفرّق بين العوامل البيولوجية اللي بتحدد جنس البشر، اللي بتُستَخدم دايماً عشان تبرر الحدود الصارمة بين وضع الرجالة والستات في المجتمع، والعوامل الفكرية والاجتماعية اللي بتحدد التعامل مع الناس بصفتهم "رجالة" أو "ستات"، اللي بتتغيّر دايماً حسب السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي. إذا كان فعلاً فيه ربط بيولوجي بين جنس الشخص ونوعه الجنسي، ماكانش هيكون فيه اختلاف كبير في التعاملات بين الرجالة والستات عبر الزمن وعبر المكان. وإنما نظرة واحدة للفروق في العلاقات بين الرجالة والستات حتى في حدود جغرافية ضيقة زي الزمالك وإمبابة وكرداسة مثلاً تقدر تورّي إن التصورات الشائعة دي مش صحيحة. باتلر أخدت نقد الأفكار الذكورية دي لأبعاد ثانية. في رأيها، النقد النسوي التقليدي ماركزش في الأفعال اليومية البسيطة اللي بتخللي الناس تكوّن نوعها الجنسي. فمثلاً الرجولة مش مجرد مجموعة من الصفات الموجودة في جسم الشخص اللي بيتولد بأعضاء معيّنة أو في سياق تاريخي معيّن، وإنما هي عبارة عن أفعال وأداءات يومية. "الرجل" عبارة عن شخص بيقص شعره قصير ويقدر يطوّل ذقنه وبيتكلم بصوت خشن وبيساعد أصحابه بدون مقابل وبيدافع عن الفقير والضعيف وبياكل عيشه من الحلال إلخ. الأفعال دي أدائية، مش بمعنى إن الرجل اللي عايز يبقى رجل بيمثّل رجولته وكأنه بيتنكر بنوعه الجنسي في مسرحية الحياة، وإنما بمعنى إن الأفعال دي "بتأدّي" تكوين نوعه الجنسي، يعني هي اللي بتحقق وجوده المادي كرجل بمعنى الكلمة. بالمنطق ده، الأدائية هي اللي بتصنع الرجولة، لأن مافيش حاجة اسمها "رجل" أو "ست" قبل الأفعال الأدائية التكرارية اليومية اللي بتبني فروق بين الرجالة والستات وبتأسس تاريخ من الأفعال بتفرّق بينهم وبين بعض. الإشارات اليومية للتاريخ ده بترسّخ أفكار معيّنة عن الجنس والأنواع الجنسية: مثلاً، مافيش أي سبب طبيعي ولا منطقي يخللي لون الولاد هو الأزرق ولون البنات هو البمبي، إلا طبعًا تاريخ الإشارات لكل الولاد اللي لبسوا أزرق والبنات اللي لبست بمبي لغاية ما اللونين بقوا مرتبطين بنوعين جنسيين مختلفين. في بدايات القرن العشرين في أوروبا، الألوان دي كانت معكوسة: الولاد كانوا بيلبسوا بمبي والبنات كانت بتلبس أزرق، لإن تاريخ الأفعال الأدائية اللي بتحدد مين يقدر يلبس إيه دايمًا بيتحوّل حسب الزمن والمكان. في الآخر، الإنسان مالوش جنس ولا نوع جنسي ولا حتى إحساس ذاتي قبل الأفعال الأدائية اليومية اللي بتشكّل وبتكوّن جسمه وذاته. بالتالي مافيش فرق بين الجنس والنوع الجنسي حسب باتلر، لأن الإثنين نتيجة أداء يومي بيكوّن "الرجل" أو "الست" أو غيرهم، زي ما بيكوّن شخصيتهم وقناعاتهم وتوجههم الجنسي. التفرقة بين الجنس الطبيعي اللي مابيتغيّرش والنوع الجنسي اللي بيتغيّر مالهاش معنى في إطار إن الجنس والنوع الجنسي ممكن يتغيّروا حسب أداء الناس، وده في حد ذاته هو اللي بيكوّن جنس/ نوع البشر (sex/gender). الناس ماعندهاش جنس/ نوع في حد ذاتها: دي بتنتج جنسها/ نوعها عبر أفعال متكررة ومستمرة. يعني الرجولة مالهاش قصة إلا عن طريق الأداءات اللي بتثبّتها في أجسام الرجالة، ولذلك نقدر نفكك ونغيّر رجولتهم إذا غيّرنا أداءاتهم.