فى الصباح كان أول ما شاهدته كاريكاتورا للفنان العلامة فى الحياة المصرية بشكل عام لا الفنية فقط حلمى التونى. راسما فتاة بشعر مجعد، ووجهها مزين بالبلاستر الطبى وعيناها مفتوحتان على اتساعهما ليس خوفا ورعبا ولكن صدمة أو صرخة أو تنبيها أو تحذيرا ووعيدا، قائلة «اللى مايحمنيش مايحكمنيش»، ومناسبة الكاريكاتير هو خبر «مسيرات الإخوان تعتدى على نساء مصر». إذن هذه الفتاة هى نساء مصر، وفى ذات الوقت وفى كل وقت هى عند الفنان حلمى التونى «مصر». القول بليغ بمده على إطلاقه.. ففعلا وببساطة وبلا مواربة.. من لا يستطيع أن يحمى مصر لا يجوز له أن يحكمها.. وكل مشاهد للكاريكاتور سيتلقاه ويفهمه من منطلق أفكاره.. فأصحاب مفهوم الذود عن المحبوب بالقوة البدنية ستصل إليهم كذلك، وهو المفهوم الأكثر شيوعا، وهؤلاء رغم عدم تقليلى من شجاعتهم فإنهم يمتلكون مفهوما للحماية تغلب عليه فكرة السيطرة، وربما عدم خروج نسائهم من البيت أصلا لأنه «مش كل يوم حندخل فى خناقة». فتظل مصر حبيسة بيتها مسجونة بين أربعة جدران وسقف، سواء فى جنة أو فى قصر. هذا عن الرجال من أبناء مصر، أما عن النساء اللاتى هن مصر. ففى الحقيقة وعلى أرض الواقع اختارت معظمهن «المخلص».. «الزعيم».. «راجل البيت» فتزوجنه قابلات بحكمه لهن ولكن هل وجدتن السعادة؟! والإجابة: السعادة نسبية، فمن تُضرب فى بيت أبيها، تحلم بالفرار منه. ومن لا تجد متنفسا فى شقة أو حجرة أهلها الضيقة وسط كم من الإخوة ربما من لا إنسانية معيشتها تتعرض لكل أشكال الانتهاك، لا نتصور أن ترفض أن تحصل على رجل يحميها، ثم تكتشف بعد أن ارتاحت فى قصره أنه اتخذها خادمة له، تتحكم فيها أمه وتكرهها زوجاته السابقات، أو حتى لو لم تجد كل هذه المعاناة فإنها قد تكتشف وتلك هى الحقيقة المرة، أنه اتخذها جارية و«فتاة جيشا» إلى الأبد وبعقد شرعى. وقال إيه اللى رماك ع المر؟! قطعا اللى أمرّ منه. هذا هو حالنا بالضبط كشعب.. عايزين حد يحكمنا مقابل الحماية ولكن علينا أن ندرك تماما أن كل شىء وله ثمنه.. فإذا لم نتدرب على الكونغ فو أو أى من الرياضات الدفاعية، أو اشترينا سبراى حارق نرشه على وجه من يقترب منا بسوء فنشله ونلهيه عن الإضرار بنا.. إذا تركنا أنفسنا بالكامل لآخر يحمينا سواء كان أبا أو أما أو عما أو أخا أو ابن عم أو ابن خالة أو أبلة أو جيشا أو شرطة أو نخبة.. إذا ارتكنّا على فكرة المخلص والمنقذ «تلك الفكرة الرومانسية، الحالمة» التى لا تنتمى إلى الواقع بصلة ولا لأبسط أبجدياته، فنحن نكون قد اخترنا أن نسلم مقاليد حياتنا إلى ذوقه هو، إلى مصلحته هو، فمصلحتنا من وجهة نظره لا بد أن تكون -من وجهة نظره هو- مصلحتنا، فيصبح ما يحبه ويتذوقه، هو ما علينا أن نأكله.. وما يرى من وجهة نظره أن علينا أن نعرفه هو حدود ما يجب أن نعرفه، هو ما يسمح بأن نعرفه.. فنتعلم كما يريد ونأكل كما يريد ونلبس كما يريد ونشترى ما يريد. وفى النهاية كل واحد بينام على الجنب اللى يريحه، وعقلك فى راسك تعرف خلاصك.. فلا تسلم عقلك وبلدك وإرادتك لأحد «بالكامل» لأن كل شىء وله ثمن.. وشكرا.