اختلف مفهوم خروج النساء فى المسيرات لدى الإخوان .. عندما تظاهرن فى المرحلة الإنتقالية التى تلت ثورة يناير وقلن "يسقط حكم العسكر" أعلن الإخوان أنهن نزلن إلى التحرير ليمارسن الرذيلة والفسق والفجور ، وأنهن يستحققن ما يجرى لهن من تحرش أو حتى اعتداء جنود الجيش عليهن والكشف عن عذريتهن ..لكن عندما هتفت نساء الإخوان فى اعتصام رابعة ضد حكم العسكر فإنهن كن أنقى نساء مصر واشرف فتياتها .. وبعد صولات وجولات من صب جام الغضب وتوجيه سهام اتهامات الخيانة والعمالة إلى من جاهرت بصوتها هاتفة "يسقط يسقط حكم العسكر" قبل عامين ، بات هتاف "حرائر رابعة" يسقط يسقط حكم العسكر" هتافاً محموداً وقولاً صائباً. ليس هذا فقط بل أن ضلوع الأطفال فى فعاليات ثورية فى ميدان "التحرير" بالأمس القريب كان مصنفاً إخوانياً بإعتباره استغلالاً معيباً ومتاجرة رخيصة بأحباب الله ، لكنه تحول اليوم إلى مقياس لعبقرية الصغار وحسن تربيتهم وكمال تنشئتهم ، لا سيما لو كانوا يتزينون بأكفانهم الجميلة التى تتفاخر بها أمهاتهم أمام الكاميرات. وتتحدث "حرائر رابعة" ونسائها عن الطفل الجميل "بارك الله فيه وفى والديه" و "سدد خطاه" و "رفع شأنه وشأن من رباه ونشأه هذه التنشئة الجميلة" ، وهو الطفل الذى وقف أمام الكاميرات محاطاً بالنساء المعتصمات وقال أن غاية المنى والأمل له أن يقتل "السيسى" بيديه ! وبعد ما كانت صورة المرأة التى يتم الدفع بها فى انتخابات برلمانية لتجميل صورة هذا الحزب أو إضفاء سمة التحضر على ذاك يتم إحلالها وتبديلها بوردة حمراء ، بحكم أن وجه المرأة عورة ، هاهى صورة إحدى النساء اللاتى لقين حتفهن على أيدى بلطجية فى مسيرة المنصورة الإخوانية المؤيدة لمرسى يرفعها الجميع فى الشوارع ويخلفونها وراءهم بعد انتهاء مسيراتهم الليلية صوب المنشآت العسكرية. ويبدو أن الأيام التى كانت الجماعة تكرر فيها عبارات على شاكلة "إيه اللى وداها هناك؟" كلما تعرضت سيدة أو فتاة للتحرش أو الاعتداء أثناء التظاهر فى ميدان "التحرير" وغيرها من ميادين الثورة ، حلت محلها أيام تصف فيها كل أخت نزلت لتعتصم أو تتظاهر أو تهتف أو تعترض بإعتبارها تمارس حقها فى التعبير عن رأيها لأنها مواطنة كاملة الأهلية !أهلية الجماعة فى التعامل مع نسائها وفتياتها باتت على المحك. فبالأمس القريب كانت المرأة المكرمة فى عرف "الإخوان" يتم تبجيلها واحترامها ، فهى "فى القلب" كما أكد مرسى مراراً وتكراراً فى خطب الحب والمودة التى كان يلقيها على جموع المصريين ، لكن مع تغير الأوضاع اليوم ، وإطاحة الشعب بحكم الجماعة وعزل ذراعها الرئاسية ، صارت المرأة فى المقدمة وليس القلب . نساء الإخوان بتن فى مقدمة المسيرات والتظاهرات ، ربما لتجميل الصورة ، وربما لمغازلة كاميرات الغرب المتاخمة لاعتصامات "الشرعية والشريعة" والتأكيد لها أن الجماعات الدينية التى كانت تحلم بإحكام قبضتها على مصر لا تضع قيودا على النساء ، بل تدفع بهن إلى الشوارع ومقدمات المسيرات ومؤخراتها من دون حماية ، وربما أيضاً لاستخدامهن دروعاً بشرية. فمقتل امرأة أثناء مسيرة أو تظاهرة يحقق قدراً أكبر من التعاطف ويجعل الرسالة المبتغاة أشد وقعاً وتراجيدية . وقد كان لهم ما أرادوا ، وسددت نساءهم فاتورة مغازلة الغرب فى مسيرة المنصورة لكن الغاية تبرر الوسيلة ، وعودة الجماعة إلى سدة الحكم على رغم أنف ملايين المصريين يبرر قتل النساء وارتداء الضغار للأًكفان! النساء وراء مرسى لكن الأكثر تراجيدية هو ذلك الحوار بين فضيلة المرشد وأحد مساعديه . المساعد: "هما خايفين من التحرش والاحتكاك! يعنى الموضوع يتعلق بالعفاف!" فيرد المرشد ثائراً: "أنا قلت يطلعوا المظاهرة مش عياقة. يطلعوا المظاهرة يعنى يطلعوا المظاهرة ومعاهم أطفالهم الرضع". فيرد المساعد متعجباً من منطق المرشد : "هو فضيلتك المفروض مين يحمى مين؟ الستات تحمى الرجال؟ ولا الرجال يحموا الستات؟ فيرد فضيلته غاضباً : "الجهاد فرض على الرجل والمرأة. النسوان دى بنجوزهم ونسترهم ونشغل رجالتهم ونفتح لعيالهم مدارس مش علشان يقعدوا فى بيوتهم ويأنتخوا. ولما يطلبن للجهاد الست إللى مش هتطلع المظاهرة تسيب بيت جوزها وتروح على بيت أهلها". من ثم فإن الهتاف الذى كان يردده أنصار مرسى قبل 30 يونيو وهو "مرسى وراه رجالة" الذى دوى عشرات المرات لترهيب كل من تسول له نفسه أن يعترض على إعلان دستورى ، لكنه غير دستورى ، يصدره الرئيس ، أو يندد بقرار معاد للقضاء يطلقه الرئيس مغلفاً بجمل وعبارات تؤكد عشقه للقضاء الشامخ وتبجيله لرجاله الشرفاء هو شعار المرحلة ، تحول إلى حرائر يقدمن أرواحهن فداء للشرعية والشريعة ، وسيدات يجلسن على منصة "رابعة" محيطات رؤوسهن من خلف النقاب بعبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ومرتديات أكفانهن استعداداً للشهادة فى سبيل الإسلام على وجه تهليل الرجال وتكبيرهم ، وأمهات يطفن الشوارع مبتسمات مغتبطات لأن أولادهن وبناتهن يسيرون أمامهن وهم يرتدون أكفانهم التى صنعتها الأمهات لهم. وفى كل ليلة وعقب صلاة العشاء والتراويح ، يحرص معتصمو "رابعة" على العنصر النسائى فى مسيراتهم الليلية التى تعلن توجهها إلى هذه المنشأة العسكرية أوتلك بغرض استفزاز القوات المسلحة . وبدلاً من أحاديث "صوت المرأة عورة" و "نزول المرأة للشارع لغير الضرورة مكروه" و "زواج البنات حال بلوغهن ولو كن فى التاسعة" ، علت أصوات معتصمى "الشرعية والشريعة" تبجيلاً لمرابطة الأخوات فى الشارع جنباً إلى جنب مع الرجال ، وإصرار بعضهن على المبيت فى خيام "رابعة" نصرة للشرعية والشريعة ، على رغم أن خيام "التحرير" لاقت ما لاقته من رموز الجماعة ومشايخ حلفائها من كونها سبة فى جبين الثوار ومعقلاً لممارسة الرذيلة والفسق والفجور. وبدلاً من نعوت العهر والزندقة والفجور التى نالت تأثرات وناشطات تجرأن على التظاهر والاعتراض ، تارة ضد المجلس العسكرى إبان حكمه فى المرحلة الإنتقالية عقب ثورة يناير وتارة ضد ممارسات الأمن العنيفة ، صارت الثائرات والناشطات السائرات فى شوارع "مدينة نصر" حيث مربع "رابعة العدوية" والمجاهرات بالهتاف على رغم عورة أصواتهن هن "أنقى نساء مصر وأشرف فتياتها".