فيه حاجة غلط أكيد!! فى كل مرة نقوم بثورة عظيمة تُبهر العالم، نُسلّمها تسليم مفتاح إلى رجال النظام الذى ثُرنا عليه ونجلس فى مقاعد المتفرجين راضين من الغنيمة بالإياب، أو نتركها فى العراء حتى يأتى مَن يستولى عليها ويفرض علينا شخصيات من دولاب النظام القديم!! كارثة حقيقية أن لا يحكم الثوار أو يتم الحؤول بينهم وبين السلطة فى كل مرة، ناهيك بالإصرار على تجاهل الشرعية الثورية وحق هذا الشعب الأصيل فى دستور جديد يليق بمصر وتاريخها ويحقّق أهداف ومبادئ ثورتيها الشعبيتين الأعظم فى تاريخ البشرية.. فإذا كانت الثورة تغييرًا جذريًّا يقوّض النظام الذى ثارت عليه الجماهير، ويقيم بدلًا منه نظامًا جديدًا يحقّق أحلام وتطلعات الثوار نحو غد أفضل، فإن محاولة الإبقاء على النظام القديم وترقيعه أو الاكتفاء بمجرد تجميل وجهه القبيح، تعنى خيانة الثورة والثوار والتنكّر لدماء الشهداء وتضحيات المصابين.. وأخشى القول إن هناك مؤشرات على محاولة إعادة إنتاج نسخة مُطوّرة من دولة مبارك القائمة على «المشروع الساداتى»، وهو خلطة تعتمد على الفساد والتبعية والتحالف مع تجار الدين والانحياز إلى الأغنياء ولصوص الأموال والأوطان!! ومما يثير الانزعاج والقلق فى المشهد الحالى تصاعد الأصوات التى تحاول تشويه ثورة 25 يناير وتصويرها على أنها مجرد مؤامرة أمريكية إخوانية تم تصحيحها فى ثورة 30 يونيو.. وتقود هذه الأصوات «جوقة»، من الإعلاميين والسياسيين المرتبطين بأمن دولة مبارك، ولجنة سياسات الحزب الوطنى، والذين كانوا، حتى آخر لحظة، يروّجون لمشروع التوريث!! إنها باختصار محاولة مكشوفة للقفز على ثورتين شعبيتين وأهدافهما، بُغية استعادة نظام مبارك دون رأسه.. أما الأخطر فإنها محاولة هؤلاء العودة للهيمنة على المشهد الإعلامى والسياسى بعد 30 يونيو من خلال حملة نفاق فجّة وممجوجة للفريق السيسى، غير مدركين أنهم يسيئون إلى الرجل ودوره المشهود فى إنقاذ الدولة المصرية وحضارتها العتيدة، وذلك لأنهم ارتبطوا فى أذهان الناس بنفاق رموز نظام مبارك والتستر على فسادهم، فضلًا عن المشاركة فى جرائمهم فى حق الوطن والمواطنين، إلى جانب محاولاتهم المكشوفة والمستميتة لتبييض وجه أبشع عصور الانحطاط فى تاريخ مصر.. وأرجو مخلصًا أن يتدخّل مَن بيدهم الأمر لوقف هذه الحملة من النفاق الرخيص التى تُسىء إلى مصر وثورتها وجيشها!! وآمل أن يدرك هؤلاء المهرجون أن الشعب المصرى شب عن الطوق ولن يسمح لهم بمواصلة الرقص على كل الحبال فى كل العصور، وأن المصريين تجاوزوا أمراض وعُقد عبادة الأفراد ولن يُقبل بمرور أى مرشح إلى المنصب الأعلى فى البلاد، إلا إذا كان لديه برنامج واضح يقوم على تحقيق أهداف الثورتين، ورؤية خلاقة لمستقبل هذا الوطن الذى تأخر طويلًا عن ركب التقدّم، حتى لو كان هذا المرشح هو الفريق السيسى نفسه بكل ما له من حب وتقدير كقائد لجيش مصر العظيم.. وأتعشّم أن تكون تلك الحقيقة ماثلة فى أذهان دولة الفساد الساداتية-المباركية التى شمرت مؤخرًا عن ساعديها للدفاع عن مشروعها فى مواجهة الثورتين، وتعمّدت أجهزتها السرية، التى لا تزال نافذة وطويلة الباع، والتى تعتبر الثوار والقوى الوطنية التى عارضت السادات ومبارك أعداء لها وللوطن، الدفع برجالها لتصدّر المشهد السياسى بعد ثورة 30 يونيو، كما فعلت بعد ثورة 25 يناير!! فقد صدّرت الأجهزة فى المرتين شخصيات لا تنتمى إلى الثورة ولا تؤمن بالتغيير، وكانت معظم هذه الشخصيات من أبناء المشروع الساداتى الذين تورّطوا فى الدفاع عن فساده وجرائمه، وأشير هنا فقط إلى استعانة أجهزة سيادية مؤخرًا بكوادر فاسدة من رموز دولة مبارك خدموا فى الوزارة والرئاسة ليلقوا محاضرات ويشاركوا فى مناسبات وطنية، وهو ما يُعتبر إهانة للثورة والثوار وخيانة لدماء الشهداء!! والمؤكد أن أبناء هذا المشروع لم يكن لديهم ما يمنعهم من التعاون مع نظام الإخوان ما داموا كانوا سيسمحون لهم بمواصلة الفساد والسمسرة والتبعية.. والمثال الأكثر فُجرًا وفجاجة على جرأة ونفاذ دولة الفساد، هو تعمّد الأجهزة السرية لهذه الدولة معاودة الدفع إلى واجهة السلطة بشخصيات معادية للتغيير والثورة، أو على الأقل تعاونت مع نظام مبارك وشاركت فى المحاولات الأخيرة اليائسة للإبقاء عليه وإجهاض الثورة.