مع بدء الموسم السنوى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، اتجهت آمال الناشرين لتحقيق نجاح أكبر لتعويض خساراتهم فى الأعوام السابقة مع حرصهم على استمرار المعرض تحت أى ظروف وتحديات، ورغم العمليات الإرهابية التى تضرب مصر حاليًّا، ومن ثَمّ سعى كل العاملين بدور النشر للاجتهاد نحو استقطاب القراء من خلال اختيار عناوين جديدة أكثر جودة وابتكار مفاجآت وفاعليات جاذبة للجمهور، خصوصًا لتشجيع الشباب على ارتياد المعرض والشراء، وفى حين أشاد البعض بتنظيم المعرض اشتكى آخرون من عشوائية التنظيم وعدم العدل فى توزيع الأجنحة على دور النشر، ليكون الفيصل فى ذلك هو الحظ لا ما يدفعه الناشر كقيمة إيجار الجناح. وحسب ما أكده مصطفى الفرماوى مدير تزويد مكتبات الشروق، فإن الخوف الأكبر الذى يهدّد سلامة المعرض واستمراره يتمثّل فى موعد إقامته الذى يتزامن دائمًا مع توقيت ال25 من يناير، والقلق من وقوع اشتباكات أو أعمال شغب، مشددًا على ضرورة التخلّص من تلك المخاوف وعدم الالتفات إليها. كما يرى الفرماوى أن الحركة مستقرة وجيدة هذا العام والمعرض على استعداد لاستقبال الجمهور وإن كان بعض سرايا الدول العربية فارغة، مؤكدًا أن هيئة الكتاب وفّرت الأماكن والخيام المعدة لإقامة اللقاءات الثقافية، وليس هناك أى تغيير، مطمئنًا الجمهور بأن هناك تكثيفًا أمنيًّا للمعرض، وحسب تقديره للمشكلات المادية التى تعرّضت لها المكتبات ودور النشر، قال «الخسارة تجاوزت ال50% فى السنوات الماضية، وهناك مصاريف ورواتب موظفين وإيجارات فروع، وضرائب، ودعاية، ورغم ذلك فنحن متماسكون». وبشأن تقصير الدولة فى الدعم الثقافى، أكد أن جميع مؤسسات الدولة تعانى القصور، مشيرًا إلى الوقفات الاحتجاجية العديدة أمام فروع مكتبات «الشروق»، منددة بغلاء أسعار الكتب والشكوى المستمرة من القراء بسبب القيمة الباهظة للكتاب، موضحًا أن تلك المشكلة خارج نطاق السيطرة، لأن دار النشر تعانى من جهة أخرى بسبب غلاء مواد الطباعة من الورق ومستلزمات إنتاج الكتاب دون دعم، فى حين أن وزارة الثقافة بيدها حل تلك المشكلة، لافتًا إلى حسنات مشروع مكتبة الأسرة الذى أتاح تأسيس مكتبة فى كل بيت، على الرغم من أنه لم يكن يعتنى باختيار العناوين وكان خاضعًا للمحسوبيات والمجاملات، لكنه كان على الجانب الآخر ناجحًا وتم أخذ فكرته من مصر وتطبيقها فى عدة دول، متمنيًا عودة مكتبة الأسرة فى ثوب جديد لتدعم الكتّاب الشباب حتى لا يتم استغلالهم. كما دعا الفرماوى الدولة لدراسة وتنفيذ مشروعات للنشر تتمثل فى مكتبات قائمة بذاتها كهيئة مستقلة خاصة بالنشر، مؤكدًا أن هذا سيكون بمثابة مشروع الدولة لو تم العمل عليه، لأن هناك أقلامًا شابة جيدة ومتميزة بحاجة إلى مَن يلقى عليها الضوء ويسهم فى إبرازها ورعايتها. كما أكد موسى علِى مسؤول الإعلام بالدار المصرية اللبنانية، أن فكرة إلغاء معرض الكتاب أو عرقلته مستبعدة تمامًا فى ظل الاهتمام الجماهيرى به على مستوى الجمهورية، فهو يعد موسمًا ثقافيًّا ينتظره الجميع من كل المحافظات، مضيفًا أن الأحداث السياسية لن تؤثر على النشاط داخل المعرض، ويرى موسى أنه رغم الاضطرابات السياسية فى الوطن العربى كله لا مصر فقط، فإن المعرض سيستمر وفق المدة المقررة له، وهناك نيّة من اتحاد الناشرين لمد فترته. ومن ناحية أخرى، اقترح موسى بشأن تنمية الحراك الثقافى فى مصر أن تشترى الدولة عددًا لا بأس به من كل كتاب يتم نشره فى دور النشر الخاصة، على أن تقوم بتوزيعه بداخل قصور الثقافة والمكتبات العامة وحتى مكتبات الجامعات والمدارس، ولفت إلى إشكالية تزوير الكتب التى تعانى منها دور النشر والكتّاب على السواء، وقال إنها تلقى بظلالها السيئة على صناعة النشر وإنتاج الكتاب، وليست هناك قوانين رادعة فى تلك الجريمة، مطالبًا الدولة بتفعيل قانون حماية الملكية الفكرية بشكل أكبر. واقترح أن يتم تدريس مواد حماية الملكية الفكرية فى المدارس مثلما تفعل الدول المتقدمة، حتى يزرع فى نفوس الصغار احترامها وقيمتها وتجريم السطو عليها. ومن جانبها، أبدت نفين التهامى المدير التنفيذى لدار كيان، عدة ملاحظات على معرض هذا العام، أهمها الموعد الذى يحل وسط الاضطرابات، مما يتسبب دائمًا فى ضرر لكل الناشرين، وأضافت «ناشدنا المسؤولين فى الأعوام السابقة بضرورة تغيير موعد المعرض، لكن دون جدوى، وعلى أى حال يعتبر المعرض حدثًا ثقافيًّا دوليًّا.. من المفترض أن يحظى باهتمام أكبر»، مؤكدة أن التنسيق مع الناشرين ومراعاة ظروفهم أمر مهم، وضرورة توفير قاعة مغلقة لعقد المؤتمرات بدلًا من الخيام والسرادق. كما أوضحت التهامى أن هناك شكوى متكررة من الناشرين بسبب الأجنحة التى تخضع للحظ دون تنسيق، وفى بعض الأحيان يكون وضع الجناح فى مكان غير ملائم، مما يؤثّر سلبًا على المبيعات بسبب صعوبة العرض. وقالت «للأسف.. قيمة الأجنحة تختلف طبقًا للمساحة فقط». على صعيد متصل، عبّر الناشر محمد الجابرى «مجموعة النيل العربية»، عن استيائه بخصوص عدم التنظيم بداخل المعرض، وقال إن القاعات غير مرقّمة وهو ما يصعب الوصول إلى القاعات. وعن الخسائر الاقتصادية، ذكر الناشر إسلام فتحى «دار الحلم»، «خسرت دور النشر ماديًّا فى الأعوام الثلاثة الماضية، ولم تحقق أى أرباح تُذكر، إضافة إلى ضعف الإقبال الجماهيرى على فاعليات المعرض، خصوصًا من أبناء الأقاليم، وكانت المشاركة العربية والأجنبية ضعيفة للغاية فى الفترة التى أعقبت ثورة 25 يناير، أما بالنسبة إلى معرض هذا العام، فتوقع إسلام فتحى أن تظل المشكلة قائمة، خصوصًا أن المعرض يتزامن مع ذكرى الثورة الثالثة وعقب الاستفتاء مباشرة، وفى أجواء سياسية مشحونة، خصوصًا مع تهديد الإخوان بممارسة العنف، وكل ما نرجوه هو تأمين المعرض جيدًا من قبل الجيش والشرطة، لأن هناك كتبًا تُقدّر بملايين الجنيهات وهناك حفلات بحاجة إلى التأمين على سلامة الحضور والكتّاب. وعن نشاط الناشرين هذا العام، أكد فتحى اجتهادهم فى محاولة لاستقطاب قوة شرائية أكبر وأقوى من خلال العناية الفائقة باختيار مضامين وعناوين وأعمال جيدة ومن خلال فاعليات أكثر تميزًا تم التحضير لها. وطالب بأن تدعم وزارة الثقافة وهيئة الكتاب مستلزمات النشر من أوراق وأحبار، مؤكدًا أن الدعم سينعكس على صناعة النشر إيجابيًّا، وستصبح أسعار الكتب فى متناول اليد، وناشد الإعلام بأن يقوم بدوره بصورة أكبر، موضحًا أن المصالح والمحسوبيات ما زالت تتحكم وأن الصحفيين ومعدى البرامج التليفزيونية يقومون بمجاملة أصدقائهم من الكتاب والناشرين فقط ولا يتم إلقاء الضوء على الأقلام الجديدة من الشباب. وعلى العكس مما سبق، توقّع هيثم حسن مدير التوزيع بدار نشر «ن»، أن ينجح المعرض هذا العام نجاحًا غير مسبوق. كذلك شدد هيثم حسين، على ضرورة التماسك وعدم الاستسلام لتهديدات الإخوان بإفشال المعرض، مؤكدًا أن دار «ن» تشارك فى معرض الكتاب لأول مرة، داعيًا الجمهور إلى تنحية الخوف جانبًا، وقال «لو أننا نخاف من النواحى الأمنية فلن نعمل ولن نتقدم خطوة واحدة نحو الأمام»، مضيفًا «نحن لا نعلم ما الذى سيحدث، لكننا نعلم ما الذى سنقدمه، والدليل على ذلك أننا بدأنا العمل رسميًّا فى الدار قبل ثورة 30 يونيو بيومين فقط، ولم نعطِ فرصة للخوف بأن يعرقل مسيرتنا، ومبدأنا هو الاجتهاد تحت أى ظرف».