في الأفلام الأولى لمحمود عبد العزيز كان وجهه الداخلي لازال يبحث عن حضور له على السطح. أغلب الأفلام كانت تدور حول استخدام وسامة الوجه بالمعنى التقليدي. ثم حدثت الثورة عام 85 مع فيلم "الصعاليك" للمخرج داوود عبد السيد، وظهر هذا الوجه الآخر الذي جاء ليمثل تلك الطبقة الهامشية الجديدة التي ظهرت في مصر بعد الانفتاح الاقتصادي، وظلت تتسع وتبحث عن ممثلين لها. نجح محمود عبد العزيز، برغم هذه الوسامة التقليدية، أن يكون أحد أبطال هذه الطبقة الهامشية المنتظرين. بعدها قام محمود عبد العزيز بطفرة في تحويل مجرى شخصيته ووسامته، واكتسب وجها جديدا مع فيلم "الكيت كات"، وتجسيده لبطل هذه الطبقة الهامشية ولروجها الدفينة بل ومنحها أصالة شعبية واعترافا. هناك اكتشاف جوهري، وطفرة شخصية، قام بها محمود خلال مشواره الفني، تمرد على وسامته التي لم تحمل سمات روحه الشخصية. في فيلم "الكيت كات" امتلك أرضًا جديدة في مساحة التعاطف مع المتفرج ليس لها علاقة باستدرار المشاعر، ولكنها مساحة قوية كأنه يمثل طبقة جديدة أصبح لها وجود جمعي، وهناك من يمثلها. ليس هذا فقط بل صك شخصية متفردة يمكن أن تتحقق بعيدا عن أي طبقة اجتماعية، شخصية متجاوزة للطبقات. لقد تجاوز محمود عبد العزيز نفسه في "الكيت كات"، وخرج وجهه الداخلي بكل ألق ليكون هو المركب الجديد بالنسبة له. اكتشف المصدر الحي والخام لفكرة "الشخصية". فالشخصية التي "اخترعها" محمود عبد العزيز في الفيلم أصبح لها مجال يخصها تستقي منه الأداء بعيدا عن المجال الاجتماعي أو الطبقي الذي تنتمي له. لقد اكنشف منبعا ثريا بداخله ساقه للإمساك بالجوهر الأساسي لأي شخصية، ومنها شخصية "الشيخ حسني" بالطبع، فكانت أي شخصية بعد هذا التطور في متناول إحساسه، كشخصية إبراهيم الأبيض. لم يكن محمود عبد العزيز من الذين يلفتون نظري في أفلامه الأولى، برغم تعددها وفراغ السوق من حركات هامة؛ بالقياس بأحمد زكي ونور الشريف من قبله، بمعنى آخر لم يكن ممثلا لي ومتقاطعا معي في أي دائرة شعورية، ولكن مع فيلم "الصعاليك" وجدت هذه الأرض المشتركة بيننا. بالرغم من أن الفيلم لايشير للطبقة التي انتمى لها إلا من بعيد، وربما هذه الأرض المشتركة سببها هذا المجهود الذي بذله ليعثر على وجهه الداخلي. ثم جاء فيلم "الكيت كات" ليمنح محمود عبد العزيز الشخصية، وبالطبع من خلفه المخرج داود عبد السيد، من هذا الرصيد والاكتشاف الذي قام به بنفسه. ربما يتطور محمود عبد العزيز من خلال التجارب السينمائية المتعددة، وإنما من خلال منحنى التجربة لمجموعة من الأدوار، كدوره في الصعاليك والكيت كات وإبراهيم الأبيض، ومدى استلهامه واستيعابه وتسكينه لهذه الأدوار بداخله. يبدو التمثيل هنا بالنسبة له تجربة روحية عميقة، هذا التماس مع حدود عوالم خارجية وداخلية لشخصيات غريبة وفي الوقت نفسه محاولة إيجاد الأرض المشتركة معها، وتسكينها بداخله. بالتأكيد كان للمخرج داود عبد السيد مساهمة كبيرة في اكتشاف موهبة محمود عبد العزيز، وساعده لاكتشاف وجهه الداخلي، ولكل تحولاته بعد ذلك. لم يكن "الشيخ حسني" شخصية عابرة بل حدثًا لدخول تلك الروح الخاصة إلى الثقافة.