سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 2 مايو 2024    جامعة السويس وجهاز السويس الجديدة يوقعان بروتوكول تعاون لتبادل المعلومات والاستفادة من الخبرات    البيت الأبيض: موسكو استخدمت أسلحة كيماوية ضد القوات الأوكرانية    تعرف علي تعديل مواعيد الجولة الأخيرة بدوري المحترفين    تزامنا مع احتفالات عيد القيامة، البابا تواضروس يترأس قداس خميس العهد    بالأسماء، وزير الداخلية يأذن ل 21 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    رئيس الوزراء يبحث مع شركات كوريا الجنوبية سبل تعزيز استثماراتها في مصر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    «الأهلي للصرافة» تجذب حصيلة 6.9 مليار جنيه خلال شهر أبريل    «بحر البقر».. أكبر محطة بالعالم لمعالجة الصرف الزراعى بسيناء    شيخ الأزهر ينعي الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    جيش الاحتلال يقصف مسجد القسام في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    غضب الله.. البحر الميت يبتلع عشرات المستوطنين أثناء احتفالهم على الشاطئ (فيديو)    الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني وتدمير 12 طائرة مسيرة كانت تستهدف مناطق في العمق الروسي    رئيس الوزراء يُهنئ البابا تواضروس الثاني بعيد القيامة المجيد    تفاصيل جلسة جوميز مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة البنك الأهلي    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع خادم دياو بديل معلول    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    حالة الطقس اليوم الخميس.. أجواء معتدلة على أغلب الأنحاء    تفاصيل مصرع سيدة ونجاة زوجها في حريق شقة بحلوان    تحرير 11 محضرًا تموينيًا لأصحاب المحال التجارية والمخابز المخالفة ببلطيم    العثور على جثتي أب ونجله في ظروف غامضة بقنا    مصرع طالب صدمته سيارة مسرعه أثناء عودته من الامتحان ببورسعيد    أخصائية تربية تقدم روشتة لتقويم سلوك الطفل (فيديو)    الفنان ياسر ماهر ينعى المخرج عصام الشماع: كان أستاذي وابني الموهوب    هل توجد لعنة الفراعنة داخل مقابر المصريين القدماء؟.. عالم أثري يفجر مفاجأة    تامر حسني يدعم بسمة بوسيل قبل طرح أغنيتها الأولى: كل النجاح ليكِ يا رب    بعد أزمة أسترازينيكا.. مجدي بدران ل«أهل مصر»: اللقاحات أنقذت العالم.. وكل دواء له مضاعفات    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال أبريل 2024    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    أوستن وجالانت يناقشان صفقة تبادل الأسرى والرهائن وجهود المساعدات الإنسانية ورفح    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالفيديو.. يوم في حياة سائق نقل.. أبو نورا: «ما أتمناش ولادي يشتغلوها»
نشر في التحرير يوم 23 - 12 - 2015

200 جنيه معاش لا يكفي «فيزيتا» كشف دكتور.. وإلغاء المقطورات «هايخرب بيوت ناس كتير»

"ربنا يستر طريقك، ويكتب لك في كل خطوة سلامة".. دعوات بسيطة تخرج من قلب زوجة عم جمال عبدالعال، سائق النقل الثقيل لتصحبه في رحلته الطويلة عبر الطريق الزراعي والصحراوي الذي يقطعه كل يوم من قريته الصغيرة الهادئة في إحدى محافظات الوجه البحري، ليقطع مئات الكيلومترات جالسًا على كرسي القيادة لأكثر من 12 ساعة يوميًا، بحثًا عن "لقمة العيش" بين جبال ومحاجر دهشور وجرزة والعياط في أقصى نواحي الصعيد.
بين أمل ورجاء في رزق الله ينفض عم جمال عنه غطاء النوم عند مطلع كل فجر يأذن بميلاد يوم جديد، ليستهل صباحه الوليد بالتقرب إلى ربه وأداء صلاته في وقتها، ليغدو إلى عمله ككتاب ديني مقدس يعكف على تلاوة وترتيل ورده اليومي دون انقطاع في تلك الساعة الفاصلة بين خيطين أحدهما أبيض والآخر أسود ينجلي بشروق الشمس عند ساعة البكور، التي صار الزحام عليها في خبر كان.
حينذاك يرتدي جلباب الخروج "الفلاحي" ويضع حول عنقه "تلفيعة" خفيفة تقيه من لسعات البرد الصباحية القارصة وينتظر اتصالًا هاتفيًّا من السائق الآخر الشاب "زميله في الشيفت المناوب"، ليلحق ببركة البكور في توزيع الأرزاق حتى ينال من نفحاته، فيخطو حثيثًا نحو سيارته "النقل الثقيل" التي تبعد خطوات معدودات عن بيته وتوجد بأحد مصانع الطوب الطفلى القريبة، ويتسلم من زميله وردية الصباح بعد "تعتيق" السيارة وتفريغها من حمولتها الليلية في ساحة المصنع الواسعة، ليبدأ رحلته الطويلة على الطريق، بحثًا عن الرزق في بطن الجبل البعيد.
بابتسامة وجهه المشرق، وتفاريح صوته الملازمة لمحدثيه، و"طولة" باله التي انتزعها من بين أنياب العقدين ونصف التي قطعهما سيرًا على الطريق عبر إحدى سيارات النقل الثقيل من إجمالي العقود الخمسة التي عاشها طوال حياته، استقبلنا عم جمال عبد العال بيديه الصغيرتين اللتين اخشوشنتا من أثر تشققات وعلامات الزمن عند شروق الشمس بعد اتفاق مسبق معه قبل منتصف الليل، للخروج برفقته من أجل قضاء يوم كامل في حياة سائق نقل ثقيل.
وقع الاختيار على عم جمال لسببين، أحدهما نتيجة خبرته الطويلة في المهنة ومعرفته بما خفي من دروبها ومطباتها وأكمنتها وطرقها الوعرة عن أقرانه القدامى من شيوخ السائقين والمبتدئين على حد سواء، والثاني يتمثل في شدة تفانيه وإخلاصه وحبه لها وخوفه عليها من الدخلاء المتهورين المدمنين، ممن أساؤوا إليها وساقوا أصحابها إلى السجون والمحاكم، وسعيه لنقل تلك الخبرات المتراكمة إلى جيل جديد ناشئ يحمل لواء القيادة بحب وعطاء دون تسرع أو رعونة ونقص الخبرة الكافية في التعامل مع أعطال السيارة على الطريق، والتي تقوده في النهاية نحو طريق مسدود ذى اتجاه واحد لا رجعة فيه.. طريق النهاية.
مصانع الطوب.. البداية من هنا
منذ أكثر من 25 عامًا كانت مصانع الطوب المهنة الوحيدة الثابتة المتاحة أمام أبناء جيله في القرى التابعة لمدينته زفتى بمحافظة الغربية، كبرى المحافظات المصرية التي تحوي أكثر من 60% من سائقي النقل الثقيل على مستوى الجمهورية، حينذاك تنقل عم جمال الذي يُكنى ب"أبو نورا" بين دروبها الشاقة وأعمالها المتعبة، بداية من عامل صغير باليومية كان يتولى وأقرانه العاملون مهام الخلاطات والماكينات الكهربائية التي لم تكن عرفت طريقها إلى المصانع بعد في خلط وتقليب وتقطيع الطوب الطفلي، قبل أن يترقى بعد ذلك إلى سائق متمرّس على عربة "كارو" صغيرة يجرها حمار، أو ما يطلقون عليه في الأرياف لقب "عربجي" تتلخص مهمته اليومية خلال وردية العمل في نقل الطوب الأخضر إلى الأفران، وصولًا إلى شيال مرافق لأحد مشايخ النقل الثقيل من السائقين القدامى "المخضرمين" ومنهم من "شرب الصنعة" وبدأ يخطو في طريق القيادة بخطى ثابتة متقنة.
7 سنوات شيال الهموم
مع كل سائق سيارة نقل ثقيل لا بد له من شيّال مرافق له يصاحبه كظله لا يتقدمه، بل دائمًا ما يكون تابعًا له حتى في كرسي القيادة حيث توجد غرفته وراء السائق، والتى تحتوي على كل مستلزماته على الطريق، بطانية وأسطوانة غاز وبراد شاي وسكر ومعدات ميكانيكية للصيانة بجوار ذراع الغيارات في شنطة السيارة.
تتلخص مهام الشيال في متابعة نظافة السيارة وغسلها بين حين وآخر، والتأمين على عجلاتها "الكاوتش" ومتابعة مهام فصل المقطورة عن العربة الأمامية خلال عملية التعتيق، ويأتي حينًا بالطعام والشراب، وفي كثير من الأحيان يتولى عملية "تعتيق" الحمولة وحده من بطن محاجر الجبل حتى يلتقط سائقها أنفاسه ويأخذ "rest" على أحد المقاهي القريبة من المحجر قبل رحلة العودة من جديد.
وعن هؤلاء سجل سيد درويش رائعة بديع خيري "الشيالين" التي استلهم فيها روحهم واستهلها بذلك المقطع البديع: "شد الحزام على وسطك غيره ما يفيدك، لا بد عن يوم برضه يعدلها سيدك، وإن كان شيل الحمول على ضهرك بيكيدك، أهون عليك يا حر من مَدّة إيدك."

أبو نورا والشيال
"قعدت شغال شيال حوالي 7/ 8 سنين، وفي الوقت ده طلعت رخصة درجة تالتة واشتغلت شيال بعد ما خلصت الجيش في التسعينات وأنا معايا رخصة أولى، لأن السواقين والعربيات كانت قليلة وماحدش كان بيحب يشتغلها واللي يتعلم الشغلانة دي في يوم وليلة عمره ما هايبقى سواق".. هكذا يمتطي "أبو نورا" آلة الزمن السحرية ليعود بذاكرته إلى الوراء ما يزيد على ربع القرن يتذكر خلالها بدايات دخوله عالم سائقي النقل الثقيل، وذكرياته مع مشايخهم المخلصين في عملهم قبل أن يقطع الطريق على ذاكرته في لحظة وقوف متكرر في وضح النهار، ليقف أمام حالهم اليوم ويقارن مستطردًا: النهارده في مليون عربية نقل و2 مليون سواق ومعظمهم رُخص تانية، ومستعجل على السواقة عشان الفلوس بتاعتها وهو ده اللي كتّر الحوادث على الطرق".
لكل صنعة ومهنة مريدون وأحباب قلما يدخلونها ويخرجون منها بمحض إرادتهم، بعد أن اختلطت بدمائهم واستوطنت عقولهم، أو حسبما يردد عم جمال "اللي بيشتغل سواق صعب إنه يسيبها، أو يشتغل في شغلانة تانية، المهنة دي لو مش حاببها مش هاشتغلها ولا هاسلك فيها، لكن عمري ما أتمنى إن حد من ولادي يشتغلها، لأنها مقرفة ومفيش طريق في مصر يتمشي عليه".
وفي محاولة لتوضيح أسباب ذلك، أضاف: "من كتر الحوادث اللي شفناها على الطرق وأصحابها بيتعرضوا لإعاقات وإصابات تقعدهم في بيتهم شهر ولّا شهرين، وبيبقى خلاص انتهى ومش بيلاقي حد يصرف عليه وبعضهم حياتهم بتروح في ثانية، الحاجات دي بتذل البني آدم مننا، بنسأل هل في مقابل يعوضك عن كل ده عشان ترمي ضناك هو كمان فيها؟".

الإشارات والكلاكسات.. شفرة سرية
بعد دقائق قليلة من تشغيل سيارته الحمراء الملحق بها مقطورة خلفية ذات عجلات مزدوجة بدأت رحلة السفر الطويلة عبر الطريق الزراعي الملىء بالمطبات والحفر والتشققات على جانبيه بصورة مريعة، أقرب إلى الطرق الجبلية التى تجعل مشقة المرور عليه أشبه بمحاولة انتحار وسير فوق حد السيف، دومًا ما تكون طقوس سيرهم اليومية محفوفة بالمخاطر ورائحة الحوادث تقترب منهم، ولكن خبرته الطويلة وكثرة مروره عليها أكسبته مناعة وحصانة مثلت له طوق النجاة الأخير في العبور بسلام، ومواصلة السير نحو رزق بعيد مدفون في بطن الجبل.
على الطرق السريعة سائق النقل الثقيل هو "الملك"، وكل سائقي الملاكي والميكروباصات المجاورين له جنوده لا أحد يملك رفاهية الهزار معه أو التحرش به، دائمًا هو صاحب الكلمة العليا واللغة الوحيدة التي يتحدث بها إليهم و"يلاغي" بها أحدهم، هي لغة الإشارات "شمال ويمين" والكلاكسات والكشافات السرية المتداولة فيما بينهم، وفي بعض الأحيان يلجأ أحدهم إلى إرسال "شتيمة" غير مباشرة عبر" الكلاكس" من باب الاصطباحة، أو حينما يفيض الكيل بالسائق من أقرانه المارين.
يقول أبو نورا: "نور خفيف كده يعني باصبح عليه، سرينة صغيرة بامسي عليه.. ولما يكون في تصوير أو لجنة وكمين على الطريق أديله نور شديد وسرينة كبيرة وأركن على جنب، أعرفه إن في لبش على الطريق".
استراحة لسائقي النقل على طريق دهشور
ورغم العلاقة المتوترة بين سائقي النقل والميكروباص نتيجة وقوفهم المتكرر في منتصف الطريق من أجل "راكب واحد" يتسبب في الزحام، إلا أن تلك اللغة الشعبية الدارجة بين سائقي النقل الثقيل انتقلت بمرور الوقت إلى سائقي الميكروباص الذين تعلموا بدورهم الإشارات منهم وتعاملوا بها فيما بينهم، حتى صارت سرينة واحدة منهم طوق نجاة لأحدهم، خاصة إذا كان من مدمني المخدرات وأمامه لجنة قريبة على الطريق للتحليل والفحص الطبي السريع عليه، فيسلك طريقًا آخر للهروب من كمين سحب الرخصة والسيارة منه، فضلًا عن احتمالية تعرضه للحبس.
داخل الجبل خلال عملية "التعتيق"
سائقو الملاكي.. فئة ثانية متسرعة يعاني منها أصحاب عربات النقل على الطريق وهؤلاء غالبيتهم يفتقدون الخبرة الكافية في القيادة على عكس سائق الميكروباص، وهو ما يتسبب في وقوع الحوادث والتصادمات بصورة كبيرة.
يقول عم جمال ساخرًا: فيه بهوات بيجيبوا لابنهم أو بنتهم عربية، وتلاقى كل عيل في البيت عنده عربية واشترى له الرخصة بالفلوس، وبيمشي على الطريق مش عارف هو ماشي إزاي ماعندوش أي خبرة، لأنه شاري كل حاجة بالفلوس، المفروض يشتري له الطريق بالفلوس كمان".
المقطورات مش خطر
بين قرارات رسمية متخبطة لم تكتمل ورفض تام من قبل السائقين، يقع أصحاب المقطورات وسيارات النقل الثقيل ضحية ورقة لا تساوي قيمة الحبر التي طُبِعت به، تارة تحت باب إلغاء سيرها نهارًا على الطريق العام نتيجة تسببها في حوادث الطرق، وتارة أخرى تحت مسمى إلغاء المقطورات التي تم تأجيلها أكثر من مرة خلال العامين الماضيين، وعبر ورقة مختومة من وزارة الداخلية من خلال إدارة المرور يتم إعطاء سائق النقل الثقيل تصريحًا مؤقتًا كل شهر للسماح بسير المقطورات عبر الطريق، بعد وقف تجديدها السنوي في انتظار القرار النهائي بالإلغاء من عدمه.

ويتم ذلك بعد تسديد المخالفات وكل المصروفات اللازمة للمرور والضرائب، وانتزاع حق الدولة منهم عند مطلع كل شهر، فضلًا عن الألف جنيه الثابتة كل يوم، والتي يتم تحصيلها من كل سائق نقل ثقيل تخطت حمولته المسموح بها والتي لا تزيد على 60 طنا يمر على الطريق العام بزيادة 30 طنًّا.
يقول عم جمال إنه من رابع المستحيلات أن يتم إلغاء سير المقطورات دون توفير البديل لها، خاصة أن اقتصاد البلد قائم عليها وآلاف الأسر يعتمد دخلهم على وجودها، وهو قرار يرى أنه "قاتل" و"هايخرب بيوت كتيرة" ومدمر لكل هؤلاء، والبديل المطروح لها "التريلا" مرفوض من قبل السائقين لأنها أخطر من المقطورات التي يتم تأمينها على أعلى مستوى من الخلف، عبر الجنازير والوايرات والبنزات التي تجعل احتمالية انفصالها قيد المستحيل.

13 ساعة ذهابا وعودة في مصيدة الزحام
8 غيارات للسيارة يتنقل السائق خلالها على الطريق بين سريع وبطىء، على عكس السيارات الملاكي التي تحتوي على أربعة غيارات فقط للسرعة، وفي حضرة الزحام الشديد يكتفي سائق النقل الثقيل بالأربعة بالبطء، للخروج من عنق المطبات والهروب من التكدس المروري على جانبي الطريق في كل أيام الأسبوع، باستثناء الجمعة ولا أحد يعلم السبب.
في غالبية الأحوال يكون الوقوف المتكرر سببه لجنة أو كمين أو حادث سير وتصادم بين سيارتي ملاكي أو ميكروباص واشتباكات بين بعض السائقين في منتصف الطريق الدائري أو نتيجة حادث تصادم عربات نقل ثقيلة، ومثل هذا النوع الأخير من الحوادث يكون الثمن فيه غاليًا والخسائر أكبر في الأرواح والمركبات، هنا يتذكر "أبو نورا" حادثة مريعة وقعت أمام عينيه على الطريق الدولي الرابط بين "الإسكندرية - دمياط"، وينقلها بأسى يسكن نبرات صوته وتكاد الدمعة تفر من عينيه وهو يحكي، قائلًا: "الحادثة دي عمري ما هانساها أبدًا ولسه مأثرة عليا لحد دلوقتي لعربية "تريلا" طلعت فوق ضهر عربية نقل تانية كبيرة، كانت حاجة من الحاجات الغريبة اللي شفتها زي أفلام الأكشن بتاع السيما، وناس كتير راحت فيها وعندنا سواق في بلدنا حصلت له إعاقة بسببها، ولحد دلوقتي ماشي بعكازين وبطّل سواقة خالص".
بين فلاش باك سريع بذاكرته القوية إلى واقع السائقين في مصر قبل ثلاثة عقود وعودة إلى حالهم اليوم، يتذكر عم جمال تعامل الحكومة معهم على الطريق، أو تقدير الدولة لهم في حالة الإصابات والإعاقات بعد أن أفنوا زهرة شبابهم على أرضها، في النهاية تُلقى إليهم 200 جنيه معاشات لا تكفي ثمن روشتة علاج أو رسوم كشف عند أحد الأطباء، رغم كل ما قدمه للدولة على مدار سنوات عمله في تلك المهنة الشاقة من اشتراكات لنقابة السائقين وتأمينات ومصاريف استخراج رخصة وتجديدها للمرور وكارتة على الطريق وميزان ورسوم للجيش والنقل، وفي نهاية خدمتهم يعاملون مثل الكلب "الأجرب".
"يوماتي على الله لازم أدفع 1000 جنيه ما بين 700 جنيه مصاريف الميزان و250 جنيه إضافية لضابط المرور، على تقرير إثبات حالة بشأن تحديد الحمولات الزائدة للعربية، و50 جنيها كارتة دخول محافظتي الجيزة والقليوبية".. هكذا يلخص "أبو نورا" إجمالي ما يدفعه كل يوم لهيئة الطرق والكباري والمرور على الطرق العامة، وينقل مدى تعنت بعض ضباط المرور معهم في فرض الغرامات والمخالفات الجزافية عليهم وفق أهوائهم، فضلًا عن ميزان آخر للجيش تبلغ قيمة الغرامة فيه 350 جنيها عند كل حمولة زائدة تمر عليه.

تفريغ الحمولة
من الدائري إلى دهشور.. هنا دواليب سماسرة السيارات على الطريق
وعن أبرز أماكن التثبيت على الطريق وأخطرها، يقول عم جمال إن الخوف كله في وردية الليل بداية من الطريق الدائري وصولًا إلى محاجر دهشور التي يغيب عن بؤرهم وأماكن تمركزهم ضباط المرور، الذين لا يعسكرون إلا في أسلم المناطق وأكثرها أمنًا وكثافة سكانية، وهناك يسكن الخوف والإجرام المتمثل في الخروج على سائق النقل بالأسلحة الآلية والحصول على كل ما بحوزته من أموال، فضلًا عن إخراجه من سيارته ونزع لوحاتها المعدنية وتشوينها في الجبل ك"رهينة" عندهم مقابل الحصول على فدية مالية لا تقل عن 100 ألف جنيه في سبيل استرجاعها، وفي حالة الرفض يتم تقطيعها عبر إحدى الورش الداخلية في المناطق المجاورة.

700 جنيه غرامة الحمولة الزائدة
إحصائية: 500 ألف سيارة نقل تتسبب في 40% من حوادث الطرق
في محاولة للحصول على إحصائية حديثة موثقة بعدد سائقي النقل الثقيل والخفيف في مصر من قبل الإدارة العامة للمرور، نفى معهد أبحاث المرور وجود إحصاءات رسمية موثقة بأعدادهم، وآخر إحصائية رسمية صادرة في هذا المجال كانت عن مركز المعلومات، ودعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء التي حصرتهم في نحو 500 ألف سيارة نقل ثقيل تسير في الشارع المصري، من إجمالي 2 مليون و700 ألف سيارة موزعة، كالتالي: 464 ألفًا و531 سيارة و20 ألف جرار، ومنها 46 ألف مقطورة تتولى مهام نقل 92% من بين ربع المليار طن منقولات على شبكة الطرق في مصر.
وعن حوادث الطرق تصدرت مصر قائمة ترتيب الدول العربية والغربية في عدد ضحايا الطرق عالميًّا، وجاءت في مرتبة متأخرة في جودة الطرق بها، حيث احتلت المركز 122 على مستوى العالم في صلاحية طرقها للسير، نتيجة وقوع نحو 63 ألف حادث سير سنوية و13 ألفًا و500 قتيل وإصابة نحو 60 ألفًا كل عام مما يكلف الدولة أكثر من 15 مليار جنيه سنويًّا.
وتأتي سيارات النقل الثقيل والخفيف في صدارة المركبات التي تتسبب في حوادث بنسبة 40%، وتؤثر حمولتها الزائدة على انهيار شبكة الطرق في مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.