السيد اللواء وزير داخلية الوطن. تحية طيبة وبعد، رجاء التكرم بالسماح لنا بتنظيم مظاهرات معارضة حاشدة تتحول، بعون الله، إلى ثورة شعبية كاسحة ضد السلطة الجائرة التى جعلتك، أنت وأمثالك، حراس أمننا، وولاة أمورنا، وذلك لفسادكم وتقاعسكم عن تحقيق العدل وتوفير الأساسيات الضرورية التى نحتاجها للحياة، وتفضلوا بقبول وافر التحية. شعب البلاد! مَن الأهبل الذى يظن أن ثورة ستبوء بالفشل لعدم وجود إمضاء الحاكم المستبد على استمارة التصريح بها؟! الغباء والديكتاتورية يسكنان معًا، ويا للعجب، جنبًا إلى جنب فى عقول أصحاب العقليات المستبدة. هل نصبح فوضويين عندما ندافع عن حقنا، الذى اكتسبناه بالدم، فى التظاهر السلمى غير المشروط، إلا بسلميته فقط، ضد سلطة جائرة؟ العقلية المتسلطة الحمقاء تجعل الحكام يظنون أن تعطيل المظاهرات المعارضة يمنع حدوث ثورة اكتملت شروط قيامها. أيام مبارك، وفى ظل حالة الطوارئ التى دامت ثلاثين عاما لم يكن هناك حق قانونى للتظاهر. كان تجمع أكثر من خمسة أفراد فى الطريق يعد جُرمًا حتى ولو كانوا يلعبون الدومينو أمام بيت أحدهم. رغم ذلك تفجرت المظاهرات ضده ووصلت إلى كتلة حرجة أسقطت جهازه الأمنى بأكمله. تضحكون علينا أم على أنفسكم؟ المجتمعات الديمقراطية المستقرة، بمؤسساتها الخالية من الشروخ، وقوانينها الضامنة للمساواة والعدالة، فقط، هى التى يتم تنظيم المظاهرات فيها بطريقة الإخطار المسبق. لأن الهدف هناك من التظاهرات هو خلق أداة جماهيرية تمثل معيارا لقياس قوة الضغط الشعبى، الذى ينادى بمطالب يستجاب لها بلا مماطلة عند وصول ذلك الضغط إلى درجة فاعلة. وجود بضعة آلاف متظاهر أمام مقر رئيس الوزراء البريطانى فى شارع داوننج يكفى لتراجعه عن قراراته، واستجوابه هو وحكومته فى مجلس العموم وإسقاطه إذا ثبت عليه الخطأ. يحدث هذا فى أنظمة ديمقراطية متوازنة سياسيا تحترم حقوق المواطن، وليس فى أنظمة تفتخر بأن شعار تعاملها مع الشعب والمعارضة هو: خليهم يتسلوا! هدفكم الحقيقى أيها السادة هو إفراغ حق التظاهر من مضمونه، واستخدام قانون تنظيمه المزعوم كصمام أمان لتسريب الضغط الشعبى حتى لا ينفجر فى وجوهكم وقت الحساب! لا أحد يطالبكم بالتخاذل أمام التجمعات الإجرامية المسلحة أو المخربين. يكفى تطبيق القانون الجنائى عليهم بكل حسم. بالمناسبة كل حكوماتنا اللاحقة على الثورة وقفت بتراخ أمام البلطجية الذين اعتدوا على الثوار لفض التظاهرات المعارضة لها. فعلها طنطاوى وفعلها الإخوان. هل نسيتم بلطجية المجلس العسكرى من المواطنين الشرفاء الذين فضوا تظاهرات المسيحيين المطالبين بالمساواة؟ أم نسيتم بلطجية الإخوان فى الاتحادية؟ كنت أتوهم أننا نحتاج بعد الثورة إلى قانون لحماية المتظاهرين. كفاكم لفًّا ودورانًا حول الأولويات. أولى خطوات بناء الدولة الحديثة هى إنهاء التمييز بين المواطنين على أساسٍ من انتمائهم لجماعة دينية أو لمؤسسة. قلت فى مقالى السابق إن السيسى لو فعل هذا وبدأ بمؤسسته العسكرية لأصبح أول من يضع سوار الديمقراطية الاجتماعية الذهبى فى معصم مصر. لماذا؟ لأن إنهاء التمييز يقضى على الاستثناءات، ويجعل من تكافؤ الفرص مطلبًا ممكن الحدوث، وليس شعارا زائفا. لا توجد دولة عصرية بلا فرص متساوية للجميع تقلل من اعتماد الناس على التمرغ فى تراب الميرى كحلٍّ فردى لأزماتهم. هذا التمرغ فى وحل الميرى يقتل الإبداع والتفوق، اللذين يصبحان بلا جدوى، فى ظل دولة تحترم الانتماء إلى طبقة أو مؤسسة، أكثر من احترامها للتفوق الفردى، الذى غالبا ما يصطدم صاحبه الباحث عن الخلاص بالتمرغ فى وحل المؤسسة، باعتباره «غير لائق اجتماعيا» بمعاييرها الظالمة! يعنى ترضى بالهمّ والهمّ ما يرضاش بيك! لا أمل فى بناء دولة عصرية بدون احترام حقوق المواطن التى يحصل عليها بلا وساطة، وفى ظل هيمنة قانون يقدس المساواة التامة بين الجميع. إنهاء التمييز بكل أشكاله يؤدى إلى محاسبة ترسخها شفافية تقضى على الفساد. كل هذه القيم العصرية يستحيل الوصول إليها بدون القضاء على الطبقية المؤسسية، وأخطرها على الإطلاق طبقية الانتماء إلى المؤسسات العسكرية والأمنية. لا فرق بين تمييز جماعة دينية لأفرادها، وتمييز مؤسسة لأبنائها. إصرار الجنرالات على محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية بنصوص مطاطة تخضعهم لاعتقالات جائرة بعيدا عن قاضيهم الطبيعى يقلل فرص مصر فى الوصول إلى دولة محترمة. هناك علاقة عضوية واضحة لكل ذى عينين بين الضغوط التى تبذلها المؤسستان العسكرية والأمنية لمحاولة خلق وضع دستورى وقانونى يضمن لهما استمرار مصالحهما، بمعزل عن مصالح المجتمع ككل، وبين قانون التظاهر المفبرك. لن تتغير الدولة المصرية أبدا، ولن نخرج من دائرة التخلف الجهنمية طالما ظل هناك مستوطنون يعيشون داخل مؤسسات الدولة، يقهرون السكان الأصليين من أجل استمرار أوضاعهم المتميزة الظالمة بالقانون، وبتعطيل حق الناس فى ثورة.. تشتعل دائما فى موعدها دون انتظار للتوقيعات والأختام واستيفاء الأوراق الرسمية. كان غيركم أشطر.