خدعوك فقالوا إن الرأسمالية تنتج فقراء أكثر مما تنتج أغنياء! والحقيقة تستطيع أن تراها فى الصين والهند، على سبيل المثال لا الحصر. عام 1978 قام دينج زياوبينج ببدء تحرير اقتصاد الصين. الآن الاقتصاد الصينى أصبح الثانى بعد الولاياتالمتحدة. تسبب نمو الطبقات الوسطى فى الصين والهند، ومن ثم نمو طلبهم الجديد على سلع وخدمات الطبقة الوسطى إلى أزمات عالمية فى الغذاء والطاقة! لا يجادل أحد بأن الاقتصاد الحر يقضى تماما على الفقر. ولكنه يفعل ما عجزت عنه الأنظمة البديلة كلها: يعيد تعريف الفقر بحيث يتمتع المواطن الذى يعتبر فقيرا بمستوى معيشى يقارب أو يفوق أحيانا ما يتمتع به المنتمى إلى الطبقة الوسطى فى اقتصاد اشتراكى أو شمولى. يصبح الفقر عندئذ مسؤولية الفرد وليس مسؤولية الظروف. خدعوك فقالوا إن الدولة الرأسمالية فاسدة وضعيفة! والحقيقة هى أن الفساد يحدث عندما تسيطر الدولة على الاقتصاد! انظر إلى جميع حوادث الفساد التى تسمع عنها تجد المشترك الوحيد بينها جميعا هو وجود أحد مسؤولى الدولة أو موظفيها. الدولة التى تتداخل فى إنتاج رغيف الخبز، وتوفير البنزين، وصناعة السكر والزيت والمكرونة، والأجهزة الكهربائية والسلع المعمرة، بل والسينما والثقافة، فإن هناك نتيجتين حتميتين: الفساد ينتشر، ولا يعود لديها وقت أو موارد للقيام بمهامها الأساسية. الأمن مثلا ليس وظيفة سهلة كما يحلو للبعض أن يتصور. يحتاج إلى موارد بشرية ذات تدريب راقٍ ومعقد. يحتاج إلى أنظمة كمبيوتر وتحليل معلومات باهظة الثمن. يحتاج إلى موارد مالية ضخمة للإنفاق على بنيته البشرية والمادية. الجيوش الحديثة مثلا. تحتاج إلى إمكانيات ومعرفة علمية وتكنولوجية متقدمة وأموال كثيرة للتحديث المستمر وتصنيع/ شراء الأسلحة وتطوير مستوى البشر المعرفى والمعيشى. التخطيط للمدن، الطرق والنقل وما أصعبهما، البنية الأساسية كما تشاهدها فى العالم «المتقدم» بكل تفصيلاتها وتعقيداتها، برامج الضمان الاجتماعى المحسوبة بدقة بحيث تعين المواطنين على تجاوز فترات ركود الاقتصاد دون أن يستكينوا لكسل مَن تعيله الدولة بشكل غير مشروط. كل هذه الأشياء التى تحلم بها فى دولتك، ولا تشاهدها أو تسمع عنها إلا فى دول «العالم الآخر» وراءها فى الأساس دولة متفرغة لمهام الدولة. تحصّل الضرائب من اقتصاد قوى بعدل وشفافية، وتنفقها فى الأوجه الصحيحة التى تكفل استدامة النمو وتوفير الحقوق للمواطنين وإنتاج علاقة «سياسية» وليست أبوية بين المواطن والدولة. خدعوك فقالوا إن الاقتصاد الحر يعنى التبعية للغرب الرأسمالى وضياع حلم الاستقلال! والحقيقة لا تحتاج مجددا إلى أكثر من أن تنظر بنفسك حول العالم. حدثنى عن تبعية اليابان للغرب؟ حدثنى عن تبعية الصين ذات أكبر احتياطى نقدى فى العالم وأكبر حجم واردات لأمريكا وأوروبا للغرب؟ حدثنى عن تبعية أى دولة تنتج منتجات تنافس عالميا وتقيم العدل فى مجتمعها وتشيِّد جيشا حديثا قويا واستقرارا داخليا للغرب؟ التبعية من نصيب العاجزين عن الإنتاج، المتاجرين بالشعارات، الذين يبيعون ويشترون فى معاناة فقرائهم، المصرين على إعادة اختراع العجلة، والمستمسكين بالتجارب الفاشلة كأنها العروة الوثقى! خدعوك فقالوا شعرًا عن دولة الرفاه والطريق الثالث ونموج دول إسكندنافيا! والحقيقة أن كل هذا يغفل النقطة الأهم: هل التوزيع يسبق التراكم أم العكس؟ هل تستطيع توزيع شىء هو ليس موجودا بالفعل؟ أم أن البداية تكون فى تحقيق التراكم، الثروة، النمو الاقتصادى المستدام، البنية المعرفية والمادية، ثم توزع منها كيفما شئت؟ هل يمكن مقارنة دول لا تتعدى حجم محافظة مصرية صغيرة، وغالبية سكانها ذوو إنتاجية مرتفعة للغاية بدولة مكتظة بالسكان وإنتاجية كل منهم دقائق معدودة فى اليوم؟ الحلول المثالية السهلة جميلة ولا شك، والعالم المخملى الذى لا يشقى فيه أحد هو حلم البشرية منذ الأزل. ولكن مع الأسف لا يوجد منه فى الواقع. خدعوك فقالوا إن مصر دولة رأسمالية! والحقيقة أن هذا موضوع يحتاج إلى مقال منفصل قد يكون المقال المقبل! سيخدعونك ويقولون إن هذه مقالات فى تمجيد الرأسمالية! والحقيقة أن هذه محاولة للنظر إلى الأمور بطريقة مختلفة عن مسلَّمات الخطاب السياسى/الاقتصادى السائدة وسط ظهرانينا. وأن كاتب هذه السطور يعى تماما عيوب النظام الرأسمالى ولا يدعى أنه النموذج المثالى الكامل بأى حال من الأحوال! ولكن بما أننا لا نتحدث لعقود سوى عن العيوب، فربما يكون ملائما التذكير بالميزات التى لا يعرفها أو يذكرها أحد! وأعد الجميع أنه فى حالة ظهور نظام اقتصادى أفضل من اقتصاد السوق المفتوحة سأكون أول المنادين بالتغيير إليه. فالواقع هو الحكم النهائى على الأفكار والنظريات وليس العكس! وإلى أن يحدث هذا ستظل الحقيقة أنه لا مستقبل تحت الشمس لأمة يسيطر الإسلام السياسى على خيالها السياسى ويسيطر اليسار الكلاسيكى على خيالها الاقتصادى.