يستند التمييز والتعصب داخل المجتمعات العنصرية إلى فروق طبيعية بين الأفراد والجماعات، حيث تقر تلك المجتمعات بعلو منزلة جماعات/أفراد على جماعات/أفراد آخرين. ويمكن أن يطال ذلك أى شخص على أسس عرقية أو ثقافية، أو اجتماعية، أو دينية، وغيرها، لا سيما ممن ينتمون إلى الجماعات الأضعف داخل المجتمع (مثل الأقليات الدينية والعرقية، النساء، الأطفال، اللاجئين، الفقراء، ذوى الاحتياجات الخاصة...). إذا راجعنا حالنا سنجد ممارسات عديدة وغريبة توضح كم نحن عنصريين، وطبقيين، وطائفيين، ومتعصبين.. ومغرورين! حقيقة الأمر نحن (ولكوننا ضعفاء نفسيا وخلقيا ونفتقد الثقة بالنفس) نعانى من ثلة أمراض الضعف تلك. نعدم التسامح والتعاطف تجاه أى مختلف، بل وتحكمنا الرغبة فى الحض من شأنه، والتدليل على تدنى مكانته. ولا يرتبط ذلك بحمية وغيرة على دين أو كرامة أو شرف أو وطن، أو إحساس بالظلم والإهانة.. وكل التبريرات التى نسوقها، بل يرتبط الأمر بسوء تربيتنا ومرضنا، فنبحث عمن نضطهدهُ ونترفع عليه، ربما فى ذلك قوتنا وتفوقنا. المسلم ضد المسيحى، يتحين الفرصة فى عمل أو مصلحة لكى يقرفه، يعطل مصالحه، وقد يحرض ضده وينفر الناس منه. ولا ننسى أن المسلم فى مجتمعنا لا يقبل العكس فى بلاد أخرى ويستنكر على الآخرين نفس الفعل! وقد سألوا أحدهم حول حادثة قتل الشيعة، هل ستفعلون نفس الشىء مع المسيحيين؟ فأجاب، لا فقد أوصانا بهم الرسول (ص)!! وإن جينا للحق لو لقى فرصة هيسحل أى حد يختلف معه فى أى شىء، ولنا فى أحداث استهداف الكنائس فى قرى الصعيد مؤخرا مثل. مجتمعات فقيرة مهملة أقواهم لا يمثل شىء، ماذا يفعل أهلها إزاء إثارة حميتهم ورغبتهم فى التعبير عن أى قوة تحت أى مسمى؟ لن يمنعهم عن ذلك دين أو رسول أو أخلاق أو إنسانية. ولكن سيمنعهم الخوف من أى قوة أخرى تمثُل أمامهم.. الشرطة، الجيش، القبائل والعائلات الكبيرة... تفوقهم قوة، فيرضخون لإرادتها، ويكتمون ضعفهم وجهلهم وتعصبهم. الغنى مع الفقير، كل واحد لازم يحفظ مقامه، لأن التعامل بلطف وتبسط ممكن يقلل من شأننا ويساوى الرؤوس. والأبيض يفضُل الأسمر، وطبعا يتفوق على الأسود، الذى لا ننعته عبد «لأننا متدينون»، وليس لأننا مقتنعون! ويحضرنى فى هذا المقام أغنية الصبوحة أسمر أسمر طيب ماله.. هى تقر كونه أقل مكانة! ولكن الحب أقوى.. وخد عندك تمييز ضد المرأة، ودى بقى الحالة التى تجسد وبحق الضعف والتخاذل فينا، وتدلل على حالة «أبحث عن الأضعف» التى نعيشها. الراجل من دول تلاقيه بره بيته، ذوق ومهذب، ويعمل حسابا للكل، وقد يرتعب من رب عمله، ولكن على زوجته أو أخواته يصبح شخصا آخر. أذكر أن قصت لى إحداهن عن طبيبة تزوجت ابن عمها وكان متوسط التعليم، كانت المرأة تحترمه، لكن يبدو أن ذلك قد زاده مرضا! فكان إمعانا فى إذلالها، «يذنبها» يوميا، رافعة أيديها على الحيطة...! المضحك فى أمر عنصريتنا اللخبطة اللى يمكن أن تحدث، فى حال تداخل وتقاطع مسوغات القوة والتفوق ضد بعضنا البعض. كل واحد منا فى حالة متغيرة من موقف لآخر ومن علاقة لأخرى، فالقوة والضعف نسبيان، لا القوى قوى، ولا الضعيف ضعيف على طول الخط. يعنى مثلا علاقة رجل غنى أسود مع امرأة فقيرة بيضاء، رجل فقير وامرأة غنية، مدير مسيحى مع موظف مسلم، مديرة وموظف، رجل جاهل وامرأة متعلمة.. علاقات كل طرف فيها يملك مقومات قوة ومقومات ضعف، وفق قواعد المجتمع التمييزية. وللأسف لا تعلمنا تلك المواقف والعلاقات أننا مختلفون وخلاص، وأن الاحترام المتبادل هو ما يجب أن يحكم علاقاتنا، بل تقلب علينا عقدنا وأمراضنا «فنطلعها على بعض». هاجسنا مداراة ضعفنا وجهلنا وراء ستار من الحمية والعصبية، وادعاء التفوق بالبحث عن نقطة الضعف فى الآخر. احترام وتقدير الآخر فى ثقافتنا، ليس إلا تواضعا مِنا وتسامحا، وليس لأنه «الآخر» هو إنسان مساوٍ فى الكرامة والحقوق. مسيحى «بس كويس»، ست «بس جدعة»، أسمر «بس حليوة»، ..، هو فى ذاته أقل مكانة «بس...» يمكن أن تقربه من الأكثر تفوقا. ترى متى تشعر بالقوة والتفوق والتميز؟ من ذاتك أم من المقارنة بالآخر؟ ماذا نفعل بمستقبل أطفالنا؟ الوضع يزداد سوءا تدريجيا مع وضعية الاستقطاب الطائفى/السياسى/الطبقى التى نعيشها. يتكرس الوضع ويورَث التمييز وأمراضه من جيل لآخر، فى ظل غياب نظم وبرامج وآليات قانونية وتربوية وتثقيفية، تحقق وتعزز المساواة والاحترام فى المجتمع وتحمى أفراده وجماعاته من بعضهم البعض. نسيت أنوه فى بداية المقال إلى أننى لا أعمم، ولكن أؤكد أننا مرضى وعنصريون، وبداية العلاج أن نعترف بتلك الحقيقة.