لم تتوقف معاناة العمال كما رصدناها في حلقتنا الأولى عند المخاطر الصحية وملاحقة الموت من الآلات البدائية التي تستخدم في المحاجر، إلا أن المعاناة تمتد إلى المخاطر الأمنية التي تهددهم يوميا في طريقهم الذي يبتعد عن المدينة والقرى بأكثر من 20 كيلومتر، "ومن يموت في الجبل ليس له ديّه". فيغيب القانون ويصبح العرف هو البلطجة وفرض الإتاوات مقابل الحماية ويصبح البقاء للأقوى في هذه هي البيئة الصحراوية التي يعيش فيها العمال معرضين للمخاطر، بل والقهر، فلا يستطيع أحد الدخول إلى المحاجر إلا بعد المرور على الأعراب الغفراء حراس المحاجر الجالسين أعلى جبل، يراقبون. حاولو اعتراض دخولنا إلا اننا استطعنا الدخول بمعرفة مستأجر أحد المحاجر، علمنا أن هؤلاء الأعراب يحصلون على إتاوة شهرية من كل محجر وهي حوالي 1200 جنيه، وعدد هذه المحاجر 1000 محجر وفقا للتقديرات الرسمية، أما التقديرات غير الرسمية فتقدر بنحو 1300 محجر، وذلك مقابل العيش بأمان، ومن يرفض دفع هذه الإتاوة يعرض نفسه للاعتداء إما على معدات محجره أو عليه شخصيا ولكي يعيش في أمان عليه الرضوخ لقانونهم. كما تواجه المشكلة الأمنية ايضا غياب الدولة المنوطة بالرقابة من الإدارة التابعة للمحافظة بسبب صعوبة صعود أفراد الأمن او موظفي الحكومة للجبل، بالإضافة لتعرضهم من قبل لحرق سيارتين تابعتين للإدارة اثناء احداث الثورة والانفلات الأمني، فضلا عن التهديد بالسلاح في تحصيل رسوم المرور. كما يعاني سائقو المقطورات وسيارات النقل التي تنقل الطوب من المحاجر إلى منافذ البيع أو المصانع، من الانفلات الأمني بالطرق ليلا ونهارا. فيقول "عادل" سائق مقطورة إنه تعرض لسرقة بالإكراه من أعراب أوقفوه على طريق بجوار بلدة تسمى الشيخ فضل تشتهر بانتشار تجار السلاح والمخدرات، فأوقفه نحو 25 فردا مسلحين برشاشات في مطلع تسير فيه السيارة ببطء، وسرقوا منه عهدة 7 آلاف جنيها ثمن الطوب الذي كان من المقرر أن يشتريه، وسرقوا تليفونه المحمول والكاسيت الخاص بالسيارة، ويأخذون كل ما يمكن سرقته من السيارة. وطالب بضرورة إعادة الأمن على هذا الطريق من المنيا إلى بني سويف، كما كانت الشرطة متواجدة من قبل ليلا نهارا، أما الآن فلا يوجد أي رقابة عليه وتحدث به العديد من الحوادث والجرائم، واختتم كلامه قائلا : "دلوقتي احنا بنخاف نمشي عليه بليل والنهار". فيما يؤكد محمد عرابي رئيس النقابة العامة للعاملين بالمناجم والمحاجر أن هذا القطاع الذي يضم نحو 250 ألف عامل تغيب عنه الحماية الأمنية في كافة المحافظات، ويتعرض لأقسى أنواع الخطورة والإهانة، مشيرا إلى سيطرة العرب والبلطجية على أغلب المناطق بدون قواعد ولا تراخيص، فجميع المحاجر والمناجم تقع في الظهير الصحراوي، ولذلك يتعرض العمال بهذا القطاع إلى الترويع، ويجبرون على السير في طرق المواطنين يخافون من المرور بها، مما يعرضه لكثير من أعمال البلطجة والانفلات الأمني.