«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل المسيحي كافر؟!


كتب - المستشار أحمد عبده ماهر
أكتب ما أتناوله من علاقة المسلم بالمسيحي بهدف له الأسبقية الأولي وهو تصحيح عقيدة المسلمين، وثانيها تصحيح توجهاتهم، وثالثها دفاع عن أمن الأقليات في بلد مسلم يجب أن يحمي الشجر والمدر فما بالكم بالبشر، وما أبغي تمويع الأمور لكن أهدف إلي وضع الأمور في نصابها الشرعي بلا عواطف ساذجة.
بالبداية أنوِّه أن لحية الدعاة وعريض أصواتهم ليست دلالة علي صدق منهاجهم، فالصياح ليس دليلا علي الحق ولا العلم، وإذا كنا نقول إن مصادر التشريع هي القرآن والسُنّة بصفة أصلية، فإننا يجب أن نلتزم بما ورد بالقرآن أولا ثم ما فسرته السُنّة بما يتواءم مع القرآن ثانيا، لكن أن نُقدِّم فقه الرواية من الحديث علي فقه الآية فذلك نهج قد يودي بنا لنكون من المعطلين لحقائق ودلالات كتاب الله، ونكون قد تناقضنا وانقلبنا رأسا علي عقب مع أولوياتنا التي نعتقد بها.
فالحديث النبوي الصحيح لا يقرر قواعد مخالفة لكتاب الله، ومن يتبع حديثا نبويا مخالفا ثم يرتب عليه مقامات يظن بها أنه أهل التقوي وأهل المغفرة إنما ينطبق عليه قول ربنا تبارك وتعالي بسورة البقرة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) «11» (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) «12» فالنبي الأعظم كان خُلُقُهُ القرآن، ولم يكن يخالفه، كما أن وحي السُنّة لم يكن ليخالف وحي القرآن أبدا.
ولابد لنا لننهج نهجا محددا بذاته بأمر ما، أن نجمع كل ما تناولته الآيات عن الشأن الواحد، لا أن نختطف المنهج من آية ونترك باقي الآيات، فلربما تناقضنا مع القرآن بذلك الأسلوب بينما القرآن غير متناقض، فنكون سببا أن يسُب الناس كتاب الله، فقد قال تعالي: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) الأنعام «108» ولا أعني بذلك أتباع المسيح إنما أتناول عموم الأمر، فلست بقائل علي المسيحيين بمصر أنهم يدعون من دون الله أبدا.
ولقد تأثرت أفكار المجتمع وعقائده بالمسلَّمات الفقهية القديمة، لذا لا نعجب أن نجد آلاف وقد تكون ملايين التراشقات بين أهل الإسلام وأهل النصرانية وغيرهما، خاصة بين أولئك الذين يعيشون في الوطن الواحد، لكن الحقيقة التي لم يقف عليها أصحاب التراشقات والبغضاء أنهم يمثِّلون الجهل بدين الله، غير أنهم يتصوَّرون في أنفسهم أنهم روَّاد الانتماء للدين والمستمسكون به والمدافعون عنه.
ولقد رأيت أهل السياسة يخوضون الغمار لفض ذلك الشِّجار بشعارات، هدفها إخراج النَّاس من بعض قديم مذاهبهم الفقهية الخربة، إلي الفكر الاجتماعي والوطني، مثل شعارات «الوحدة الوطنية عنصري الأمة وغير ذلك»، وهم بالطبع يعنون أهل الإسلام وأهل النصرانية، وغالبا ما يتم حماية تلك الشعارات بسلطان الشرطة، لكن آذان الشعب لا تطرب لتلك الشعارات الوطنية قدر ما تطرب لدعاة ينتسبون إلي الدين بغير فهم.
ورأيت فقهاء الطرفين في بلدي، وقد بدا عليهم الرِّضا بحلول شعارات ومصطلحات الحكومة لفض الشجار بعيدا عن مكامن الديانة والعقائد، ففي عقائد كل فريق كُفْر الفريق الآخر وخروجه عن الملَّة، وذلك بفضل الفقه القديم الذي لم يكن يُعني بالتفاصيل قدر ارتمائه في أودية العواطف الجياشة تجاه فهم خاطئ لمرامي الرسالة التي يؤمن بها، مع جنوحه إلي الغلِّ تجاه الآخر.
وبصفتي مسلمًا أملك من أدوات الفقه الإسلامي ما أملك، وأري به ما يمكنني أن أعرض علي القارئ المسلم والمسيحي الأوامر التي أوردها القرآن لتكوين العلاقة في مجتمع متجانس يحمل الإسلام والنصرانية معا في سلام علي أرض واحدة، وليقيني أن علاج الأمر خارج الأُطُر الشرعية بشعارات اجتماعية ووطنية قد يحمل في طياته عداءً دفينًا تجاه تعاليم أصحاب كل رسالة دون حق أو علم حقيقي بحقيقة الدين، سواء أكان إسلاميا أو نصرانيا، كما أنها علاجات وقتية موضعية لا تلبث أن تزول بمضي الوقت، ثم تعود فتطفو تلك الشطحات الفقهية لكل فريق علي السطح مرة أخري.
فلا شك أن الرسالات السماوية لم تترك الأمر لاجتهادات ضالة وعقائد زائفة وزائغة بالعواطف عن صحيح تعاليم الرُّسل، ولقد رأيت أن الإسلام والمسيحية يتفقان إلي حد بعيد في سلمية العلاقة ونعومة النظرة لكل فريق، وإلا فما فائدة المحبة التي جاء بها المسيح «عليه السلام» وما جدوي الرحمة التي أتي بها محمد «صلي الله عليه وسلم».
إننا لم نسمع أن رسول الإسلام «رسول الله صلي الله عليه وسلم» أحرق كنيسة لنصاري نجران، ولم نسمع عن ظلم أوقعه الخلفاء الراشدون أو أحدهم علي أهل الكتاب، كما لم نسمع عن تعاليم يهودية أو نصرانية بالكتب المقدسة تُحبِّذ اضطهاد أهل الإسلام، لكننا نري من لم يرتشفوا من صحيح الدين يتراشقون بلا هوادة بالكلمات واللكمات حتي وصلنا للحرق والهدم وغير ذلك. وإنه مهما كان التفسير الكنسي الحالي ورأيه بالأمر، ومهما كان الفكر الإسلامي الحالي ورأيه، فإن آراء النَّاس والقساوسة والمشايخ ليست بحُجّة أمام الدساتير المقدَّسة، لذلك فلابد من وقوف فرسان أهل الفقه في كل رسالة في وجه الزحف الفقهي القديم الذي أرسي دعائم العداء بلا دلائل أو براهين شرعية، ولنتفق جميعا علي أن الله محبة شعار فقهي واجب النفاذ للمسلمين والمسيحيين علي السواء.
هل لا يوجد بالعالم حاليا أهل كتاب
من بين المعتقدات الغوغائية عن دين الله أنك تري فريقا من الناس يقولون بعدم وجود أهل كتاب في عصرنا، إنما كلهم أهل كفر لكونهم سمعوا برسالة محمد ولم يؤمنوا بها، ولكونهم قاموا بتحريف كُتُبُهم المُنَزَّلة علي أنبيائهم، وهو مذهب إقصائي نرجسي، وهؤلاء يؤمنون أيضا بأحاديث رواها الإمام مسلم في صحيحه (باب قبول توبة القاتل وإن كَثُر قتله) تزعم بأن رسول الله «صلي الله عليه وسلم» قال بالحديث رقم (2767) «إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلي كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك من النار»، فيضع الله ذنوب المسلم علي عاتق اليهودي والنصراني.
أرأيتم كيف يكون الكذب علي الله ورسوله تحت مصطلح (حديث صحيح)؟، ألم يقل الله عز وجل: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً) «النساء123» فكل أصحاب السيئات يجازيهم الله بالسوء سواء أكان مسلما أم كتابيا، وليست هناك محاباة للمسلمين علي حساب اليهود والنصاري رغم أنف صحيح مسلم.
وإذا كان هناك من يعتقد بأنه مُجرّد أن بعث الله لسيدنا محمد فإن جميع أهل الكتاب أصبحوا كفارا، فإنه يكون قد خالف النداء القرآني الذي يتلوه قارئ القرآن اليوم، حيث يقول تعالي: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا علي الله إلا الحق) «النساء 171» (قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق» «المائدة 77».
والآيات التي تُكَذّب هذا الاتجاه التكفيري كثيرة، لكن نكتفي بالمثال السابق، فيا تري أيتكلم الله مع أهل الماضي من الموتي ساكني القبور من اليهود والنصاري؟، وإذا كان يكلمهم وهم موتي فلماذا ينصحهم بأن يقولوا الحق علي الله؛ أسيخرجون من القبور ليستعيدوا إيمانهم المفقود؟!، لهذا فأصحاب هذا الفكر خارج السياق الفكري المعتبر، وألا يري القارئ بأن المسلمين يقولون علي الله غير الحق حين يؤمنون بحديث الإمام مسلم في صحيحه.
أهل الكتاب فئات متباينة
يُعَلِّمُنا الله في كتابه بألا نأخذ العاطل مع الباطل، كما علمنا أن بعض الظنون آثام، وعلَّمنا بأن من أهل الكتاب أُناساً صالحين، فقال تعالي: (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) «113» (يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) «114» (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) «115» فهل يتصور أصحاب نظرية كفر كل أهل الكتاب بعدم وجود تلك الفئة التي تصلي ليلا وتتلو كتاب الله؛ أيُكذِّبون كتاب الله؟، وسواء أكانت تلك التلاوة للإنجيل أو القرآن ، فإن ذلك الأمر يتم حاليا وقد مدحه الله في كتابه، لكنك ستجد أهل الجدال الذين يريدون تعطيل أحكام كتاب الله لصالح مروياتهم يقولون هذه آية منسوخة، وتلك مقررة، وأخري مُعطلة، وهكذا نخرج من الإيمان إلي الفسق.
ويقول تعالي: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) «آل عمران199» فهل من يتناولهم الله بذلك الصلاح هم من الموتي حتي نفهم منطق الذين يقولون بأن الذين يعيشون بيننا حاليا كفار، أما أهل الكتاب فقد ماتوا زمن سيدنا محمد وما قبله؟، إن الآية تقرر بأنهم يؤمنون بما أنزل إلينا، ومع هذا فهُم أهل كتاب يعني لم يدخلوا في دين سيدنا محمد ويتوعدهم الله بالأجر نظرا لتقواهم. فهل نُكذِّب أيضا بتلك الآية ونخرجها من دلالاتها لصالح دين ذمَّهُ الله اسمه «هذا ما ألفينا عليه آباءنا»؟.
بين الكفار وأهل الكتاب في القرآن
ومما يلفت نظر الذي يتدبر القرآن أن الله جعل أحكاما خاصة لأهل الكتاب غير أحكام الكافرين، فقال تعالي محددا شكل تعامل المسلم مع الكافر: (يَا أَيُّهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) «التوبة73» بينما يقول تعالي عن أهل الكتاب: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) «العنكبوت 46» ألا تدل تلكم الآيتين علي تمايز أهل الكتاب، ألا تدل الآية الأخيرة علي وجود المؤمنين وأهل الكتاب جنبا إلي جنب في زماننا هذا، حين يقول الله تعالي (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
ومن بين الأحكام، أحكام الطعام، يقول تعالي: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ) «المائدة5» ألا يدل ذلك علي أن طعام أهل الكتاب من أطايب الطعام كما تذكر الآية؟؛ بينما ينهانا الله عن طعام الكافرين؛ بل لقد نهانا رسول الله حتي عن استعمال آنيتهم [عن أبي ثعلبة الخشني «رضي الله عنه» أنه سأل النبي «صلي الله عليه وسلم» عن الأكل في أواني المشركين، فقال له النبي «صلي الله عليه وسلم» لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيه).
ومن ناحية النكاح فقد نهانا الله أن نتزوج المشركات فقال تعالي: (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْركِاتِ حَتَّي يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّي يُؤْمِنُواْ) «البقرة221» وقال تعالي: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) «الممتحنة10» بينما صرح الله لنا أن نتزوج من الكتابيات، فقال تعالي: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) «المائدة5».
وتلك الآيات تدل علي أن أهل الكتاب ليسوا بكافرين ولا مشركين شرك عقيدة عمدي، فلقد جمع الله بين المشركة بآية سورة البقرة والكافرة بآية سورة الممتحنة، وحرّم الزواج من أيهما، بينما أحل لنا الزواج من الكتابية بآية سورة المائدة، ألا يصيب ذلك التباين من قناعة الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من المشركين والكافرين، وإذا كان الأمر أن المرأة مجرد وعاء لكان أحل الله لنا أي امرأة مشركة أو كافرة.
ولقد قال تعالي عن أهل الكفر (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) «الأنفال8» بينما قال عن أهل الكتاب: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَي وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) «البقرة62» - ويقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَي مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) «المائدة69».
تعاليم القرآن في الحكم علي إيمان أهل الكتاب
علمنا أن الذين أوتوا الكتاب ينقسمون إلي شرائح بالنسبة لمعتقداتهم، كذلك ينقسمون في أعمالهم إلي شرائح، وهذه وتلك قد توردهم مورد الكفر، لكنها قد توردهم مورد الإيمان أيضا، فليس معني قوله تعالي: (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) «آل عمران110» إنهم أهل كفر، ذلك لأن القرآن لم يحكم بالكفر عليهم جميعا إنما قال: (مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ)، فرغم كونهم أهل كتاب هم مؤمنون، لكنه قال عن بعضهم: (وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)، فأين الكفر المزعوم الذي يُعممه البعض؟؟!!.
كما أن عبارة (وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)، لا تجعل من القرآن مترصدًا لأهل الكتاب فقط، فقد قال الله إن أكثر النَّاس جميعا غير مؤمنين، (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) «يوسف103» - وأنه حتي من الذين آمنوا منهم فإن أكثرهم مشركون، (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) «يوسف106» - وقال بأن أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) «الأنعام116» - وكلها أمور واقعة في حقيقة دنيانا، لذلك فالقرآن لم يصم أكثر أهل الكتاب بالفسق دون باقي النَّاس، بل إن هذا هو منهج كل النَّاس في الوصف القرآني عن حقيقة دونية دنيا النَّاس، حتي وإن كانوا مسلمين ومؤمنين برسول الله محمد «صلي الله عليه وسلم».
هيمنة رسالة محمد «صلي الله عليه وسلم» وكتابه لا تعني كفر الآخرين ومن ضمن تصوّرات بعض المتعاملين بالقرآن بكفر كل أهل الكتاب، ما جاء بالقرآن من آيات في قوله تعالي بشأن الكتاب: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَي الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) «المائدة48» - وقوله تعالي بشأن محمد «صلي الله عليه وسلم» (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَي ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشاهدينَ) «آل عمران81».
فلقد تصوَّر هؤلاء أنه مادام القرآن مهيمنا علي ما قبله من الكُتُب السماوية، وحيث أخذ الله العهد علي الأنبياء بالإيمان بمحمد، فلابد بمنطقهم أن يكون كل من لم يؤمن بمحمد كافرا، وهو منطق أرسي دعائم العداء بلا سند، وأنهك الوعظ الإلهي بوجوب مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن فقط، وهو منطق انتقائي ومنهج مغلوط يؤمن ببعض الكتاب ويهمل البعض الآخر.
لكن من يرتوي بالموضوعية سيقف علي المرمي القرآني لقوله تعالي: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) «الإسراء9» - فكلمة (يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ) تعني أن هناك من هم علي قيمة، ولكن القرآن أقوم، خاصة إذا ما انتبهنا لقوله تعالي: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) (مِن قَبْلُ هُدًي لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ) «آل عمران3» - فالقرآن لم يُلغِ ما قبله من الشرائع والرسالات وهو ما سيأتي بيانه لكنه مصدق لها، وأصبح مهيمنا عليها في وجودها، وكل الرسالات مناط هداية للبشرية.
فالإيمان برسالة محمد ضرورة، أملاها الله لكونها الأخْيَرة لملاءمتها للعصور والخلائق التي تلت الرسالات السابقة، (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) «آل عمران110» - لكن ليس لأن ما قبلها من الرسالات ممجوج أو تم إلغاؤه، فالأخْيَر لا تعني إلا وجود الخير، ومخالفة رسالة محمد مع الاعتصام بإحدي رسالات الله الأخري لا تجعل أولئك المعتصمين كفارًا كُفْرَ عقيدة، وسبب ذلك أنهم يتصوَّرون أنهم علي هداية، حيث يقول تعالي: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَي تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) «البقرة135» - بل إن اعتصامهم برسالة نبيهم وخوفهم من الإيمان برسالة محمد يكمن في أنهم يرجون الجنة، ويخافون النار، وذلك من قوله تعالي: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَي تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) «البقرة111» - فتدبر رحمك الله قولهم لتجد أنهم يبتغون رضوان الله والثواب وحسن آخرتهم، فكيف يمكن أن ننعت أمثال هؤلاء بأنهم كفار، بل إن الآية مع قليل من التدبر تُبَيِّن أنهم سيدخلون الجنة، وسيدخل معهم آخرون، ولن تكون الجنة لهم فقط كما يتصوّرون، وما اعتصامهم بدينهم إلا لأنهم لم تصلهم رسالة محمد إلا علي موائد القتل والفظاظة علي يد أمثال بن لادن والظواهري وغيرهما وهو ما سيأتي تفصيله عن مسئولية المسلمين تجاه الدعوة الإسلامية.
كما أن الذين ينعتون منهم المسلمين بأنهم كُفارً هم أحفاد من ساهموا بالحروب الصليبية، وهم الذين نهبوا حديثا ثروات البلاد بلا مسوغ، ومنهم من حوكم أمام محكمة الجزاء الدولية لارتكابه جرائم حرب ضد الإنسانية في البوسنة والهرسك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.