ما هذا الفنان المبدع؟.. ما هذا الفنان الذي لا يمثل..؟ انه يعيش الشخصية بشكل يجعلنا ننسي اسمه ونعيش معه الشخصية لعل هذه الامطار قد اوصلتنا لافاقة لم نكن بدونها سوف نعيد ترتيب أوراقنا قبل ان «نبوش من المطر». لقد غرقت مصر.. غرقت فعلا في مياه الامطار، غرقت المدن، اما القري فحدث ولا حرج فقد بلغ الغرق بإحدي القري ان استعانوا بالفلايك «جمع فلوكة» ليتنقلوا بين البيوت وحدث ولا حرج ايضا عن البيوت التي تهدمت وبعضها كان حديث البناء «اي والله» حديث البناء علي الطريقة المصرية - ابني يا بنا بس قلل المونة- وهكذا لم تعد مشكلتنا مواجهة المطر بل بها مواجهة الحاجة إلي منازل ايواء. وفوائد المطر الخمس اولاها ان تكون هناك رقابة ما علي عمليات البناء ومواد البناء لان الناس اصبحوا يخلعون ضمائرهم اسهل من خلع الاحذية واصبح الغش في مواد البناء قاعدة ولها قواعد يتبادلها القائمون علي المباني، فهناك غش في الرمال المستعملة وهناك غش في الاسمنت وهناك غش في الطوب ويمكن استعمال نوع واحد من انواع الغش ويمكن استعمال كل الانواع في بناء واحد!! واصبحت عبارات «الغش» متداولة ولها الفاظ خلاقة ويستعملها الجميع منها «التساهيل» ومنها «خليها علي الله» ومنها عَلِّي بسرعة احسن العمال عندهم شغل ثاني.. ويعلو البنيان ويكون المقاول رايح جاي من شبرا لحلوان والعمال بين هنا وهناك... والغلابة تحوش شقا العمر ويشترون شقة آيلة للسقوط!!! ليس سقوط المطر ولكن السقوط في براثن المقاول.. من اهم فوائد الامطار اكتشاف غش البناء اما عن الادوار العليا التي منها «للسماء» فحدث ولا حرج فالسقف «يخر» ويضعوا تحته «طشوط» تستقبل المياه وقد اصبح الناس يستقبلون غش المباني بصدر رحب «حد لاقي» بيت يتاويه بالتقسيط؟ ويتحمل الذين يشترون بالتقسيط وكأنهم يتسولون ويحمدون الله علي التقسيط بينما يرتفع الثمن إلي الضعف بسبب «التقسيط». الناس استسلمت للغشاشين واصحاب الضمائر الخربة من الذين اصبح جمع المال بالنسبة لهم غاية ويموتون ويتمتع غيرهم بما كنزوا.. لي صديق كان ونحن في الجامعة يجلس علي البوفيه ولا يطلب شيئا الا بعد ان نأتي ويضمن ان هناك من سوف يدفع وكان يطلب قهوة سادة ونحن ندفع وكأن القهوة السادة ببلاش وفي احدي المرات اتفقت مع الاصدقاء ان «نعمل فيه مقلب» وشربنا وضحكنا ثم تسحبنا واحدا وراء واحد وشرب المقلب ودفع الحساب كله لكن زميلا آخر قال لنا: - فاكرين نفسكوا عملتم مقلب ده هو الكسبان لانه دفع مرة واحدة مشاريب ثلاثة وانتم دفعتم له عشرين مرة. ومن فوائد المطر أنه يجعل الناس «تكن» في البيوت ولا يخرجون وفي هذا توفير لان كل «خروجة» بثمنها. لكن المطر هذه الايام اغرق الطرق واصبح يمثل عائقا للخروج في اليوم التالي وحتي التاكسي اصبح عاصيا لان الامطار وصلت إلي «شاسيه» السيارة واصبحت العملية بالخسارة اما اعظم فائدة للامطار في مصرنا الحبيبة فهي ان الجو يتخلص من التراب ويصبح نظيفا صحوا بعد المطر ولكن البرد اصبح شديدا هذه الايام وكأن الجو ينقلنا إلي لندن بلا طائرات ولا تكاليف. ولكن البيوت عندنا كأنها «مخرمة» ليست محبوكة ودائما بها هواء. كنت في لندن لسنوات منقطعة وكنت لا ارتدي «روب» في البيت وامشي بثوب بسيط لان البيوت هناك «محبوكة» تماما ولا تدخل بها نسمة هواء طالما الشبابيك مغلقة ولكن لا ادري لماذا عندنا البيوت يدخلها الهواء ويسكن فيها ولا يخرج وتصبح الامطار «احن» علينا من «الحنية» اكثر من الهواء فالامطار لا تدخل العظام وانما الهواء البارد يدخل العظام «طبعا هذا الكلام للعواجيز اللي زييّ» وليس للشباب. لقد كنت وأنا شابة احب المشي في المطر ولانني لم اكن اتعاطي «الماكياج» وانما اضع «كحلا» احيانا فكنت استمتع بالمطر علي وجهي ولا يهمني اما الان فحدث ولا حرج علي آلام العظام ولو ان الشتاء لم يقبل بعد ولكن الايام الباردة تحب الارواب والبطاطين والشيلان التي تغطي الاكتاف وتحميها من لسعة برد. عموما الشتاء بدأ ممطرا وليس باردا والمطر «أحن» علينا من البرد والمطر في مصر له فوائد كثيرة وليست خمسا فقط فالاشجار عندنا مسكينة لا يظهر جمال خضارها من التراب فحينما تمطر السماء يغسل المطر الاشجار فيبدو خضارها جميلا لهذا فالاشجار في الشتاء في مصر خصوصا عند المطر تصبح جميلة وخضراء فعلا، اما في الصيف فإن الغبار يغطي الاشجار ولا تكون في زهو مثل الشتاء. وانا شخصيا احب الخضرة وربما كانت الخضرة تلهيني عن اي عيوب اخري حولها وتصبح هي سيدة اللوحة حولي ولان المساحات الخضراء عندنا تضاءلت فقد انعكس ذلك علي نفسية المصريين وزادت مساحات «النرفزة» وأحمد الله انني اسكن في بيت له حديقة صغيرة ولكنها تحمل كثيرا من الخضرة التي تعمدتها في النباتات المتسلقة ونباتات الزينة التي تتمثل في انواع النخيل واشجار «القشطة» ذات الورق الكبير القوي وصدقوني انني حينما اترك حجرتي واخرج من باب البيت إلي الحديقة تتغير الحياة عندي تماما فإذا كنت عصبية اهدأ ولا انسي ان احمد الله واشكره يوميا لان عندي حديقة صغيرة جدا ولكنها مملوءة بالخضرة التي تريحني نفسيا ونفسا فانا الاحظ الفرق بين الهواء داخل البيت خصوصا في الشتاء والنوافذ والابواب مغلقة وبينه في الصيف والنوافذ مفتوحة علي الخضرة اصبحت اشعر بالفرق بين الهواء المشبع بالاكسجين والهواء المختزل بانفاس الناس. وفي الشتاء خصوصا بعد المطر واغتسال الاشجار من الاتربة يصبح الهواء منعشا والاكسجين واضحا فيه. والمصريون عموما ولوعون بالخضرة ولكن لم يعودوا حريصين عليها فقديما كانت كل النوافذ والشرفات بها اصص زرع اما الان فقد ألهت الحياة الناس وكان قديما ولا ادري هل مازال كان يمشي الجناينية بعربات عليها اصص الزرع والزهور وكنا نشتريها ونسعد بها وكانت في متناول يد الجميع وكنا نسكن في عمارة في الحلمية اسمها عمارة عكاشة وكان بانيها هو الفنان زكي عكاشة وكانت العمارة الوحيدة ذات الشرفات المستديرة الواسعة وكان بها مصعد «اسانسير» وكان الاطفال يأتون ليصعدوا به لمجرد استعماله وكان في شرفتنا مجموعة من اصص الزرع المختلفة كانت امي رحمها الله ترعاها بنفسها فقد كانت ولوعة بالزرع لدرجة اننا حينما انتقلنا إلي الحلمية اخذت مكانا مربعا في نهاية الشرفة الكبيرة وعملت منه غيطا صغيرا زرعت فيه الفول والقمح والذرة ولخيالها الجميل قامت بعمل «خيال المآتة» وهو رجل صغير عبارة عن جلابيةوطاقية لمجرد لإخافة الطيور وقد نجح زرع امي واثمر الفول الاخضر وامتلأ القمح بالسنابل وكانت تجلس بعد ري حديقتها تتأمل الزرع رحمها الله رحمة واسعة فقد كانت محبة للخضرة والزرع بشكل عام وكانت لدينا شجرة اسفل البيت تصل فروعها واغصانها المحملة بالاوراق حتي شرفتنا فكانت تغسل هذه الشجرة حتي نستمتع بجمالها اما عند المطر فقد كان يغسل الشجرة فتصبح جميلة نضرة. فكانت اجمل فائدة للمطر غسل الاشجار من تراب القاهرة الذي كان يغطي اوراقها فلا تبدو نضرة جميلة. ألم اقل لكم ان للامطار خمس فوائد.. احصوها فهي اكثر من خمس فوائد. يحيا الفخراني ما هذا الفنان المبدع؟.. ما هذا الفنان الذي لا يمثل..؟ انه يعيش الشخصية بشكل يجعلنا ننسي اسمه ونعيش معه الشخصية اننا نستمتع باعمال هذا الفنان العظيم دون ان نحس بعظمته.. تماما مثلما نشرب الماء ونستنشق الهواء... اصبحت عبقريته جزءا من متعتنا به... تلك الشخصية الشديدة المقدرة علي التواؤم مع الفن انني اكتب يحيا الفخراني هتافا وليس اسما انني حرمت من مسرحيته لتعب ألم بي تطلب عكوفا في البيت وكل يوم اصمم ان اذهب إلي المسرح لاستمتع بعطاء هذا الفنان العظيم الذي اصبحت عظمته بالنسبة لنا شيئا عاديا مثل الهواء والماء كما قلت.. اتحدي اي مؤلف ان يكتب نصا لا يستطيعه الفخراني... ان بساطته في ادائه تجعلنا لا نشعر بهذه العبقرية وهذا الحضور الطاغي «ما شاء الله» وحتي الان اتمني نصوصا خاصة للفخراني اتمني سخريات جحا وابو نواس... اتمني كتابات الحكيم.. ان الفخراني ما شاء الله مازال يستقبل الفن كهاو.. وليس كمحترف وهذا سر عظمة هذا الفنان النادر. والغريب اننا نتعايش معه بشكل طبيعي ولا نتوقف عند عبقريته وانا ككاتبة تأملت عملا له في التليفزيون فأحسست انني مقصرة في توصيله للناس. ان الفخراني هو السهل الممتنع والعجيب فيه انه يشعرنا انه لا يمثل علي الاطلاق واخاله يتمتع معنا بما يوصله لنا من ادوار. ان كثيرا من النصرص اضعف من امكانياته ولكنه يرفعها بعبقرية الاداء.. انه حينما يبتسم تكون لابتسامته طبيعة درامية توصل للناس عمق الدور. لعل هناك ادوارا كثيرة تقبع في قلوب مؤلفات المصريين ولعل هناك شخصيات في مؤلفات كتابنا مثل عبدالرحمن الشرقاوي ويوسف السباعي ونجيب محفوظ ويوسف ادريس لعل هناك شخصيات تنتظر الفخراني ليمزجها من عقله وقلبه الينا لحما ودما... يا يحيي من فضلك اقرأ لكل هؤلاء وابحث عن شخصية تعطيها لنا... لابد ان تكون طرفا في كل ما تعطيه لنا وانا اعرف جيدا حرصك علي اختيار شخصياتك وبنفس العمق الذي تؤديها به ابحث واطلب من المؤلفين والكتاب فمن حقك علينا وحقنا عليك ان تعطينا اكثر.. رعاك الله واعطاك الصحة والعافية نظير المتعة التي تقدمها لنا. يا مطرة رخي رخي كانت هذه اغنية قديمة لا ادري لماذا اندثرت.. ربما لأن التليفزيون اضعف خيالنا لانه اصبح ينقل كل شيء بدقة فاصبحنا نعيش اللحظة مع كل حدث. كنت اتمني ان يحمل احد جهابذة المصورين في التليفزيون كاميرته ويطوف الشوارع والحواري والازقة والاسطح لينقل لنا «يا مطرة رخي رخي» لان الاغنية مازالت علي فم الصغار في الدويقة ومنشية ناصر واطراف القاهرة وفي قلب الخليفة والسيدة زينب. كنت اتمني ان تخرج كاميرات التليفزيون لتنقل «الحوسة واللوصة» والناس في الشوارع ومحطات الاتوبيس التي بلا ساتر.. يا ساتر.. لكن التليفزيون نادرا ما يخرج من ماسبيرو خوفا من المطر والبرد يمكن الاجهزة «تكح». وهناك كاميرات ممكن ان يصوروا بها من شبابيك مبني ماسبيرو وحولهم بولاق بكل حيويتها وناسها الكرام امامهم شاطيء النيل ومراكب النيل وكلها تغري بالتصوير والنقل إلي المنازل ولكن التليفزيون مشغول بالتمثيليات وبرامج الكلام والمشككين وكلها برامج تبث من المدينة او الاستوديوهات هذا في بلد يعج بالحيوية والنشاط يعني لو خرجت الكاميرات حتي بدون مقدمي برامج لتصور الاولاد والبنات في الشوارع لوجدت نصوصا ولقطات انسانية اعظم من كل ما هو مكتوب من كبار الادباء لو خرجت كاميرا مثلا إلي حديقة الحيوان ونقلت عدة صور لعدة عائلات بكل حواراتهم بالطعام الذي امامهم باقفاص الطيور او الحيوانات التي يرونها لكان امامنا مجموعة من البرامج الشديدة الجاذبية. في تليفزيون لندن هناك برنامج ثابت من حديقة الحيوان وهو برنامج لا يكلفهم الا كاميرا فقط والابطال هم الحيوانات والمشاهدون لها والاطفال وهو برنامج شديد الجاذبية وكنت انتظره كل يوم. ولعل فكرة هذا البرنامج تروق لولدنا عصام الامير فيأمر بخروج كاميرا يوميا إلي الحديقة فسوف يضرب عصفورين بحجر؛ سوف يصور الناس والحيوانات، والعصفور الثالث هو برنامج بدون تكاليف وهو المطلوب. أطفالنا في التليفزيون لعلي لا ابالغ لو قلت ان اصعب البرامج برامج الاطفال ليس في المادة المقدمة ولكن في الكيف وفي البلاد المتقدمة يعتمدون علي الاطفال انفسهم فهم يصورون في المدارس والحدائق والنوادي ويمكن لأي معد برنامج ان يذهب إلي اي مدرسة واي ناد واي حديقة ويجلس مع الاطفال مستمعا فقط فسوف يري العجب ويستطيع ان يكتشف منهم نجوماً ايضا. ولكن عيبنا «الاستسهال» والعمل في الاستوديو وكأن خروج الكاميرات مشكلة المشاكل مع ان البرامج الخارجية شديدة الجاذبية لانها تنقل صورة حية وليس فيها اي تكلف واتمني ان يستطيع التليفزيون المصري ان يوفر كاميرا او اثنتين لبرامج الاطفال الخارجية وبالمناسبة يمكن لهذه الكاميرات تسجيل العاب لاطفالنا تراثية في الشارع المصري مثل «الحجلة» والحبل والتصفيق هناك اكثر من لعبة جميلة جدا تستعمل فيها الايدي بالتصفيق وهناك العاب شتوية بالجلوس واللعب بالارجل هناك العاب كثيرة من التراث ليس مهما نقلها فقط لاولادنا بل هناك ضرورة لتسجيلها حتي لا يطويها الزمن وقد اعجبني وانا في انجلترا بعض البرامج ولكن اعجبني اكثر انهم استضافوني لاتحدث عن اطفال مصر وألعابهم وبالصدفة كانت معي بعض الصور تسجل هذه الالعاب وبعد ان سجلنا البرنامج قلت لهم انني معجبة ببعض العاب اطفالهم فقالوا لي: - هل ممكن ان نسجل لك معهم في الحدائق؟ وفعلا سجلت وانا اتحدث مع الاطفال واسألهم ان يعلموني العابهم وسألوني علي العاب اطفالنا وعلمتها لهم وكان البرنامج جميلا جدا ومفيدا ايضا لانهم طلبوا مني مواد عن مصر وارفقتها بالحوار. ان برامج الاطفال لا تكون للتسلية فقط او للمعلومة فقط ولكن يجب ان يكون هناك مزج بين البرامج بحيث لا يمل الطفل برامج المعلومات ولا يلتصق ببرامج الالعاب فقط. ان برامج الاطفال مسئولية ضمير يجب أن يراعي فيها الله لانها تدخل في تكوين الطفل ويجب ان يكون ما يدخل في تكوين الطفل مدروسا جيدا والا نصيب الطفل بالتعويق دون ان ندري وهذه وحدها كارثة وقد رأيت منذ سنوات برنامجا يقدم للاطفال في التليفزيون ومقدمته «لدغة» اي لا تنطق حرف «الراء» وهذا خطأ لان الطفل يقلد ولا يفكر عند نطق الاحرف ولهذا يمنع من التدريس الذي لا ينطق الاحرف سليمة تماما لان النطق السليم هو الموصل الجيد للمادة للطفل. ان الاطفال هم ملائكة علي الارض فيجب مراعاتهم والخوف عليهم.. ان الاطفال هم المستقبل يمشي علي قدمين كما احب ان أنبه دائما. مسك الختام كلمة احببتها وأهديها لكم: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».