هل انقلبت الجماعة الإسلامية وقيادتها الحالية على مبادرة وقف العنف التى أعلنتها من جانب واحد، فى عام 1997، وتم تفعيلها مع بداية الألفية الثالثة؟ هل الاقتراب من السلطة والتحالف معها بعد صعود النظام الإخوانى المستبد إلى سدة الحكم «قبل أن تطيح به ثورة 30 يونيو» جر رموز الجماعة التى قتلت الرئيس الراحل أنور السادات إلى طريق الدم مجددا؟ ربما بات الباحث محمد عطية السندبيسى، صاحب كتاب «الانقلاب الفكرى للجماعة الإسلامية»، وهو أحد أبناء الجماعة الإسلامية ممن ذاقوا مرارات السجن والاعتقال والتنكيل فى عهد مبارك، مجبرا الآن، على إعادة تقييم المشهد مرة أخرى، وتقديم إجابة موضوعية على السؤالين السابقين، فى ظل حالة الرعب التى اجتاحت شرائح عدة من المصريين العاديين، غير المسيسين، من دعاوى التكفير والتحريض على القتل والتخوين واستحلال حياة المعارضين ورموز التيارات العلمانية والليبرالية، بل والسلفية أحيانا. وهى دعاوى جرت على لسان أسماء بحجم ومكانة عاصم عبد الماجد وطارق الزمر وغيرهما، بينما لم يتبرأ منها مجلس شورى الجماعة بعد. المشاركة السياسية الفاعلة و«المرنة»، للجماعة الإسلامية فى العمل العام بعد ثورة 25 يناير لم تستمر طويلا. اللغة التصالحية لقادتها مع مفاهيم الديمقراطية والانتخابات والإرادة الشعبية، وقبلها مع المجتمع بأطيافه السياسية المختلفة، وبمسلميه وأقباطه، تراجعت رويدا رويدا، حتى كادت تتلاشى تماما.. وبينما كانت الثورة على الرئيس «المعزول» وأهله وعشيرته تتضاعف فى الشارع، كان الانحياز الأعمى من جانب نفر من قادة الجماعة الإسلامية لسياط الإخوان الموجهة ضد أعدائهم، لتتحول إلى فزاعة لإرهاب المصريين وتخويفهم. إن جملة التصريحات النارية التى أطلقها عاصم عبد الماجد «وبحدة أقل منه نوعا ما طارق الزمر وربما صفوت عبد الغنى وعبد العظيم حماد» خلال العام الماضى، سواء على شاشات الفضائيات، أو أعلى منابر المساجد، أو من فوق منصات «النهضة» و«رابعة العدوية» عن سحق الثوار، والتشهير بالمعارضين والمثقفين، ومحاصرة القضاة، وتخوين مؤسسات الدولة من جيش وشرطة ومخابرات ومؤسسات تنفيذية، وتشجيع تشكيل ميليشيات، علاوة على الانضواء تحت لواء الإخوان القمعى، إنما تمنح الجميع مبررا أخلاقيا ومنطقيا للتشكيك فى مصداقية نبذ العنف والإرهاب، فى عقلية قادة وكوادر الجماعة الإسلامية، وذراعها السياسية حزب البناء والتنمية. ذلك المبرر الذى تحول لدى كثيرين لقناعة راسخة، خصوصا أن مواقف عبد الماجد المتطرفة، ومن بعده الزمر، جاءت لتتوج ردة فكرية واضحة لا تزال تسيطر على عدد من رموز الجماعة الإسلامية، وقادتها الثقات التاريخيين. فعلى مدار العامين الماضيين لم يتوقف عديد من القادة سواء العائدون من الخارج، بعد ثورة 25 يناير، أو كانوا من المفرج عنهم بعفو رئاسى من المعزول «الشيخان رفاعى طه وأبو العلا عبد ربه على سبيل الإشارة لا الحصر»، عن الحديث عن أنهم كانوا يقيمون حدود الله، حينما رفعوا السلاح فى وجه السياح وأصحاب الفكر والأمن ورموز الدولة، فضلا عن إصرارهم على خروج بعض ممن قتلوهم وسفكوا دماءهم من الملة. لا أحد يعلم على وجه الدقة، لماذا لم يصمت هؤلاء، ويكفون عن تخويف الناس؟ خصوصا بعد أن مهدت الثورة دخول الجماعة الإسلامية العمل السياسى والحزبى والنيابى من أوسع أبوابه، ومن دون قيد أو شرط، وذلك على خلفية «انقلاب فكرى» كبير نحو السلمية، قاده عدد من شيوخ الجماعة الكبار، وفى مقدمتهم كرم زهدى والدكتور ناجح إبراهيم، نبذوا من خلاله العنف والتكفير والغلو، وأعلوا به قيم المشاركة والحوار والتصالح. إذن ما الذى حدث؟ لقد بات حريا على الجميع الاعتراف بأن الإيمان بالمراجعات الفقهية المرتبطة بالأساس، بترشيد الجهاد المسلح ونبذ العنف، من قبل بعض القيادات، وربما الأعضاء العاديين، فى مصر وخارجها لم يكن كبيرا، بينما أن البعض لم يؤمن بها على الإطلاق. فرغم أن عاصم عبد الماجد نفسه، كان أحد من شاركوا فى تأليف كتب للمراجعات الفقهية فى السجون، فإنه لم يتردد بعد الثورة، فى الحديث عن ضرورة مراجعة مفاهيم كتب المراجعات، متبرئا من تفسير حاكمية الله، وقال إنه لم يوقع على نصه، محملا ناجح إبراهيم المسؤولية كاملة عنه، كأنه يستدعى كتابه الشهير «ميثاق العمل الإسلامى» الذى كان يعد دستور العمل والمنهج الفكرى للجماعة الإسلامية، طيلة سنوات الدم. ناهيك بالصدمة التى شعر بها أفراد الجماعة، داخل السجن، حينما تم إعلان بيان المبادرة بشكل مفاجئ، فى التسعينيات، بينما أنهم لم يكونوا مهيئين نفسيا لتلقى ذلك الخبر، كما ورد فى كتاب «الانقلاب الفكرى للجماعة الإسلامية» لمحمد عطية السندبيسى. حينها فرح البعض وهلل لقرب خروجه من السجن، ووداع أبشع سنوات التعذيب والتنكيل والاضطهاد والمهانة فى المعتقلات وخلف القضبان، ولكن الغالبية العظمى من أبناء الجماعة، فى السجون وخارجها، استنكرت الأمر، وبات البعض يتحدث عن استسلام القادة التاريخيين لضغط الأمن. كما يمكن القول إن الزيارات المكوكية للقادة التاريخيين، وعلى رأسهم كرم زهدى وناجح إبراهيم، إلى السجون، فى بداية طرح المبادرة، للترويج لها ولأهدافها، وتأصيلها شرعا، بين أبناء الجماعة المعتقلين، لم تنطو على نقاش مبنى على الإقناع، فكان الأمر أقرب للإملاء وطلب الموافقة من دون مناقشة حقيقية. ومن ثم وافق البعض على المبادرة مضطرا، حتى ولو أنه أضمر عدم رضا أو خلافا تاما مع المراجعات. إن الفرصة لا تزال متسعة أمام الجماعة الإسلامية للبقاء فى قلب المشهد السياسى المصرى بلا أى قيود، بشرط وأد انقلابها على المراجعات، ونبذ المواقف العدوانية للإخوان وعبد الماجد ومن صار على دربهم.. فهل هناك عاقل بالجماعة يقود تلك المبادرة؟