رحلات الغردقة- الأقصر تتصدر المشهد.. انتعاش كبير لرحلات اليوم الواحد إلى المناطق السياحية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مناطق فلسطينية في الضفة.. ويداهم منازل ومواقع أثرية    السيسي: لا سلام أو استقرار في المنطقة دون منح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة    مصطفى محمد يشارك في تعادل نانت مع رين في الدوري الفرنسي    زمالك 2009 يهزم المقاولون العرب بهدف نظيف في بطولة الجمهورية    التحقيق مع تشكيل عصابي بتهمة النصب علي تاجر بمصر القديمة    وصول وزير الثقافة وأحمد السقا في ختام الدورة 15 من مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي    مواقيت الصلاة اليوم السبت 20سبتمبر2025 في المنيا    التشكيل الرسمي لقمة مان يونايتد ضد تشيلسي في الدوري الإنجليزي    وزير العمل: مستعدون لتوفير عمالة ماهرة ومدربة لسوق العمل المهني على أعلى مستوى    وزير الري يتفقد الموقف التنفيذي ل"مشروع تنمية جنوب الوادي" في أسوان    بحضور وزير الرياضة.. ختام استثنائي لبطولة CIB المفتوحة للإسكواش الماسية بفوز مصطفى عسل وهانيا الحمامي    نقابة "العلوم الصحية" تنظم حلقة نقاشية مع الخريجين والطلاب    الإثنين.. بدء تسكين الطالبات بالمدينة الجامعية للطالبات بجامعة الأزهر بأسيوط.    محمد لطفي يطمئن جمهوره: "أنا زي الفل وما نشر عن حالتي الصحية كذب    نورا عبد الرحمن تكشف كواليس مشاركتها في «ما تراه ليس كما يبدو»    الأمم المتحدة: لا دولة قادرة وحدها على مواجهة أزمتي الإرهاب والمناخ    رحيل الفنان التشكيلى مجدي قناوي عن عمر 82 عامًا .. وفاروق حسني ينعيه    اليابان تقرر تأجيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مؤتمر "حل الدولتين" بنيويورك    الإفتاء تعلن أول أيام شهر ربيع الآخر لعام 1447 هجريا غدا بعد صلاة المغرب    رئيس الجالية المصرية بجدة: زيارة وزير الخارجية إلى المملكة تعكس متانة العلاقات التاريخية    المخرج أكرم فريد يقدم ورشة مجانية للمواهب الشابة ضمن مهرجان بورسعيد السينمائي    فستان جريء.. كيف نسقت نيكول سابا إطلالتها في أحدث ظهور؟    تجديد حبس البلوجر محمد عبد العاطي 45 يوما لنشره فيديوهات خادشة للحياء    الأقصر تستعد لتنفيذ تجربة «صقر 162» لمجابهة الأزمات والكوارث    غياب عربي عن القائمة.. تعرف على أكثر الدول طلبًا لتذاكر كأس العالم 2026    محمود محيي الدين: يجب أن يسير تطوير البنية التحتية التقليدية والرقمية جنبًا إلى جنب    «الصحة» تبحث التعاون مع مستشفى رينجي الصينية بمجالات التكنولوجيا الطبية    "بحضور لبيب والإدارة".. 24 صور ترصد افتتاح حديقة نادي الزمالك الجديدة    9 كليات بنسبة 100%.. تنسيق شهادة قطر مسار علمي 2025    لتحسين البنية التحتية.. محافظ القليوبية يتابع الانتهاء من أعمال رصف الطرق بمدن المحافظة    حملات موسعة لإزالة الإشغالات واستعادة المظهر الحضاري بشوارع الزقازيق    سؤال برلماني لوزير التعليم بشأن تطبيق نظام البكالوريا.. ويؤكد: أولادنا ليسوا فئران تجارب    فيديو قديم يُثير الجدل بالشرقية.. الأمن يكشف كذب ادعاء مشاجرة بين سيدتين    بطلق ناري في الظهر.. الأمن يكثف جهوده لكشف لغز مقتل خمسيني بطما    المجلس التنفيذي لمحافظة أسوان يوافق على تخصيص أراض لإقامة مشروعات خدمية وشبابية وتعليمية    ترامب: نجري محادثات لاستعادة قاعدة بغرام بأفغانستان.. وإعادة تأسيس وجود عسكري أمريكي صغير هناك    القسام تنشر صورة "وداعية" للأسرى الإسرائيليين    «الكازار» تعتزم إطلاق مشروعات جديدة بمجال الطاقة المتجددة في مصر    محافظ الأقصر يكرم عمال النظافة: "أنتم أبطال زيارة ملك إسبانيا" (صور)    تحت شعار «عهد علينا حب الوطن».. بدء العام الدراسي الجديد بالمعاهد الأزهرية    أكاديمية الشرطة تنظم دورة لإعداد المدربين في فحص الوثائق    الدوري الإنجليزي.. محمد قدوس يقود تشكيل توتنهام ضد برايتون    مؤتمر فليك: سنحضر حفل الكرة الذهبية من باب الاحترام.. ويامال سيتوج بها يوما ما    موعد صلاة العصر.. ودعاء عند ختم الصلاة    بالصور.. تكريم 15 حافظًا للقرآن الكريم بالبعيرات في الأقصر    إحالة رمضان صبحي للمحاكمة الجنائية بتهمة التزوير داخل إحدى لجان الامتحانات    وزير الصحة: توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الطبية    المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل تستهدف 12 مليون مواطن    وزير الصحة يبحث مع مسئولي هواوي التعاون في التكنولوجيا الطبية    طريقة عمل العيش الشامي في البيت، توفير وصحة وطعم مميز    الرئيس السوري: اتفاق مع إسرائيل بوساطة أمريكية قد يوقع خلال أيام    القومي للمرأة ينظم لقاء حول "دور المرأة في حفظ السلام وتعزيز ثقافة التسامح"    «مفرقش معايا كلام الناس»| كارول سماحة ترد على انتقادات عملها بعد أيام من وفاة زوجها    مدير مدرسة بكفر الشيخ يوزع أقلام رصاص وعصائر على تلاميذ الصف الأول الابتدائي    كسوف الشمس 2025 في السماء.. تفاصيل موعد البداية والنهاية ووقت الذروة (الساعة)    «الداخلية»: ضبط 3 متهمين بالنصب على صاحب محل بانتحال صفة بالقاهرة    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاشتراكيون الثوريون بين الحقيقة الفكرية وتهمة إثارة الفوضى
نشر في المشهد يوم 29 - 12 - 2011

علاقة الاشتراكيين الثوريين بالكفر والإلحاد وعدائهم للسلطة والرأسماليين وموقفهم من الفقراء
تداول الشعب المصري في الآونة الأخيرة مصطلحا واسم فصيل سياسي، تم توجيه اتهام شبه رسمي له بأنه المثير الأساسي لحالة الفوضى في مصر، وفقاً للفيديو الذي تم عرضه في المؤتمر الصحفي الذي قاده اللواء عادل عمارة عضو المجلس العسكري، ألا وهو " الاشتراكية الثورية" أو فصيل " الاشتراكيون الثوريون".
كان السؤال الكبير الذي طرحه رجل الشارع المصري هو: من هؤلاء؟ ولأن الاشتراكية مرتبطة في ذهن البسطاء من غالبية الشعب بالكفر والإلحاد، تم التحيز فوراً ضدهم وصدقت الغالبية كل الكلام الذي تم عرضه في القنوات الحكومية والسلفية وحتى جريدة "الحرية والعدالة" التابعة لحزب الإخوان المسلمين، والذي خلط بين جميع الأفكار والمصطلحات المتناقضة، حيث إن الإشتراكيين الثوريين هم الأناركيون الذين يدعون إلى الفوضى والذين يتلقون تمويلهم من المخابرات الأمريكية ال " سي آي إيه"..... أرجو من الفاهمين أن يتوقفوا عن الضحك ويدعوني أحاول في جمل بسيطة تقديم معلومات أبسط عن الاشتراكية في مجملها، ليعرف حقيقتها على الأقل من يعرف القراءة والكتابة ولديه وصلة إنترنت.
الاشتراكية وعبد الناصر
دائماً ما يخلط الناس بين كلمة "يسار" أو " اشتراكية"، وبين الحكم الناصري أو الحكم في دولة الاتحاد السوفيتي المنهارة ودول أوروبا الشرقية، وما يترتب على ذلك من صور قمع الحريات وديكتاتورية الحاكم وتحجيم حرية التملك وإقامة المشروعات وسياسات الحزب الواحد وقمع الحريات الدينية والتي تصل حتى إلى إلغاء الدين نفسه وإغلاق دور العبادة.. لكن الاشتراكية في حقيقتها لا علاقة لها بكل ما سبق من صور سوداوية قميئة، حيث كانت تطبيقات تزعم تبنيها للفكر الاشتراكي، في حين أنها تأخذ واجهة غير حقيقية وظالمة أيضاً للفكرة في أساسها، بدليل أن عبد الناصر – مع احترامي للناصريين - كما حبس وعذب الإخوان المسلمين قام بنفس الشىء مع الاشتراكيين أو اليسار كما اعتدنا أن نسميهم.
وبالنسبة للاشتراكية الثورية، تلك الدول لم تكن اشتراكية إلا في الاسم ولكنها كانت في الواقع شكلاً من أشكال رأسمالية الدولة، بمعنى تحريم الملكية على الأفراد واحتكار الدولة لها وهذا لا يختلف في جوهره عن الحكم الرأسمالي الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية أو بعض دول أوروبا، كما أنه مختلف أيضاً عن مبادئ الثورة الروسية التي هزت العالم في 1917، فقد تم قلب المبادئ الاشتراكية رأساً على عقب خلال ثلاثينيات القرن الماضي حين تم تصفية الثورة وتحولت الحرية إلي الاستبداد والمساواة إلي شعار فارغ وحكم الجماهير إلي حكم أقلية في قمة الحزب والدولة.
نفس الشىء ينطبق علي فترة حكم عبد الناصر في مصر، فهناك تناقض كبير بين الشعارات حول التحرر الوطني والتنمية المستقلة وبين سيطرة مجموعة صغيرة من الضباط علي السلطة والثروة.. لكننا لا نستطيع أن ننكر أن هذه الفترة شهدت إصلاحات اجتماعية كثيرة، لكنها لم تكن جذرية أو أصيلة، كما جاء حكم الرئيس أنور السادات لينقلب عليها ويحول مصر إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي والسوق الحرة والخصخصة التي أكملها المخلوع حسني مبارك من بعده، فتمت مصادرة أي محاولة لإصلاح مسار التطبيق الناصري لفكرة الاشتراكية.. كما أن سياسة التأميم التي اتبعها عبد الناصر في الستينات لم تنقل الملكية من كبار رجال الأعمال إلي الشعب، بل نقلتها إلي إدارة وسيطرة الضباط أو " الجيش" الذي شكل دولة جديدة تحتكر وتسيطر على كل شيء. كما أن الحديث عن الحرية في ظل امتلاء المعتقلات بالمناضلين، سواء من الإخوان أو من الاشتراكيين هو افتراء على كلمة حرية بمعناها الحقيقي الذي ننشده، وكل هذه التناقضات كانت بالتأكيد سبباً في انهيار التجربة الناصرية مع مأساة الهزيمة في نكسة 1967.
الاشتراكية والإلحاد
العصا السحرية التي استخدمتها الأنظمة على تعاقبها في مصر منذ ثورة 1952 وحتى الآن ضد الفكر الاشتراكي والاشتراكيون أو اليسار يمكننا أن نسميها " إلحاد" أو " كفر"، ذلك الاتهام الجاهز، الذي تستخدمه حكومات بلادنا لتشويه الاشتراكية في عين الشعب حتى تنفره منها، ولكن الواقع هو أنه لا توجد أي علاقة بين الإلحاد والاشتراكية، حيث إن فكرة الاشتراكية الثورية، تهتم فقط بمصالح الفقراء من العمال والفلاحين ومعركة الاشتراكيين الثوريين في الأساس ضد الرأسمالية والاستعمار، أي ضد أصحاب الأملاك الذين يظلمون العمال والفلاحين ولا يعطوهم حقوقهم كي يعيشوا حياة كريمة، وضد تدخلات دول الغرب وأمريكا في شئون بلادنا الداخلية أو التحكم في إدارة بلدنا وعلاقتها بالدول الأخرى، لكنها لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالدين ولا تناقشه أو تتدخل في أموره، لأنها في الأساس نظرية سياسية اقتصادية فقط، تدافع عن حقوق العمال والفلاحين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، ملتزمين دينياً أو غير ملتزمين، ولا تتدخل أبداً في المسائل الدينية وعلاقة الناس بربهم، وتؤمن بأنه بإمكان السلفي مثلاً أن يكون اشتراكي لأن السلفية طريقة من الطرق الإسلامية والاشتراكية طريقة من الطرق السياسية والاقتصادية.
ومن الأمثلة المهمة على أن الاشتراكيين الثوريين ساندوا ودعموا كل محاولات مقاومة الاستعمار والظلم، بغض النظر عن الدين، موقفهم من حرب التحرير في فيتنام وأفغانستان بعد ذلك ضد الاستعمار الأمريكي، لكنهم يناضلون ضد اضطهاد الشعوب باسم الدين مثل النظام الحاكم في السعودية أو باكستان أو السودان، فقضيتهم الأساسية ليست حول تدخل الدين في الدولة أو الحركة السياسية، ولكن حول المضمون الطبقي لتلك الدولة أو الحركة وعن أي مصالح طبقية تدافع عنها، هل مصالح العمال والفلاحين والفقراء بشكل عام، أم مصالح أصحاب المال والسلطة؟ وبالتأكيد تدافع الاشتراكية الثورية عن الحرية الكاملة في العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، لذلك فهي تناضل ضد كراهية الإسلام واضطهاد المسلمين في أوروبا، كما تناضل من أجل المساواة الكاملة بين المسيحيين والمسلمين في مصر.

الرأسمالية والاستغلال
يعمل المدافعون عن الفكر الرأسمالي دائماً، على إلقاء اللوم على الفقراء بأنهم هم المتسببون في فقرهم وشقائهم، فتجدهم مثلاً يفسرون ذلك بزيادة الإنجاب وارتفاع معدلات نمو السكان، مما يؤدي للقضاء على أي محاولات للتنمية في البلد. وهذا من وجهة نظر الاشتراكية خديعة كبرى، لأنه بالرغم من أن موارد مصر والعالم كله محدودة، فإن التقدم التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم الرأسمالي قد وصل إلى درجة تسمح بتحقيق معدلات نمو اقتصادي تزيد كثيراً عن معدلات النمو السكاني، فإذا فرضنا أن معدل النمو السكاني قد وصل لدينا إلى رقم فلكي هو 3% سنويا، (في الحقيقة معدل النمو السكاني في مصر لم يزد في عام 2005 عن 1.78%)، فإنه إذا تم تحقيق معدل نمو اقتصادي 10% في السنة، وهو معدل تحققه الصين الآن وكانت تحقق أعلى منه في سنوات سابقة، فإن استيعاب الزيادة السكانية وتلبية احتياجات البشر في المأكل والملبس والمسكن، بل تحقيق فائض، يصبح أمراً ممكناً للغاية.
هناك أيضاً تفسير ثاني يروجه الحكام ورجال الأعمال الكبار في العالم، وهو أن الفقراء مسئولون عن فقرهم بسبب كسلهم وعدم رغبتهم في العمل. أما هذا التفسير فهو في الحقيقة أكثر وقاحة من سابقه؛ فكيف يمكن أن نصف بالكسل الطلاب الذين يتركون دراستهم من أجل العمل لمساعدة أسرهم في تحمل أعباء المعيشة، وكيف نصف عمال المصانع الفقراء بالكسل في حين يعمل أغلبهم لمدة 10 أو 12 ساعة في اليوم الواحد. وعلى الجانب الآخر، كيف يمكن أن نصف رجال الأعمال وأبنائهم بالنشاط، في حين أن كل المجهود الذي يبذلونه هو ملء خزائنهم بالأموال وإنفاقها في الرحلات والسهرات وسبل الرفاهية والمتعة المختلفة!.
أما الاشتراكية الثورية فترى أن كل الفظائع لا يتسبب فيها العمال ولا الفقراء، بل أنهم ضحايا الرأسمالية القائمة على النهب والاستغلال، فالنظام الرأسمالي يقوم عامة على قاعدة أساسية، هي أن الدافع وراء النشاط الاقتصادي هو تحقيق الأرباح وتكديسها في خزائن وبنوك الرأسماليين وليس تلبية الاحتياجات الأساسية للبشر. وبما أن المحرك الأساسي للنظام الرأسمالي هو تحقيق الأرباح ومراكمة رأس المال، لذا فالرأسماليون يتسابقون في السوق على تخفيض تكاليف الإنتاج بالجور على حقوق العمال لديهم، وبالتالي فإن ثروة الرأسماليين مصدرها جهد وعرق العمال.
الأمر كله لا يتوقف على درجة "إحسان وطيبة" رجال الأعمال الرأسماليين على العمال الذين يعملون لديهم، لكن بوضع هؤلاء الرأسماليين في المنافسة مع بعضهم محلياً، وعلى المستوى العالمي أيضاً. فإذا عمل أحد الرأسماليين على زيادة أجور عماله أو تحسين الظروف التي يعملون وفقها، لن يجد لديه ما يكفي من الأرباح التي تسمح له بتوسيع استثماراته ومراكمة المزيد من رأس المال لينافس به نظرائه. وإن لم يفعل ذلك سوف يسقط في هذه المنافسة ويلتهمه منافسيه في السوق، كما أن الرأسمالي يستثمر وينتج لأنه يتوقع أرباحاً، وليس لأنه يريد "إسعاد البشرية". ومن ثم لا تكترث الرأسمالية في مصر، على سبيل المثال، ب7 ملايين مواطن يسكنون المقابر وعشش الصفيح، في حين أن المستثمرين الكبار في قطاع العقارات يتكالبون على بناء القرى السياحية والفيلات والقصور والعمارات الفخمة التي تتكلف المليارات بدلاً من بناء مساكن شعبية تأوي هؤلاء.
وفي سياق المنافسة التي لا تنتهي بين الرأسماليين، تتولد الأزمات الاقتصادية التي تنتج عن تكالبهم على الاستثمار في القطاعات الاقتصادية التي ترتفع فيها معدلات الربح، بغض النظر عن مصالح المجتمع الذي يعيشون فيه. تماماً كما ضربنا المثل بالاستثمار في قطاع العقارات. لكن ذلك يؤدي إلى زيادة العرض عن الطلب في مثل تلك القطاعات بشكل كبير، ومن ثم تكدس البضاعة في الأسواق دون أن تجد من يشتريها نتيجة تدني الأجور، ثم إفلاس الرأسماليين وانهيار الاقتصاد بأكمله. وهذا بالضبط ما نطلق عليه "فوضى السوق" حينما تتحكم مصالح حفنة من الأغنياء في توجيه ثروة المجتمع وموارده وقراراته الاقتصادية. وصحيح أنه في كل وحدة إنتاجية (مصنع أو شركة) توجد درجة عالية من التنظيم والتنسيق بين أقسام الإنتاج المختلفة. ففي شركة تويوتا لإنتاج السيارات مثلاً، يوجد تنسيق وتكامل عالي المستوى بين قسم إنتاج الإطارات وقسم إنتاج الهياكل، إلخ، لكن في الوقت نفسه ليست هناك أدنى درجة من التنسيق بين شركة تويوتا وشركة فورد أو بي إم دابليو مثلاً . وهذا ما يؤدي إلى تراكم مئات الآلاف من السيارات المنتجة في السوق دون أن تجد من يشتريها، فيتوقف الإنتاج وتُغلق المصانع ويتم تسريح العمال. وهذه هي الفوضى التي تؤدي بالنظام الرأسمالي العالمي إلى أزمات دورية من فيض الإنتاج ثم الركود والإفلاس. لكن مصر تعد من البلدان المتأخرة اقتصادياً، أي التي لم تصل بعد إلى مستوى تطور اقتصادي تستطيع معه أن تدخل حلبة المنافسة في السوق العالمية. وهذا ما يضاعف المشكلة. فالمشكلة لدينا ليست في الأزمات الدورية والركود الاقتصادي فقط، بل أيضاً في الانخفاض المزمن لمستوى الاقتصاد. هذا بالضبط ما يدفع السلطة والرأسماليين في مصر إلى اتباع سياسات اقتصادية أكثر توحشاً، حيث خصخصة المصانع ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، ورفع الدعم على السلع والخدمات، ومضاعفة معدلات الاستغلال. وكل ذلك من أجل تحقيق أكبر قدر من تراكم رأس المال للوصول إلى الأسواق العالمية. وهذا ما يفسر العلاقة الوثيقة التي جمعت بين الديكتاتور مبارك بكبار رجال الأعمال في مصر. فهو الذي سن لهم القوانين التي سهلت لهم النهب والاستغلال، وفي عهده تم توجيه دعماً هائلاً إليهم في نقل البضائع وفي قيمة الضرائب على الأرباح وقيمة الجمارك على نقل المعدات والآلات من الخارج، إلخ. لذا فقد كان مبارك هو الممثل الأفضل لمصالح الرأسماليين في مصر الذي كان يخدم تطلعاتهم في تضخيم أرباحهم واندماجهم في السوق العالمية. ولكن مع سقوط مبارك أصبح الذعر سائداً في صفوفهم حيث يشعرون بقلق بالغ حول مستقبل السلطة في مصر؛ هل ستعمل في خدمة مصالحهم كما كان يفعل مبارك أم لا؟!. أما إذا استقرت السلطة بين يدي من يحافظ على مصالح الرأسمالية المصرية، فستتحول تلك السلطة سريعاً إلى نظام مبارك آخر بنفس جوهر الاستغلال والاستبداد لكن بوجوه جديدة. وهذا بالضبط ما نطلق عليه "إصلاح الرأسمالية"، حيث يتم استبدال نظام ديكتاتوري يقف إلى جانب رجال الأعمال ضد مصالح الفقراء، بنظام أكثر ديمقراطية (أو أقل ديكتاتورية) يقف إلى جانب نفس رجال الأعمال، وقد يمنح الفقراء بعض الفتات من الثروة الاجتماعية التي ينتجونها بأنفسهم، لكن دون القضاء على أسس الاستغلال التي تقوم عليها الرأسمالية.. والتغيير الجذري لمشكلات المجتمع لا يكمن بالتأكيد في إصلاح الرأسمالية، لكن في القضاء عليها بالثورة الاجتماعية وبناء المجتمع الجديد.
الطبقة العاملة هي القائدة
مما سبق يمكن لأي ممعن للنظر سبب الاتهام العلني والصريح الذي وجهه المجلس العسكري في مؤتمره الصحفي إلى الاشتراكيين الثوريين متهماً إياه بسذاجه أنه يدعم الفوضى في مصر، وللأسف ساعدته قوى سياسية مثل الإخوان والسلفيين من خلال وسائل الإعلام التي يملكوها. الاشتراكيون الثوريون يخرجون إلى الشارع ويدعمون الاحتجاجات العمالية والمظاهرات المضادة لسلطات القمع في مصر ممثلة في الشرطة المدنية والعسكرية حتى الآن، لأنهم يؤمنون بأن يجب تحقيق التغيير الجذري في مصر. لا شك أن الثورة هي عيد للفقراء والمقهورين، لكن من بين كل المضطهدين في عالمنا المعاصر، توجد طبقة واحدة لديها القدرة على قيادة معسكر المظلومين إلى النصر وهي الطبقة العاملة.
هناك عاملان رئيسيان يجعلان من الطبقة العاملة قوة اجتماعية قادرة على قيادة الثورة الاجتماعية إلى النصر. الأول هو عملها المباشر على وسائل الإنتاج في المجتمع الرأسمالي - الآلات في المصانع و الفلاح في أرضه الزراعية منتجاً الطعام- مما يمنحها قوة اقتصادية هائلة حيث تتحكم بشكل مباشر في عجلة الإنتاج وتستطيع إيقافها (من خلال الإضراب عن العمل) وتهديد أرباح رجال الأعمال إذا أرادت تغيير مسار الأمور. ولقد استطاعت الطبقة العاملة، من خلال استخدام سلاح الإضراب، أن تنتزع الكثير من الحقوق وأن تفرضها أمراً واقعاً على طبقة رجال الأعمال والسلطة التي تمثلها في مصر. فمنذ إضراب المحلة في ديسمبر 2006، انطلقت الحركة العمالية في موجة احتجاجية عملاقة انتزعوا خلالها ليس فقط بعض الحقوق الاقتصادية، لكن أيضاً حق الإضراب عن العمل والحق في التنظيم النقابي المستقل، كمطالب ديمقراطية مباشرة. وفي الأيام الثلاثة الأخيرة قبل سقوط مبارك، دخل مئات الآلاف من العمال في إضرابات ضخمة شلت قطاعات إنتاجية استراتيجية، وهددت الإنتاج الرأسمالي وسددت الضربة القاضية التي أسقطت مبارك. العامل الثاني في قيادية دور الطبقة العاملة في الثورة الاجتماعية يكمن في طبيعة عملية الإنتاج التي يندمج فيها العمال؛ فهم بطبيعة هذه العملية يشكلون الطبقة الأكثر تنظيماً ووحدة في المجتمع الرأسمالي الحديث، حيث يعملون بالآلاف –وعشرات الآلاف أحياناً- في مصانع ومؤسسات إنتاج ضخمة يتم فيها تقسيم العمل فيما بينهم بشكل منظم ودقيق، ويتعرضون خلالها للاستغلال الرأسمالي بشكل مباشر، ما يجعل لهم ظروف معيشية متقاربة وبالتالي مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة.
ولا تضم الطبقة العاملة عمال الصناعة فقط، بل تشمل كل العاملين بأجر والخاضعين لاستغلال وسلطة رأس المال، وهكذا فإن الموظفين وعمال الخدمات والمهنيين من أطباء ومهندسين ومحاسبين، إلخ، هم أيضاً في عداد الطبقة العاملة. وفي جميع الثورات في العالم الرأسمالي المعاصر، لعبت الطبقة العاملة أدواراً جوهرية فيها وحققت انتصارات هامة، وكادت في الكثير من الثورات أن تطيح بالرأسمالية بشكل كامل وأن تبني مجتمعاً جديداً لا يحكمه الرأسماليون أو ممثلوهم، بل مجتمعاً يقرر فيه الكادحون من خلال مجالسهم القاعدية والمنتخبة تقرير مصيرهم وصياغة مستقبلهم. هذا المجتمع يعطي أولوية الإنتاج لا لأرباح الرأسماليين وشركاتهم الكبرى، بل للاحتياجات الجماهيرية المباشرة. ومن أجل تحقيق ذلك، فإن الطبقة العاملة تحتاج وحدة سياسية كي تطرح مطالبها ومصالحها الطبقية وتخترق طريقها نحو بناء المجتمع الجديد.
الثورة ليست نزهة إلى التحرير
إن الاشتراكيين الثوريين يؤمنون بأن الثورة ليست نزهة ولا تنتهي بين يوم وليلة، فهي تبدأ بانتفاضة ضخمة وتكتمل بصراع بين الجماهير من ناحية، وبين الطبقة الحاكمة القديمة التي تقدم التنازلات، لكنها تحاول بإصرار من أجل البقاء والاستمرار والحفاظ على أكبر قدر من امتيازاتها. وإذا عقدنا مقارنة بسيطة بين الطبقة الحاكمة والطبقة العاملة، سنجد بسهولة أن ما يميز الطبقة الحاكمة هو أنها موحدة ومنظمة بدقة شديدة، فجهاز الدولة يمثل عقلاً وجهازاً رفيع المستوى يقوم من خلاله الحكام ورجال الأعمال الكبار بإدارة شئونهم. فالطبقة الحاكمة لديها قوات أمن تدافع عنها وإعلام يتحدث بإسمها علاوة على سيطرتها على رأس المال وتحكمها في توجيه الاقتصاد. أما الانتفاضة العفوية للجماهير فهي تستطيع أن تحقق قدر كبير من المكتسبات، مثلما حدث في مصر حينما استطاعت الانتفاضة إسقاط الديكتاتور مبارك. لكن إسقاط الديكتاتور لا يعني أن النظام القائم قد سقط. وصحيح أن الانتفاضة العفوية تستطيع أن تهز أركان النظام، لكنها لا تستطيع أن تطيح به بشكل كامل. الثورة الاجتماعية هي التي تستطيع فعل ذلك، والانتفاضة ليست إلا بداية لعملية طويلة من الثورة تناضل فيها الجماهير من أجل استكمال الثورة، بينما تعيد الطبقة الحاكمة ترتيب أوراقها من أجل الحفاظ على البقاء. وخلال العملية الثورية تستطيع الطبقة الحاكمة أن تتغلب على قدر عملاق من النضالات العمالية والجماهيرية، طالما أن تلك النضالات ليست موحدة ولا منظمة سواء من حيث درجة الوعي أو الحركة. لذا فالثورة تحتاج إلى عقل وإلى ذاكرة وإلى جهاز تنظيمي يوحد نضالات الجماهير المختلفة في حركة واحدة تضرب ضربتها لنظام وسلطة رجال الأعمال التي تتحكم في كل شيء.

تمت الاستعانة بمركز الدراسات الاشتراكية – مقدمة في الاشتراكية الثورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.