قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، اليوم الخميس، إن المسلمين لم يشهروا السيوف في وجوه غيرهم بسبب معتقداتهم أو أديانهم، معقبًا: «اللهم إلا إذا تحول الغير إلى عدو يُقاتل المسلمين، فهاهنا القتال بسبب الاعتداء وليس الدين". ذكر الطيب، أمام ملتقى "مقومات السلام في الأديان" بجامعة مونست الألمانية، أ ن "الإسلام تكفل بحماية حرية الاعتقاد، مستدلًا بقول الحق سبحانه وتعالى ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ﴾،﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾، وحديث النبي محمد (ص) : ( مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ مِنْ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ)". أوضح شيخ الأزهر أن "الإسْلَام يَتَّفِق مَع الرِّسَالَات السَّابِقَة عَلِيْه في أُصُول العَقَائِد وأُمَّهَات الأَخْلَاق، ويَرْتَبِط بها ارتباطًا عضويًّا، فَالإِيمَان بالأنبياء والرُّسُل السَّابِقِين وبِمَا أُنْزِل عَلَيْهم مِن الكُتُب السَّمَاويَّة جزءًا لا يتجزأ من إيمان المسلم بِمُحَمَّدٍ -(ص)-وبالقُرآن". أكد أن "مَا شرعه الله من الدِّين لِمُحَمَّدٍ، هَوُ نَفْس مَا شرعه لِنُوح وإبرَاهيم ومُوسَى وعِيْسَى عَلَيْهم جَمِيْعًا أفضَل الصَّلَاة والسَّلَام، مَا يُفَسِّر لنَا انفِتَاح الإسْلَام عَلَى الأدْيَان السَّمَاويَّة السَّابِقَة عَلَيْه وبِخَاصَّةٍ: المَسِيْحِيَّة، مِمَّا نَعْلَمُه جَمِيْعًا وَلَا نَحْتَاجُ إلى بيَانه لظُهوره ووضُوحه". شدد على أَنَّ "الإسْلَام لَيْسَ دِينًا مُنْفَصِلًا عَن الأَدْيَان السَّمَاويَّة السَّابِقَة عَلَيْه كَالمَسِيْحِيَّة واليَهُودِيَّة والإبْرَاهِيمِيَّة، بَل يُعَلِّمُنَا القُرآن أَنَّ الدِّين الإِلَهِيِّ دِيْن وَاحِد اسْمُه الإسْلَام، بِمَعْنَى: الخُضُوع لله تعَالَى وعِبَادَته، وإسْلَام الوَجْه إِلَيْه، وَأَنَّ مَا يُسَمَّى بِالأدْيَان في مُحَادثَاتنا هُوَ: رِسَالَات إِلَهِيَّة تُشَكِّل حَلَقَات مُتَّصِلَة في سِلْسِلَة الدِّين الوَاحِد". بيّن الطيب أنَّ مَشِيْئَة الله في خَلْقِه قَضَت أنْ يَخلقهم مُختَلِفين في الدِّين والعَقِيدَة والَّلون والُّلغة والجِنس، وأنَّ هَذا الاختِلاف لا يتبَدَّل وَلَا يَزُول، وهذا يقتضى أن تكون العلاقة بين هذه القبائل والشعوب هي علاقة "التعارف" التي تعني: التعاون المتبادل". أضاف أن "القرآن الكريم نص على هذه العلاقة وعبَّر عنها بلفظة (التعارف)"، لافتا إلى أنه "لا يُتصور أن يخلق الله الناس مختلفين في الأديان، وفي الوقت نفسه يبيح لهم أن تتحول العلاقة بينهم إلي علاقة صراع أو قتال أو علاقة حرب، فهذا تناقض بين حرية التعدد في المعتقد، ومصادرة هذا الحق في حالة القتال الذي ينتهي إلي حمل الناس على عقيدة واحدة". أعرب عن استغرابه الشديد لِهَذا الدَّمَار الَّذي حَلَّ بأغْلَب دول المَنْطِقَة، مشيرًا إلى أن "التَّخَلُّص مِنَ الأنظِمَة الدِّيكتَاتُوريَّة لَا َيتطَلَّب قَصْف الشُّعُوب الآمِنَة بالطَّائِرات، وهَدْمَ البُيُوتِ عَلَى رُؤوسهم ورؤوس نِسَائهم وأطفَالهم"، لافتا إلى أن "الطَّوائِف العِرقِيَّة والمَذْهَبيَّة طَالَمَا تعَايشَت في هَذِهِ المَنْطِقَة في أمَانٍ وسَلَام دهرًا طويلاً". أوضح أن "الأديَانُ والمَذَاهِبُ لَيْسَت وَلِيدَة اليَوم، وإنَّمَا هِيَ قَديمَة قِدَم هَذِهِ الأديَان والمَذَاهِب، وَقَد عَاشَت هِيَ الأُخرَى في سَلَام تَحْت ظِلَال الحَضَارة الإِسْلَامِيَّة، لَمْ تُرزأ في مُعتَقداتها، وَلَا مُقدَّرَاتها، بَلْ كانَت عُنْصر ثَراء وتَمَاسُك في بنيَان المُجْتَمَع ولُحْمَته ونَسِيجِه المُشْتَرك".