لم يكن الخال "عبد الرحمن الأبنودي"، أشهر شعراء العامية في مصر، فحسب بل كان حالة شعرية مختلفة عاشها كل مواطن عربي ومصري، بعد أن نجح في التعبير عن مشاعرهم المختلفة ما بين الثورية وحب والوطن، عشق الحبيب لمحبوبته، والطفل المتعلق بأمه، وغيرهم من أبيات شعرية نسجت في قصائد لا تنسى بلهجته الصعيدية الأصيلة، حيث اعتبره الجميع المتحدث الرسمي لهذه اللهجة القوية. رحل الخال عن عالمنا 21 أبريل العام الماضي عن عمر ناهز 76 عامًا، بسبب كثرة تدخينه مما سبب له أضرارًا كثيرة بالرئة. ولد الخال عام 1938، بقرية أبنود بمحافظة قنا، وتأثر بالسيرة الهلالية هناك التي استمع لها كثيرًا في طفولته، وهو ما ساعده على جمعها وإخراجها في أشهر أعماله وهو "ديوان السيرة الهلالية" الذي أخرجه عام 1978، ليكون مرجعًا لكثير من الشعراء. كتب الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي أكثر من 700 أغنية لمطربين كثيرين من مصر والعالم العربي، منهم وردة الجزائرية، وماجدة الرومي، وصباح، ومن المصريين عبد الحليم حافظ، وشادية، ونجاة، ومحمد رشدي، ومحمد منير. كتب الابنودي العديد من أغاني المسلسلات مثل النديم، وذئاب الجبل، وكتب حوار وأغاني فيلم شيء من الخوف، وحوار فيلم الطوق والإسورة، وكتب أغاني فيلم البريء شارك الدكتور يحيى عزمي في كتابة السناريو والحوار لفيلم الطوق والاسورة عن قصة قصيرة للكاتب يحيى الطاهر عبد الله. حصل الأبنودي على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية. "أيامي الحلوة" اهتم الأبنودي بجمهوره وأشركهم في حياته الشخصية، التي قدمها للجميع في كتاب "أيامي الحلوة"، ليس هذا فحسب بل أتبعهم بقصائد عامية عن شخصيات مهمة في حياته مثل زوجته المذيعة المصرية نهال كمال وعمته وابنتيه آية ونور، وهو ما مكنه من الاقتراب من جميع فئات جمهوره بكل مصداقية وبساطة. لم يكتفي الخال بكتابة الأعمال الشعرية والدواوين، بل وصل لجمهوره بطريقة أخرى من خلال كتابة الأغاني لعمالقة النجوم منهم عبد الحليم حافظ ومحمد منير وصباح وووردة الجزائرية وماجدة الرومي وغيرهم من الكبار، ولعل أشهر ما كتب عدى النهار وأحلف بسماها وبترابها وبرة الشبابيك والليلة ديا ويونس وغيرهم من أغاني لم تنسى بكلمات الأبنودي الحساسة. دافع عن عبد الناصر تمتعت مواقف الخال السياسية بالقوة والثورية، حيث بدأ في معارضة النظام من عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورغم اعتقاله إلا أنه عاش مدافعا عن ناصر، مؤكدًا أنه لولا مجهوداته ما عاش الفقراء وتعلموا كغيرهم. تعرض "الخال" للسجن في عهد عبد الناصر إلا أنه كانت تربطه بعبد الناصر محبة كبيرة، وقد قال الأبنودي "لا ننسى أن عبد الناصر هو الذي قال "ارفع رأسك يا أخي، انتهى عهد الاستعباد". ورد على الهجوم على عبد الناصر قائلًا "يا من تهاجمون عبد الناصر قولوا لنا: ماذا فعلتم؟ لولا عبد الناصر ما استطاع الفقراء من أمثالي أن يتعلموا". وقال عن تجربة السجن في عهد عبدالناصر"عند اعتقالنا لم توجه لنا تهمة، وفترة الاعتقال كانت جميلة، ولو كنا نعلم بحلاوتها لطلبنا الاعتقال بأنفسنا". تنبأ بمقتل السادات في نفس الوقت لم يلقي الرئيس الراحل أنور السادات مثل هذا التأييد من الخال الذي عارضه كثيرًا ورفض مواقفه خاصة بعد اتفاقية كامب ديفيد، وأصدر قصيدته "المد والجزر" في فبراير 1981 والتي تنبأ فيها بمقتل السادات، وفي نفس التوقيت لاحقها بقصيدته "لا شك أنك مجنون"، ليستكمل حربه ضد نظام السادات. موقفه من السادات كان الابنودي معارضا للزعيم السادات، خاصة بعد إتفاقية كامب ديفيد، ومن الدلائل التي تؤكد شدة الخلافات بين السادات والأبنودي نجد أن الأخير ألقى في فبراير 1981 في عيد الطلاب قصيدته "المد والجزر" التي تنبأ فيها بمقتل السادات، وفي نفس التوقيت كتب قصيدته "لا شك أنك مجنون"، وصارت قصائد الأبنودى بمثابة المدفعية الثقيلة التي تواجه النظام. وقال الخال بعد رحيل السادات"كنت حاسس إن رحيله في الوقت ده نعمة، بغض النظر عن إنه اغتيل، لأني ضد الاغتيال. ارحلي يا دولة العواجيز موقفه من مبارك: كان الأبنودي ضمن كثير من الكتاب الذين حذروا نظام مبارك من الثورة، وانتشرت قصيدة الأبنودى "الميدان" في ميدان التحرير بشكل غير مسبوق، وكان الثوار يحفظونها ويرتلونها، وزادتهم إصرارا خصوصا في مقطع "آن الأوان ترحلي يا دولة العواجيز". نجد قبل الثورة ديوانه الشعري "المشروع والممنوع" الذي ينتقد فيه النظام وانحاز للشعب ضد القمع والسلطة. موقفه من "السيسي" دعم الأبنودي الرئيس عبد الفتاح السيسي، مع إعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة الأخيرة، وكتب فيه أكثر من رباعية في ديوانه الأخير "الرباعيات"، والتقى السيسي ووصفه بأنه امتداد للرئيس جمال عبد الناصر، ولم يمنعه ذلك من أن يكتب قصيدة"مرسال" عن غلاء الأسعار، ويرسلها للرئيس.