حادث المنصة قصة توبة أشهر تنظيم إسلامي مسلح عن العنف والفكر التكفيري تلامذة الأمير الغائب ورفاق الزمر ودعوا الجهاد المسلح وبدأوا كفاح السياسة من بين عشرات الأحزاب والتيارات السياسية التي رفضت أو عارضت اختيار الرئيس التوافقي، في المرحلة الأخيرة، بدت الجماعة الإسلامية، الأشد والأكثر رفضاً وتشبثاً بموقفها.. الدكتور طارق الزمر، المتحدث الإعلامي باسم الجماعة، أعلنها صريحة وبلا أي مواربة "ولي زمن الاختيار بالإنابة.. المصريون سيختارون من يمثلهم لا من يمثل عليهم". المنطق السياسي الذي تحدث به طارق الزمر، يبدو مقبولا، سواء اتفق معه البعض أو خالفه البعض الآخر، من وجهة نظر المشتغلين في العمل الديمقراطي المدني والمفتوح، لكنه وللعجب يعكس تحولاً صارخاً في موقف وأفكار قيادي في الجماعة الإسلامية، شارك مع صهره وابن عمومته، عبود الزمر، إضافة إلي عدد من رموز التيارات الجهادية المسلحة، مثل محمد عبدالسلام فرج وخالد الإسلامبولي وعطا طايل، وغيرهم، قبل نحو 30 عاماً كاملة، في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات (حادثة المنصة)، في إطار مشروع أكبر لإشعال الثورة الإسلامية، ومن ثم الحكم بشرع الله بين الناس. إن حديث طارق الزمر، وكافة قيادات الجماعة الإسلامية وأعضائها، اليوم، في السياسة، والاشتغال بها بفاعلية، بل وممارستها تحت قبة البرلمان، الذي طالما كان في أدبيات الجهاديين، أداة علمانية لمحاربة حاكمية الله، لم يتحقق إلا بعد رحلة طويلة، بدأت بتكفير المجتمع، وحمل السلاح ضد رموز السلطة والأمن، مروراً بسنوات مريرة من التعذيب والقمع والقتل في سجون مبارك، وصولاً لإعلان مبادرة وقف العنف، في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشري1997 فالخروج من ظلمات المعتقل إلي نور المعترك العام بعد ثورة 25 يناير. تبدل وجهات نظر وآليات عمل الزمر ورفاقه، إنما يعكس أيضاً، تغيراً في أولويات الجماعة الإسلامية، وفي طريقة تعاطيها مع المجتمع، ما يرصده الباحث محمد أبو عطية السندبيسي في كتابه القيم "الانقلاب الفكري للجماعة الإسلامية.. من اغتيال السادات إلي خلع مبارك"، وهو في الأصل بحث مهم نال عنه المؤلف درجة الماجستير، من قسم الأديان والمذاهب، في كلية الدعوة، جامعة الأزهر، قبل عامين، قبل أن يصدر حديثاً في شكل كتاب، وذلك في وقت يتغير فيه المشهد السياسي المصري برمته، لتصبح الجماعة الإسلامية، جزءاً فاعلاً فيه. وبحسب عطية واجه الكتاب، معوقات عديدة قبل الثورة، وصلت إلي حد أن مباحث جهاز أمن الدولة المنحل ، منعت الإعلاميين والصحفيين، من حضور مناقشته العلمية، عندما تقدم به كرسالة بحثية، بل إن أعضاء الجماعة الإسلامية أنفسهم، وفي مقدمتهم منظرها الفكري الدكتور ناجح إبراهيم، أثنوا علي مضمون الكتاب في البداية، ثم سرعان ما هاجموه، خاصة بعدما تطرق إلي العلاقات الخفية بين أعضاء الحركات الإسلامية علي اختلافها، ورصد بشكل موثق التحولات والانقلابات الفكرية للجماعة الإسلامية، فيما تتضاعف أهمية الكتاب ومصداقيته لكون مؤلفه ليس مجرد باحث فحسب، ولكنه كان أيضاً واحداً من قيادات الصف الثاني في الجماعة، دخل معتقلات الرئيس المخلوع لفترة سبع سنوات، وتحديداً في الفترة من أكتوبر 1996 و حتي أكتوبر 2003 ما أتاح له فرصة الاطلاع علي مجموعة من الوثائق والمكاتبات السرية، بين عدد من أعضاء الجماعة، تم كتابتها داخل السجون والزنازين. ويبقي الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن، والملقب بين الجهاديين بالأمير الغائب، حيث يقضي عقوبة السجن مدي الحياة، في الولاياتالمتحدةالأمريكية، علي خلفية اتهامات تتعلق بالإرهاب ومحاولة تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك في العام 1993 أحد أهم رموز الجماعة الإسلامية، الذين ساهموا في تأسيسها، والأب الروحي لها ، إلي جانب أسماء من شاكلة ناجح إبراهيم وكرم زهدي وعاصم عبد الماجد وعصام الدين دربالة وأسامة حافظ، بينما بلورت الجماعة أفكارها، وشرعنت عملياتها المسلحة، استناداً لمؤلفات عدد من الشيوخ والعلماء، أبرزهم ابن تيمية، وخاصة كتابه الشهير "الفتاوي"، إضافة إلي كتب "الفريضة الغائبة" لمحمد عبد السلام فرج، و"حتمية المواجهة"، و"كلمة حق" للشيخ عمر عبد الرحمن، و"رسالة في الحسبة" لعبد الآخر حماد، وقبل هذا وذاك كتب المنظر التاريخي لفكر الإخوان المسلمين، سيد قطب، وتحديداً مؤلفات "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، و"معالم علي الطريق" و"في ظلال القرآن"، وغيرها. في المقابل سجلت الجماعة عقيدتها الفكرية والحركية، في مؤلف "ميثاق العمل الإسلامي" أو "المعالم الشرعية والفكرية للجماعة الإسلامية"، الذي أعدته مجموعة من قياداتها: ناجح إبراهيم و عاصم عبد الماجد وعصام دربالة، تحت إشراف مباشر من الشيخ عمر عبد الرحمن، وفيه أعلنت الجماعة هدفها الأسمي، وهو سعيها ل"تعبيد الناس لربهم وإقامة خلافة علي منهاج النبوة". وعليه بدا أن تكفير الجماعة الإسلامية، رغم كونها ليست من الجماعات التكفيرية، للكثير من العلماء والأفكار والهيئات الدينية، أمراً بديهياً، ناهيك عن أن اتخذت الجماعة موقفا سلبياً ومناهضاً، من الشيوعيين والعلمانيين، وكذلك الفن والفنانين وبعض الكتاب والصحفيين والمشتغلين في السياسة، عكس أنها تتبني رؤية للمجتمع، أقرب لجماعة التكفير والهجرة، الأمر الذي كان محركاً لها لاستهداف السياحة ومعظم رموز الدولة والحكومة ورجال الأمن والشرطة وممتلكات عدد من الأثرياء الأقباط. الجماعة الإسلامية استندت في مبادرتها لوقف العنف ونبذ العمل المسلح والتبرؤ منه والتوبة عنه، بعد أن سالت بحور الدماء لسنوات، إلي عدم تحقيق أهداف الجماعة التي قامت من أجلها، إضافة إلي زيادة العلم الشرعي والوعي السياسي، والنضج العقلي لدي قادتها، ووقف نزيف الدماء والقتل العشوائي، إلي جانب أن العنف أضر بالحركة الإسلامية واتخذ سببا في القضاء عليها وضربها في مقتل، وبالتالي فإن وقفه سيكون سببا في انتشار الفكرة الإسلامية، وجميعها رؤي ربما قد ساهمت بعد قرابة الربع قرن من إعلان المبادرة، وبعد سقوط مبارك ونظامه القمعي، ونجاح ثورة 25 يناير، أن يبدأ رفاق الزمر جهاد السياسة والعمل العام من تحت قبة البرلمان، حيث يتواجد 12 عضواً من أعضاء الجماعة بين نواب مجلس الشعب الحالي.. فهل يصبح العمل السياسي المدني الخيار الوحيد والأخير للجماعة مستقبلاً، أم أنها ستعود يوماً إلي السلاح؟.