1 "دي اللي مافيهاش معلهش"الجملة يقولها سكان المناطق الشعبية، على الجرح الذي يصيب الوجه في مشاجرة، مادة دستور تحدد آليات التصالح بين المتعاركين في تلك المناطق، ووفقا لها يمكن "المسامحة" والعفو عن أي جرح قد يحدث في أي "خناقة" إلا "ضربة الوش مافيهاش ماعلش”. تلك المادة الدستورية الشعبية، تأصلت في الماضي نتيجة لصعوبة معالجة هذا الجرح، فيظل دليلًا على "عار" الهزيمة، واستمرت كعرف حتى بعدما تطورت عمليات جراحات التجميل، كل هذا يحدث والضحية حي يرزق، فما القول في شخص يفقد حياته، بحكم قضائي يمكن وحدث كثيرا من قبل، أن يكون بريئا من التهمة المنسوبة إليه. 2 هل يتذكر أحد قضية إعدام الجندي في سلاح الجوي التايواني تشيانج كو - تشينج، في عام 1997؟ دعني أقصها عليك من البداية، فقد تم القبض على تشيانجو كو، بتهمة التعدي الجنسي على فتاة، ثم قتلها وتشويه جثتها، واعترف تشيانجو كو بالتهمة، وحكمت عليه المحكمة بالإعدام، هل هناك عدل أكثر من ذلك، متهم اعترف بجريمته البشعة، فحكمت عليه المحكمة بالإعدام، دارت الأيام والسنون، حتى جاء شهر ديسمبر من عام 2011، فظهرت براءة المتهم المعدوم الذي اعترف بجريمته قبل 14 عامًا!! كيف؟ الحكومة التايوانية قدمت اعترافا في يناير من عام 2001 أقرت فيه بأنها أعدمت الشخص الخطأ في تلك القضية، وقالت إنها أجرت تحقيقا أثبت أن اعتراف تشيانج، الذي استخدمه الجيش لإدانته، انتُزع منه تحت التعذيب، بعد هذا الاعتراف تم القبض على متهم جديد، جندي سابق في سلاح الطيران التايواني، أدانته المحكمة بتهمة اغتصاب وقتل فتاة في الخامسة من عمرها في العام 1996، وقال ممثلو الادعاء إن المتهم عثر على الفتاة وحيدة في مقر سلاح الجو التايواني، وأخذها إلى دورة المياه واعتدى عليها جنسيا ثم قام بخنقها. ثم شوّه الجثة وألقاها من النافذة، وقضت المحكمة بسجنه 18 عاما. 3 16 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أصدرت 785 حكما بالإعدام خلال عام 2014 الماضي، هي الجزائر (16)، البحرين (5)، مصر (509)، وإيران (81)، والعراق (38)، والأردن (5)، والكويت (7)، ولبنان (11)، وليبيا (1)، والمغرب/ الصحراء الغربية (9)، وفلسطين (4 من قبل سلطات حركة حماس في قطاع غزة)، وقطر (2)، والسعودية (44)، وتونس (2)، والإمارات (25)، واليمن (26). تم تنفيذ 491 حكما بالإعدام في 8 دول هي إيران (289)، السعودية (90)، العراق (61)، اليمن (22)، مصر (15 حكما)، الأردن (11)، فلسطين (2 من قبل سلطات حركة حماس في قطاع غزة) والإمارات العربية المتحدة (1). (المصدر: تقرير منظمة العفو الدولية (آمنستي) الصادر في الأول من أبريل 2015 بعنوان"أحكام الإعدام وعمليات الإعدام 2014") 4 هناك حكاية أخرى، تابعها الجميع، تقريبا، عن إعدام "ساجدة الريشاوي" صباح إذاعة شريط مصور لإعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا على يد عناصر من تنظيم داعش، الإرهابي. هذا الحكم صدر بحق ساجدة في 2005 بعد إدانتها بمحاولة تفجير نفسها في أحد فنادق العاصمة الأردنيةعمان، وقالت في التحقيق إنها خططت مع زوجها لتفجير الفندق، غير أنها فشلت في الضغط على زر التفجير، وقضى بإعدامها على ذلك، غير أن الحكم لم ينفذ، وظلت حتى 2015، في سجون الأردن، إلى أن نفذ الإعدام بحقها انتقامًا من حرق "الكساسبة".. لكن هل في الأصل حقا فشلت "الريشاوي" في تنفيذ التفجير أم أنها لم ترد تنفيذه؟ وهل ما قالته"الريشاوي" من اعترافات قالته بالفعل أم أنها أكرهت على قوله؟ قبل كل ذلك ألا يبدو هنا أن تنفيذ العقوبة بحق ساجدة كان رد فعل انتقامي لجريمة إعدام الكساسبة؟ 5 الحد الأدنى من المعايير في تطبيق عقوبة الإعدام:- أ- لا يجوز أن تفرض العقوبة إلا لقاء أشد الجرائم خطورة. ب- لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في حالة جريمة ينص عليها القانون -وقت ارتكابها- على عقوبة الموت فيها، على أن يكون مفهوما أنه إذا أصبح حكم القانون يقضي بعد ارتكاب الجريمة بفرض عقوبة أخف استفاد المجرم من ذلك. ج- لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا بموجب حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة بعد إجراءات قانونية توفر كل الضمانات الممكنة لتأمين محاكمة عادلة، مما ثلة على الأقل للضمانات الواردة في المادة 14 م- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حق أي شخص مشتبه في ارتكابه جريمة يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام أو متهم بارتكابها في الحصول على مساعدة قانونية كافية في كل مراحل المحاكمة. د- لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائما على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالًا لأي تفسير بديل للوقائع. (قرار رقم 50/ 1984، الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمة الأممالمتحدة في مايو 1984 بخصوص الضمانات التي تكفل حماية حقوق الأفراد الذين يواجهون عقوبة الإعدام). 6 لكن في بلدنا "الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا"، ومن استطاع أن يخفي أو يمحو أدلة إدانة مبارك ونظامه، وبرأ كل ضباط داخليته، يمكنه ببساطة أن يأتي بأدلة وبراهين وأحراز، وشهود بل واعترافات تودي بأي متهم إلى حبل المشنقة، والنيابة التي تحيل الضباط المتهمين بالتعذيب حتى القتل، إلى المحكمة بتهمة "ضرب أفضى إلى موت"، بدلا من القتل العمد، يمكنها أن تحيل متهما تم القبض عليه من بيته، إلى المحكمة بتهمة ممارسة عنف، أو الاعتداء على مؤسسات الدولة وضباط الشرطة والجيش. 7 سألت الصديقة ببراءة: "هل نحن نثق بالقضاء وقضاته لدرجة تجعلنا نمنحه حق إنهاء حياة آخرين؟". كانت منهارة مع الإعلان عن تنفيذ إعدام محمود عبد الحفيظ سيد عيساوي “19 سنة” شنقًا لاتهامه بقتل الفتاتين هبة إبراهيم جاويش ابنة المطربة ليلي غفران ونادين خالد محمد، المتهم كان معترفا بجريمته، فرغم اعتراف المتهم بجريمته وتمثيله لها، فإن حديثا كان قويا وقتها يقول إن محمود ما هو إلا ضحية، وضعوه مكان متهم آخر، كانت كل الشائعات وقتها تقول إن المتهم الحقيقي هو ابن رئيس الوزراء وقتها أحمد نظيف. ونقلت جريدة الجمهورية وقتها، عن السيد عيساوي، والد المتهم شهادته بأن ابنه اعتاد الخروج للعمل في التاسعة صباحًا كل يوم والعودة في الثامنة مساء.. وأن نجله كان موجودًا معهم طوال يوم ارتكاب الحادث ليل نهار ولم يغادر المنزل في ذلك اليوم. "محمود لم يقتل أحدًا، واعترف تحت تأثير الضرب والتعذيب الذي تعرض له في قسم الشرطة، والذي يظهر واضحا في يديه، وطلبت من النيابة الكشف عن سلامة قواه العقلية؛ لأنه مضطرب نفسيا، ويهذي بكلمات غير مفهومة، حتى إنه وسط التحقيق قال لوكيل النيابة: (يا باشا الضابط اللي بره جايبلي فرخة، وأنا عاوز آكل) مما يؤكد أنه ليس في حالته الطبيعية”. سيد فكري محامي محمود عيساوي. بعد ست سنوات على القضية، وبالتحديد في يونيو، أعلن تنفيذ حكم الإعدام في محمود، دون علم أهله، ”لما اتعدم ابني نزلوها على النت والتليفزيون، وأختي جت بلغتني، وكان المفروض يقولوا لأهله، ويبلغونا، وقضية ابني قضية رأي عام، ليه مابلغونيش؟ ليه خافوا؟ لا الدنيا تتقلب عليهم؟ وعدموه بسرعة.. أنا باقول حسبي الله ونعم الوكيل في كل حاكم ظالم.. و كل واحد ظلم ابني.. أنا باقول لليلي غفران: حسبي الله ونعم الوكيل فيك، وانت قلبك ماتحرقش زي قلبي علشان إنت عارفة مين اللي ورا الموضوع.. ولما قلتي عايزة أعيد القضية ثاني إدوكي شركة إنتاج سينمائي.. مين انت علشان يدوكي شركة إنتاج سينمائي.. حسبي الله و نعم الوكيل فيكي.” والدة محمود عيساوي في حوار خاص أجرته مع "مصر العربية" 22 يونيو 2014 8 لا يمكن أن ننسى أن من يجمع الأدلة ويقدمها إلى النيابة هو جهاز يطالب الغالبية -إن لم يكن الجميع- بتطهيره أو تطوير أدائه، جهاز الشرطة الذي تطاله دائما اتهامات بتعذيب المتهمين للحصول على اعترافاتهم، وسجل المجلس القومي لحقوق الإنسان ذلك في أكثر من تقرير، وكذلك سجلته بيانات الإدانة التي تصدرها المنظمات الحقوقية، خاصة تلك المهتمة بالتعذيب. الحديث عن إلغاء الإعدام بات أمرا ملحا، وواجبا، خاصة في تلك المرحلة التي تعتبر فيها الدولة- بغالبية مؤسساتها- كل من يؤيد جماعة الإخوان المسلمين هم قتلة ومجرمين لا بد من إعدامهم حتى قبل محاكمتهم. إلغاء تلك العقوبة بات ضرورة، ليس دفاعًا عن المتهمين لكنه دفاعًا عن الحق في الحياة، لا فرق لديّ بين مجرم يرمي بريئا بالرصاص، وقاضٍ يحكم بالإعدام على متهم لمجرد أن الأوراق والأحراز تقول أنه من قام بجريمة قتل. 9 الإعدام هي العقوبة الوحيدة التي لا يمكن أن تقول لضحيتها "ماعلش" لأنه سيكون ضحيتها في عالم آخر وقتها.