حريق سنترال رمسيس يصيب خدمات الاتصالات وعددا من القطاعات الحيوية    ترامب يهدد بفرض عقوبات "قاسية" على روسيا ويطالب بوتين بوقف التصعيد    نتنياهو: أنا وترامب نؤمن بمبدأ السلام بالقوة وسألتقيه مجددا الليلة ومستعد لإنهاء حرب غزة بشرط    رسميًا.. نجل أنشيلوتي يقود بوتافوجو البرازيلي    أشرف صبحي عن تعديلات قانون الرياضة: اعتماد مبدأ 3 دورات انتخابية بحد أقصى على نفس المنصب    كواليس رحيل ياسين مرعي من الزمالك    سؤال الساعة: كيف نؤمن الاتصالات؟!    أجواء شديدة الحرارة ورطوبة مرتفعة.. "الأرصاد" تُحذر من طقس الساعات المقبلة    إصابة 3 أشخاص فى مشاجرة بالأسلحة النارية بقنا    رئيس جامعة بنها يتفقد سير العمل والاطمئنان على المرضى بالمستشفى الجامعي    رئيس الوزراء يبحث مع نظيره القطري دعم الاستثمارات المشتركة    قطر: «سنحتاج إلى وقت» للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة    وفاة رئيس قطار أسيوط اليوم خلال تأدية عمله    شيخ الأزهر يستقبل قاضي قضاة فلسطين ووزير الأوقاف الفلسطيني    مطروح تعقد حوارًا مجتمعيًا لمناقشة مقترح تحويل 5 قرى لمدينة "شمس الحكمة"    مرشحو حزب العدل ينتهون من الكشف الطبي استعدادًا للانتخابات    سمير عدلي يطير إلى تونس لترتيب معسكر الأهلي    الشرطة الإسبانية تكشف نتائج التحقيقات الأولية حول وفاة جوتا    «صفقة سرية.. مفاجأة للجميع».. إبراهيم المنيسي يكشف موهبة جديدة في الأهلي    البحر الأحمر تشدد على تطبيق قرار منع استخدام أكياس البلاستيك وإطلاق حملات لحماية البيئة البحرية    «الوطنية للانتخابات»: 311 مرشحا لانتخابات الشيوخ على الفردي.. .ولا قوائم حتى اليوم    230 درجة.. تنسيق القبول بالصف الأول الثانوي بالوادي الجديد    صالون كلام في السيما يحتفي بالموسيقار علي إسماعيل بسينما الهناجر    فيلم "المشروع X" يتنازل عن المركز الأول لفيلم "أحمد وأحمد"    نجل ضحية حريق سنترال رمسيس: «كنت بذاكر لامتحان الثانوية وفجأة بلغوني إن بابا مات في الحريق» (تفاصيل)    يحيى الفخراني يعود ب"الملك لير" على خشبة المسرح القومي.. عودة تليق بالأسطورة    بعد غياب 8 سنوات.. إليسا ووائل جسار يلتقيان في ليلة الأحاسيس بجدة    الطاعون يجتاح «مملكة الحرير».. وريحانة تنتقم في الحلقة السابعة (تفاصيل)    الخميس.. الأوقاف تنظم 2963 مجلسا دعويا حول آداب دخول المسجد والخروج منه    ننشر أسماء أوائل الصف الثالث للتمريض بمحافظة مطروح للعام الدراسي 2024 - 2025    المصرية للاتصالات أمام النواب: نستضيف أكبر 7 كيانات عالمية فى خدمات البيانات    الأردن يحصد برونزية البطولة العربية لسيدات السلة على حساب الجزائر    وزير الكهرباء و"روسآتوم" يتفقدان سير العمل في مشروع المحطة النووية بالضبعة    "المنشاوي" يبحث أوجه التعاون المشترك مع المكتب الكويتي للمشروعات الخيرية بالقاهرة    وزيرة التنمية المحلية تتابع مستجدات منظومة المخلفات الصلبة بالقاهرة والجيزة    باليوم الثاني لمعرض الكتاب.. إقبال كثيف على ركن الطفل بجناح الأزهر الشريف بمكتبة الإسكندرية    مصدر أمني ينفي إضراب نزلاء ينتمون للجماعة الإرهابية داخل مراكز الإصلاح    وزير البترول يزور أهالي المفقودين في حادث انقلاب البارج البحري بخليج السويس    وزير التعليم العالي: نولي اهتمامًا بالغًا بتمكين الطلاب من ذوي الإعاقة    عقب عودته من البرازيل.. رئيس الوزراء يعقد مؤتمرًا صحفيًا غدًا    فرص جديدة واستقرار مالي.. اعرف توقعات برج الحوت في الأسبوع الثاني من يوليو 2025    «النار بدأت من الدور السابع».. شهود عيان يكشفون ل«المصري اليوم» تفاصيل حريق سنترال رمسيس    أمينة الفتوى: «النار عدو لكم فلا تتركوا وسائل التدفئة مشتعلة أثناء النوم»    الاتحاد السكندري ينهي إجراءات استعارة لاعب الزمالك    وزارة الأوقاف تخصص 70 مليون جنيه قروضًا حسنة بدون فوائد للعاملين    وكيل وزارة الصحة بسوهاج يبحث آليات توقيع الكشف الطبى على طلاب المدارس    حنفي جبالي: رئيس الجمهورية اختار طريق العمل في صمت والإخلاص في أداء الواجب    وفّر في استهلاكك وادفع أقل في فاتورة الكهرباء    الداخلية تكشف ملابسات فيديو هروب الربع نقل على دائري المقطم في القاهرة    ندوة بالجامع الأزهر تُبرز أثر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ترسيخ الوَحدة    وزير البترول: تنفيذ مشروعات مسح جوي وسيزمي لتحديد الإمكانات التعدينية فى مصر    وكيل وزارة الصحة يتابع انتظام العمل بوحدات إدارة إسنا الصحية.. صور    وزيرة التنمية المحلية تتابع عمليات إخماد حريق سنترال رمسيس    حريق سنترال رمسيس.. وزير التموين: انتظام صرف الخبز المدعم في المحافظات بصورة طبيعية وبكفاءة تامة    موعد مباراة تشيلسي وفلومينينسي في كأس العالم للأندية والقناة الناقلة    أهم طرق علاج دوالي الساقين في المنزل    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داوود عبد السيد.. دون كيشوت السينما العربية
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 05 - 2012

حياتنا تصنعها الصدف، صدف تحوّل وجهتنا لنسلك طرقا لم نفكر بها فنكتشف هويتنا في تلك الطريق ونسكن لها ويتأصل كياننا داخلها. هذا الرأي ينهض أمامك وأنت تقلّب سيرة واحد من أهم مخرجي السينما العربية وهو داود عبد السيد، أو دون كيشوت السينما العربية.

ويقول الروائي والكاتب كامل الرياحي "لم يكن الإخراج يمثل بالنسبة له حلما، وكانت السينما أحد العوالم التي تناديه في بداية شبابه، بقدر ما كانت الصحافة غايته إلى أن كان لقاؤه مع ابن خالته الذي أهدى المشاهد العربي، دون أن يعلم، أحد عمالقة السينما".

يقول عبد السيد متحدثا عن هذا التحوّل "أذكر، وكنا آنذاك في السادسة عشرة، أنه أخذني لأستوديو جلال القريب من سكننا بمصر الجديدة، حيث يصور فيلم لأحمد ضياء الدين، وما حدث يومها أنني انبهرت بالسينما بصورة مذهلة، لا بالنجوم أو الإخراج أو التكنولوجيا، بل بشيء آخر غامض حقا. قررت بعدها دخول معهد السينما.. هكذا كانت الصدفة، صدفة مؤسسة".

تجربة صاحب "أرض الأحلام" السينمائية بدأت بمساعد مخرج لبعض الأفلام، منها "الأرض" ليوسف شاهين، و"الرجل الذي فقد ظله" لكمال الشيخ، و"أوهام الحب" لممدوح شكري، مهنة بدت له مرهقة وسرعان ما تركها، وكأن شيئا ما ينتفض في داخله بحثا عن هوية أخرى.

وبدأت مسيرته الإخراجية الفردية بأفلام وثائقية منها "وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم" (1976) و"العمل في الحقل" (1979) و"عن الناس والأنبياء والفنانين" (1980)، قبل أن يغادر أيضا تجربة الوثائقي.

ولا ندري سببا لغياب عبد السيد إلى الآن عن الوثائقي، ونحن نستحضر رأيه "التسجيلي يتيح لك حرية التجريب بدون خوف من الخسارة المادية مثلاً، وأن تعبر عن المضمون الذي لديك بصورة متحررة. وحين تعبر فقد صار في إمكانك التجريب، ولو نجح التجريب فستكسب الثقة فيه وتجد القدرة على المزيد منه".

إبداعات التسعينيات

عاد داود عبد السيد إلى عالم الأفلام الروائية عام 1984، لكن هذه المرة برؤيته الخاصة، فأخرج فيلمه الأول "الصعاليك"، وهو من تأليفه، وبطولة محمود عبد العزيز ونور الشريف، ولكنها لم تكن عودة سهلة، فقد اضطر للتعاون مع فريق الفيلم لإنتاجه بعد أن حدثت مشاكل إنتاجية أخرت ظهوره.

ويعتبر هذا الفيلم حالة سينمائية نادرة ترصد حياة المهمشين من خلال الصديقين "صلاح" و"مرسي"، حاول من خلالهما أن يغوص في أعماق المجتمع المصري بكل طبقاته، ويلامس قضاياه الدقيقة. وقد تعرض هذا الفيلم إلى الانتقاد بسبب طابعه المتحرر والجريء.

ما برح عبد السيد أن غاب عن الشاشة الكبيرة لمدة ست سنوات، قبل أن يعود سنة 1990 بفيلم "البحث عن سيد مرزوق" من بطولة نور الشريف وآثار الحكيم، ثم فيلم "أرض الأحلام".

وكانت سنة 1991 رائعته "الكيت كات"، الفيلم الذي يعد أحد أهم ما أنتجته السينما المصرية عبر تاريخها الطويل، ثم أخرج فيلم "أرض الأحلام" (1993) و"سارق الفرح" (1994) و"أرض الخوف" (1999) و"مواطن ومخبر وحرامي" (2001) و"رسائل البحر" (2010(.

اختار عبد السيد أن يعود إلى الأدب، في وقت هجرت فيه السينما الرواية وابتعدت عن الاقتباس. لكنه اختار في "الكيت كات" كاتبا منشقا هو إبراهيم أصلان ونصا منشقا عن مؤسسة الأدب التقليدية وهو "مالك الحزين"، الذي يضرب ببنية الشكل الروائي التقليدي عرض الحائط، ويمضي بعيدا في التجريب وخلخلة الحبكة التقليدية للرواية، مما جعل هذه الرواية تفتح طريقا جديدة للرواية المصرية وحساسية جديدة في الكتابة العربية.

غير أن داود عبد السيد لا يلتزم بالنص ويقدم صورة مغايرة لمفهوم الاقتباس، فليس الاقتباس عنده رضوخا للنص الأدبي والتزاما حرفيا به، بل إن قوة الاقتباس في خروجه عن النص وإعادة كتابته وفق رؤية سينمائية حرة.

مقاومة اليأس

وخلافا لما وقع فيه بعض السينمائيين من لهاث وراء محاكاة النص الأدبي الذي ينتهي في النهاية إلى سماع العبارة الشهيرة "الرواية أفضل من الفيلم"، تصرف المخرج في الرواية بكل حرية. فرفض زمنها القصير، الذي لا يتعدى ليلة واحدة، ومد فيه ليكون أكثر من يوم، كما أعاد كتابة علاقات الشخصيات، فأسقط عن بعض الشخوص ملامحها وحذف الكثير من الشخصيات، التي وردت في الرواية واستغنى عن الجانب السياسي فيها.

الفيلم قدم شخصية الشيخ الضرير حسني -محمود عبد العزيز- التي تعيش خارج أسيجة وضعها لها المجتمع والسلطة. شخصية منفلتة رافضة لقدرها، تعيد إنتاج نفسها، وتخلق أدواتها الخاصة للتحكم في العالم سبيلها في ذلك إنكار العجز ورفضه.

ولم يكن "الكيت كات" هو الفيلم الوحيد الذي اقتبسه عبد السيد من الأدب، فقد كتب وأخرج فيلم "سارق الفرح" عن رواية بنفس العنوان لخيري شلبي، دون أن ننسى أن أول فيلم عمل فيه كمساعد مخرج مع يوسف شاهين وهو "الأرض"، كان مقتبسا عن رواية لعبد الرحمن الشرقاوي بنفس العنوان، وكذلك فيلم "الرجل الذي فقد ظله" المقتبس عن قصة لفتحي غانم.

وتعتبر مقاومة العجز واليأس المقولة الأثيرة عند داود عبد السيد في مجمل أعماله، وقد سبق أن قال لي في حوار جمعني به "الجميل في الإنسان امتلاكه لروح المغامرة ورغبته في التجدد"، وعن سر ابتعاده عن الأدب والاقتباس منه قال "إن الرواية العربية غارقة في الحزن واليأس وهو يحتاج نصا ناطقا بالتحدي والأمل".

ولعل هذا البحث عن النصوص الناطقة بالأمل، هو الذي جعله يبتعد عن الأدب أو يعيد كتابة النص، مركزا على الروح المرحة في الشخصية إذ يقول "نادرا ما تجذبني رواية وتشدني إليها، وأتمنى أن أجد كل يوم رواية صالحة للتحويل. ومشكلة الأدب الحالي هو كونه أدبا مكتئبا يدفع لليأس لا للرغبة في الحياة". فحتى وهو يعالج أعمق القضايا السياسية يبقى عبد السيد وفيا للفن، مؤكدا خياره برفض أدلجة الفن وتسييسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.