فجر أمس (الثلاثاء) ضربوا ضربتهم فى المنصورة، حطموا بِخسّتهم المعهودة مبنى مديرية أمن الدقهلية وبنايات تجاوره وجزءًا من مسرح المدينة العريقة، قتلوا وأصابوا قيادات ومجندين بالشرطة المصرية، قتلوا وأصابوا بضربتهم التى تشبههم خسةً ووضاعة وحقارة وإجرامًا عابرى سبيل كانوا يسعون فى هذا الفجر البارد وراء لقمة عيشهم. ثم ماذا؟ إنهم يطاردون بشبق الدم المجنون حلمًا حكمت عليه جماهير الشعب بالإعدام، حلم عودة فاشلهم المخلوع إلى السلطة، حلم عودة دستورهم العنصرى البغيض، حلم استعادة مجلس شوراهم وشعبهم، حلم تمكينهم وتمكنهم من رقاب العباد، حلم تعطيلهم الاستفتاء القادم على دستور جديد يصلح ما أفسدوه. إنهم هم خوارج عصرنا وإن تسمّوا بألف اسم وانتقبوا بألف نقاب وتلثموا بألف لثام، لقد شهد شاهد منهم كان يدعى فى ما مضى من أزمنة باسم محمد البلتاجى، قبل أن يسقط عنه القناع فنعرفه بلقب البلطجى، قال : «إن ما يحدث فى سيناء سيتوقف فى الثانية التى يعود فيها مرسى إلى الحكم». هذا ما قاله بلسانه وهذا ما نذوقه منهم يوميًّا، فى سيناء وفى الإسماعيلية، والآن فى المنصورة البهية. ثم ماذا؟ ثم يطلع علينا فى هذا الفجر البارد الدامى، أحدهم ويُدعى مجدى قرقر، يقول على قناة العدو التى تسمى «الجزيرة» كلامًا يفضح المستور، يطالب باستقالة رئيس الوزراء لأنه فشل فى حماية أمن الوطن! عن أى وطن يتحدث مجدى قرقر؟ إنه يتحدث عن وطن مرشده لا عن الوطن الذى نعرفه نحن، هو يريد من الدولة أن تعلن فشلها لكى يعود فاشله المخلوع إلى الحكم ثانية. الرجل لا يلتفت إلى دم برىء مراق، ويواصل كلامه عن فشل الحكومة وجنايتها على الدستور، ويتباكى على شرعية مهدرة، لم يقل كلمة واحدة تدين صراحة ما يجرى تحت ناظريه، ظل يلف ويدور حول ذات المعانى الملتبسة التى لا تقدم سوى ألفاظ سابقة التجهيز ليس فيها من حرارة الدم شىء، ليس فيها من مرارة الكارثة شىء. ومن قرقر تنتقل القناة العدو إلى حاتم عزام قيادى فى جبهة كانت تسمى الضمير وقيادى فى ما يزعمون أنه تحالف لدعم الشرعية. يبدأ عزام مداخلته غير مكلف نفسه عناء مواساة الضحايا أو حتى الترحم عليهم، من أين لهؤلاء القساة أدراك معانى المواساة والتراحم؟ يبدأ كلامه بالسخرية من الذين يطالبون بإعلان عصابة حسن البنا جماعة إرهابية. عزام يقدم تحليلًا من تحليلاتهم وقراءة من قراءاتهم هو يساوى بين حادثة تفجير كنيسة القديسين وبين حادثة تفجير مديرية أمن الدقهلية، ويؤكد أن الحادثة الأولى لم تصن نظام حكم مبارك وأن الثانية لن تحمى نظام حكم السيسى! هل هذا التحليل تخبطٌ من عزام؟ أم أن الرجل يدرك ويعنى ما يقول؟ إنه يدرك خطورة ما قاله، ويستهدف شيئًا سيذكره صراحة عندما يقول: إن الدولة تتعمد صناعة الفوضوى. عزام لا يعترف ولن يعترف لا هو ولا غيره من عموم هذا التيار الإرهابى بأدنى درجة من درجات المسؤولية عن الإرهاب الذى ينشرونه فى مدننا وشوارعنا وجامعاتنا. إنهم كالعادة أبرياء براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب. إنهم مظلمون تستهدفهم الدولة التى تقوم بقتل ضباط جيشها فى سيناء وضباط شرطتها فى المنصورة وتعطل دراسة أولادها فى الجامعات لكى تلصق بهم هذه التهم الظالمة. نحن أمام قوم صم بكم عمى، لن يسمعوا أبدًا ولن يتكلموا أبدًا ولن يبصروا أبدًا، لقد اكتفوا بأكاذيبهم التى آمنوا بأنها الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هؤلاء لن يصلحهم نقاش أو مصالحة أو تراحم، لقد عقدوا عزمهم على مواصلة ما فطروا عليه، هم يؤكدون لنا بأفعالهم أن الإرهاب هو عقيدتهم الأسمى التى لن يتخلوا عنها حتى تقوم الساعة. عقيدتهم هذه ستكون سر هزيمتهم الحاسمة النهائية، لأننا لم نسمع قط بشعب هزمته وضاعة الإرهاب.