تقبلت دعوة صديقتى الأوكرانية وزوجها فى مدينة كييف، كانت أول دعوة لنا فى بيت أوكرانى، وفكرت فى دعوتك أيضًا عزيزى القارئ.. فى الطريق إلى بيت (أولينا) تحفنا الأشجار العالية المورقة ورافة الظلال، اللافتات كلها بالروسية، أجد مشقة كبيرة فى متابعة الخطوط الحمراء فى الخريطة التى بيدى لتدلنا على الشارع الذى تسكن فيه أولينا، ينعطف زوجى بالسيارة يمينا، هذا هو بيت أولينا كما هو مبين بالخريطة. بيت مكون كما ترى من ثلاثة طوابق، نفس الأحجار المستطيلة الحجم العازلة للحرارة كما هى سمة أغلب البيوت فى العاصمة كييف، فبرد الشتاء لا يمكن احتماله بدون هذه الأحجار . تفضل.. الباب من هنا. أدق الباب، تفتح أولينا، يستقبلنا سلافا زوجها، يتلقيان معاطفنا ليعلقونها على المشجب المجاور للباب. شعور غريب يتملكنى عندما أدخل لبيت سكان المدينة لأول مرة، بيت أوكرانى روسى، لم يكن به ما يثير الدهشة أو العجب، بيت مجهز على الطراز الحديث، الأرضية الخشبية البنية الفاتحة، المقاعد الجلدية بلون يميل للأبيض مما يضفى جوًا من الرومانسية، هل لاحظت إصص الزرع المنتشرة فى كل مكان؟ تقول أولينا إن زوجها سلافا يعد طعام العشاء بالمطبخ، لا تندهش، لقد ذكرت لى من قبل أنها لا تجيد الطهى، تركت هذا الأمر لسلافا، اقترح أن تذهب لمساعدته أنت وزوجى، لا يصح أن تتركا الرجل وحده مشغولًا بالمطبخ، سأنتظر هنا مع أولينا فهى تود أن ترينى أصص الزرع المنتشرة فى كل مكان خاصة فى الشرفة. السر فى عشقها لزراعة النباتات، كما حكت لى أولينا يرجع لوالدتها (بابوشكا) علمتها كيف تزرع أية بذور تتوافر لديها بأى شكل وفى أى إناء، لا أعرف لماذا تذكرت قصة للكاتبة رضوى عاشور عن امرأة وحيدة كانت مغرمة بزراعة النباتات فى أى إناء تجده أمامها حتى اتهمها الجيران بالجنون، فلم تعبأ بهم وظلت مفتونة بهوايتها، وانتهت القصة بإحدى الجارات تطرق بابها يوما تسألها أن تعلمها كيف تنبت زهرة. أفقت على أولينا وهى تكمل حديثها قائلة: تملك أمى بيتا كبيرا فى الريف تحيطه أرض كبيرة زرعت فيها أمى كل ما تحتاجه من نباتات وزروع، خضراوات فاكهة، وهى ليست الوحيدة فى ذلك، إنما تلك عادة كثير من الأمهات من الأجيال السابقة، نجتمع فى هذا البيت عادة فى الإجازات والأعياد مع بقية أفراد الأسرة خالى وزوجته وأولاده، سأدعوك مرة عندما تحضر والدتك لزيارتك فى كييف. تذكرت أنى أخبرت أولينا مرة أنى أفكر فى دعوة والدتى لزيارتنا، والآن أفكر فى كيف سيكون التفاهم بين أمى وبابوشكا والدة أولينا التى لا تعرف غير الروسية! إممم.... لقد فاحت رائحة الطعام، لا بد أن سلافا انتهى من إعداد وجبة العشاء، بالفعل دعتنا أولينا إلى المائدة بعد أن قام ابنها ذو التسع سنوات بإعدادها. قدمت لنا أولينا الطعام وهى تحدثنى عن فتحية: لقد طلبت من سلافا أن يصنع هذا الصنف بالذات، كانت فتحية تحبه كثيرا. تفضل وذق لفائف الكرنب على الطريقة الأوكرانية، مع كريمة القشدة والسلاطة الخضراء. بالهناء والشفاء. لم أخبرك عن فتحية، تلك صديقة عربية لأولينا، مغربية الأصل، تحبها أولينا كثيرا وتحكى لى عنها، وتشكو لى من حزنها على فراقها بعدما عادت إلى المغرب منذ شهور. أولينا وزوجها سلافا نموذج للزوجين المتحابين، التقيا عند بعض الأصدقاء وتحابا خاصة أن كليهما طيب القلب، متفتح العقل، ربما يختلفان كثيرا عن بقية الأوكرانيين، رزقا بطفلهما الوحيد (بيبو) يبلغ من العمر الآن 9 سنوات، ورغم انشغال سلافا دائما فى أمور الاستيراد والتصدير إلا أنه دائما يمنح أسرته فرصة لقضاء إجازة سنوية فى إحدى الدول الأوروبية، حيث يعشقان وابنهما التزحلق على الجليد. انتهى الآن العشاء وحان الوقت للشاى الأوكرانى الذى يقدم عادة مع الشيكولاتة، ها قد حضر سلافا، لكنه نسى الحليب، وسيذهب لإحضاره، كم ملعقة سكر تفضل مع الشاى؟ تقدم لنا أولينا الشيكولاتة وهى تبتسم قائلة: فتحية كانت تحبها كثيرا. تصر صديقتى دائما على أن تربطنى بفتحية، تلك صديقتها المغربية التى لم أرها قط، تحبها كثيرا وتفتقدها بعد رجوعها لبلدها، وكلما رفضت اقتراحا قالت محفزة إياى كى أوافقها الرأى: فتحية كانت تفعل كذا وكذا معى.. أحيانا أوافقها كى لا أحبطها.. لكن لن أتحمل كثيرا..