واشنطن تواصل محاولاتها من أجل الوصول إلى حل سياسى للأزمة السورية، وأيضًا لمساعدة الحكومة العراقية فى سعيها لاحتواء المواجهات المسلحة وخطر «القاعدة» فى مناطق عديدة من الأراضى العراقية. ومن المقرر أن يلتقى جون كيرى وزير الخارجية، نظراءه العرب فى باريس لمناقشة عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية وما تم بشأنها حتى الآن. وكان نبيل العربى أمين عام الجامعة العربية، ونبيل فهمى وزير الخارجية المصرى، قد توجّها إلى باريس للمشاركة فى هذا الاجتماع. ويرى بعض المراقبين المتابعين لجهود كيرى التفاوضية المتواصلة والمضنية أن «كيرى ربما يُعتبر المتفائل الوحيد» بشأن ما تتم محاولة تحقيقه والوصول إليه فى الملف الفلسطينى-الإسرائيلى. وقد غادر كيرى واشنطن، أمس «السبت»، متوجهًا إلى باريس ليحضر أيضًا اجتماع مجموعة لندن 11، التى تضم دولًا عربية وأوروبية تساند المعارضة السورية «المعتدلة». وهذا التوصيف أو التصنيف «المعتدلة» قد بدأ استعماله بكثرة مؤخرًا مع تزايد مجموعات المعارضة المتطرفة وانتشارها فى المشهد السورى. وهذا الاجتماع الذى يحضره كيرى فى باريس يعد جزءًا من التحضيرات الدبلوماسية من أجل «جنيف 2»، وسوف يحضره أيضًا أحمد عاصى الجربا رئيس الائتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة السورية. وكان كيرى قد اتصل تليفونيًّا «الخميس» بنظيره الروسى سيرجى لافروف، للحديث والتشاور عن الملف السورى. ومن المقرر أن يجتمع معه غدًا «الإثنين» فى باريس. وفى إطار الجهود الدبلوماسية الأمريكية، ذكر مسؤولون بالخارجية الأمريكية أن الولاياتالمتحدة وشركاءها يضغطون على النظام السورى من أجل الموافقة على «إجراءات بناء الثقة»، مثل السماح بتوصيل المواد الغذائية والأدوية ومساعدات أخرى ل250 ألف سورى تم حرمانهم من مواد الإغاثة الإنسانية بسبب القتال الدائر فى البلاد. وتتضمن إجراءات بناء الثقة الأخرى الإفراج عن معتقلين سياسيين والموافقة على وقف إطلاق النار فى بعض المناطق أو التوقف عن استعمال الأسلحة الثقيلة. وكان قد أُشير من قبل إلى أن هذه الخطوات بشكل عام تعد «إجراءات بناء للثقة» وليست «شروطًا يجب تنفيذها» من أجل انعقاد مؤتمر «جنيف 2» والمشاركة فيه. وكان بان كى مون سكرتير عام الأممالمتحدة، قد طالب الحكومة السورية بوقف استخدام «القنابل البرميلية» والسماح بمرور وتوصيل مواد الإغاثة الإنسانية إلى المناطق المحاصرة. وحسب ما قاله بان كى مون «فإن الأممالمتحدة مستعدة للدخول لتلك المناطق من أجل تقديم المساعدة، ولكن نحن فى حاجة إلى التعاون الكامل من جانب الحكومة السورية». وكانت الولاياتالمتحدة قد أعلنت مؤخرًا أن إيران لن تحضر مؤتمر «جنيف 2» الخاص بسوريا والمقرر عقده يوم 22 يناير الجارى، على أساس أن طهران لم تتوقف عن إرسال الأسلحة والأفراد فى دعم حكومة الأسد فى مواجهتها العسكرية ضد المعارضة. ويأتى استمرار واشنطن فى معارضة مشاركة إيران فى وقت أعلنت فيه روسيا مرارًا أهمية وضرورة مشاركة إيران فى المحاولة الدبلوماسية لإيجاد مخرج أو حل سياسى للأزمة السورية. كما أن الأخضر الإبراهيمى المبعوث الخاص فى الأزمة السورية، يفضّل مشاركة إيران. وكان قد نقل عن مرزيا أفخام المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن تجاهل مشاركة إيران وقيامها بدور فى الحل السياسى يعد إهانة لمكانة إيران كقوة إقليمية فى المنطقة. وقال المتحدث الإيرانى إن «الجمهورية الإسلامية فى إيران لن تقبل أى اقتراح لا يحترم كرامتها». من جهة أخرى، بدأت التقارير تتوارد مع نهاية يوم أول من أمس «الجمعة»، بأن صفقة أمريكا والدول الغربية مع إيران حول برنامجها النووى «دخلت طور الإتمام» وأن «تقدمًا جيدًا للغاية قد تحقق»، وأن العديد من القضايا الحيوية العالقة قد تم التوصل إلى تسوية بشأنها. وهذه الصفقة بشكلها الأولى أعلن عنها يوم 24 نوفمبر الماضى. ويرجح بعض المراقبين بأن الصفقة بشكلها النهائى قد يتم الإعلان عنها مع نهاية يناير الجارى. من جهة أخرى، تزايد بشكل ملحوظ عدد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى المطالبين بإعلان عقوبات جديدة على إيران. وقد وصل عددهم إلى 58 «سناتور» من مجموع 100 هم عدد أعضاء مجلس الشيوخ. وذلك على الرغم من أن الإدارة طالبت من قبل وأعربت عن رغبتها «فى أن يتم تأجيل هذا الأمر»، حفاظًا على الأجواء الدبلوماسية السائدة الآن. وكانت إيران قد قالت بأن اتخاذ مثل هذه الخطوة (فرض عقوبات جديدة) يقضى تمامًا على أى جهد دبلوماسى مقبل. ولا شك أن ما يحدث فى العراق مؤخرًا أصبح موضع اهتمام وقلق لواشنطن. خصوصًا أن خطر «القاعدة» يظهر من جديد ويتوعّد الاستقرار الأمنى (ولو كان محدودًا أو نسبيًّا) فى العراق. وكانت الحكومة العراقية إزاء الخطر الأمنى المتنامى قد طالبت بمساعدات عسكرية من طائرات هليكوبتر (آباتشى) وصواريخ لمواجهة الإرهاب. ويرى خبراء أمريكيون أن العراق فى أزمة أمنية حقيقية لا يمكن التهوين من شأنها بسبب ما حدث فى الفلوجة والرمادى. وهذه الأزمة قد تتصاعد وتزداد سوءًا. وليس من مصلحة أمريكا أن تكتفى بالفرجة على ما يحدث. ولا بد من التحرك والمساعدة والوقوف مع حكومة بغداد فى هذه المواجهة. والكونجرس بشكل عام لا مانع لديه وإن كان له بعض التحفظ والانتقاد تجاه تردد الإدارة وتخبطها فى مساعيها الرامية لتقديم المساعدات العسكرية والأمنية للعراق. والأمر اللافت للانتباه أن واشنطن تواجه أزمات العراق الأمنية المتلاحقة، وهى تتشاور مع كابول لإيجاد صيغة لوجود القوات الأمريكية فى أفغانستان والتعاون الأمنى ما بعد عام 2014. ما يحدث فى العراق لا نريد أن يتكرر من جديد فى أفغانستان، هذا هو ما يحذّر منه خبراء عسكريون أمريكيون. والحديث عن «الفراغ الأمنى» فى المنطقة وتبعاته هو حديث الساعة. وهذا الحديث فى تقدير أغلب الخبراء هو حديث الغد أيضًا..