فى أحد المقاطع المنتشرة على «يوتيوب»، يقف سياسى بريطانى معارض منتقدًا مرجريت ثاتشر بما معناه أن إحدى المشكلات الكبرى التى حدثت منذ سنة 1979، السنة اللى تولّت فيها الحكم، أن الفجوة بين الفقراء والأغنياء زادت. مرجريت ثاتشر بتاخد الدور فى مجلس العموم علشان ترد عليه. بيلفت نظرى فى كلامها حاجتين بيميزوا السياسيين ذوى الرؤية من وجهة نظرى. أولًا: مش بتاخد موقف دفاعى. مش بتشغل نفسها إنها تدافع عن نفسها. ثانيًا: بتشغل نفسها بتقديم رؤيتها كما هى. وبتاخده لملعبها. رد مرجريت ثاتشر فتح عينى على نقطة مهمة، علشان كده بيسموها رؤية. قالت له إن كل مستويات الدخل، فى كل الطبقات، ارتفعت منذ عام 1979. تصريح واضح. لو كانت كذابة الصحافة البريطانية ممكن تقطعها فيه. أرقام. أومال فين المشكلة؟ هنا بتلف مرجريت ثاتشر وبتحط السياسى البريطانى فى موقع الدفاع من كلامه. المشكلة كما عبّرت عنها ثاتشر هو أن السياسى دا مركز على موضوع الفجوة بين الطبقات. معتبرًا أن تقليل الفجوة دا مفتاح الحل. ومسلم بأن قناعته دى صحيحة. مابيحاولش يختبرها. ولذلك -حسب تعبير ثاتشر- قناعته دى بتخليه يُفضِّل أن الفقرا يثبتوا فى مكانهم، بشرط أن الأغنياء يبقوا أقل غنى. أو بمعنى آخر ماعندوش مشاكل أن الفقرا يفضلوا فى مكانهم بشرط أن الأغنياء يصيروا أقل غنى. تصدّقى فعلًا يا ست ثاتشر!! والنيعمة عندك حق. علشان السياسة تقلل الفروق بين الطبقات لازم لها أنها تكبح جماح الأغنياء، تكبح جماح الاستثمار. وفى نفس الوقت -الاشتراكيين هيقولوا- ترفع مستوى الطبقات الأفقر. إنما مش هيقولوا لنا إزاى؟ إزاى لو كبحوا الاستثمار هيرتفع مستوى الطبقات الفقيرة؟ خلينى هنا آخد المايك وأوضح فكرتى. لو افترضنا أننا خدنا فلوس الأغنياء وأعطيناها للفقراء، إيه اللى هيحصل؟ اللى هيحصل إن الاستثمار مش هيزدهر، ودا معناه أن فرص العمل هتقل، وبالتالى البطالة هتزيد، وهنا يا إما الحكومة تتكفل بالبطالة بتعيينات لا تحتاج إليها، أى تحوّلها من بطالة صورية إلى بطالة مقنعة. يا إما من خلال برامج إعانة.. المهم، فى الحالتين هيكون معناه زيادة أعباء على الحكومة، زيادة ضرايب على المواطنين، زيادة دين داخلى. أو الاعتماد على الاقتراض الخارجى لكى تقوم هى نفسها بمهمة الاستثمار. ودا معناه السياسى أنها هتكون الجهة المتحكمة فى جميع مصادر الرفاهية، إنها هتكون سلطة مركزية مطلقة. وهنا نرجع لمرجريت ثاتشر. دا بيفسر ليه هذه السياسات اللى اتبعتها دولة الكتلة الشرقية لم تسفر فى أى منها عن دولة ديمقراطية. ولو أعيدت فى أى مكان بالصورة دى مش هتنتج أبدًا ديمقراطية. مش هتنتج أبدا ما سمته مرجريت ثاتشر «ديمقراطية أصحاب الأملاك». مافيش ديمقراطية حقيقية مستقرة فى شعب أغلبيته مش متملكة، مش متملكة لسكنها، ولمصدر أرزاقها. دا هو العامل الخفى اللى بيخلى الأفراد مستغنيين عن السلطة، وبيخليهم يحولوها من «ولى النعم» إلى خادم، يسهر على راحتهم وعلى تطبيق القانون، وأيضًا على تحقيق نوع من التناغم الاجتماعى من خلال قوانين متوافقة عليها هذه الأغلبية وممولة من أموالهم. التملّك دا يبدأ من تملك شقة صغيرة، إنشالله أوضة وصالة، المهم إن الإنسانة تحط رجلها على أولى درجات «سلم التملك»، علشان يبقى كل قرار بيلمسها هى شخصيًّا، التضخم بيلمسها، والركود بيأثّر عليها.. إلخ. عكس الكلام دا بالظبط هو ما تسعى إليه السياسات الرأسمالية. أكتر عبارة ممكن تكرهيها لو انتى من أنصار التوجه السياسى الرأسمالى هى «كله بالحنية يفك». الحقيقة أن الاقتصاد مش بيفك بالحنية، الاقتصاد بيفك بقرارات صعبة، إنما ميزانها المنطق. الحنية تكمن فى الاعتقاد بأن دا هيكون لفايدة الناس الحقيقية. زى ما هو الوضع فى الرأسماليات الغربية. الفكرة هتقرّب لو فكرنا فى البطولات الرياضية العالمية. المساواة تعنى سريان نفس القواعد على الجميع، إنما المنافسة مفتوحة، ودا السبب الحقيقى لتقدم اللعبة، أرقام قياسية أكتر بتتحطم على مستوى القمة، ومواهب أكتر بتطلع من القاعدة. وفيه - طيب والفساد؟ زى المنشطات. هتفضل ناس تحاول تفسد. وهنفضل نلاحقهم. بس ماتنسيش إن الفساد مش مرتبط بالرأسمالية، الفساد الأكبر مرتبط بالدول المركزية. زى ما هنشوف بعدين.