يقدم العلماء كل يوم اكتشافات جديدة وعلوم يبحثون عن خفاياها، لكن يظل هناك دائمًا ما يعجزون عن الصمود أمامه أو اكتشافه السلاح المقاوم له، مرض الجدري هو واحد من تلك الأمراض التي لم يكتشف لها علاج إلى الآن. عائلة الجدري ويوجد من الجدري نوعين أحدهما، مميت من الدرجة الأولى ويشوه البدن تمامًا ويسمى الجدري smallpox"، والأخر جدري البقر cowpox وهو النوع المتعارف عليه محليًا وفي مصر. النوع الأول هو الأخطر على العالم، والقادر على الفتك بأكثر من 3 مليار شخص حول العالم في أيام، واستخدم قديمًا كسلاح بيولوجي بالفعل استطاع إبادة دول بأكملها. أول مرة استخدم بها الجدري كسلاح بيولوجي في عام 1763 استعملت القوات البريطانية في أمريكا، فيروس الجدري كسلاح بيولوجي ضد الهنود الحمر فيما عرف بحصار "فورت بيت Siege of Fort Pitt"..، وقبلها استخدمه كورتيز عند احتلال المكسيك. وفي الحرب العالمية الثانية حاولت أمريكا و إنجلترا استخدام الجدري مرة أخرى كسلاح بيولوجي، لكنه لم يفلح في تلك المرة لكثرة عدد المطعمين ضده، أما الغير مطعمين كانوا يأكلون بثور مرضى جدري البقر وكان أشبه بتطعيم قوي أفقد الصلاح فاعليته.
أمريكا وروسيا يسيطران على أخر عينتين من المرض ويرفضان تدميرها أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على الجدري في عام 1980، ولكن الفيروس لا يزال موجودا في مستودعات تسيطر عليها المنظمة في معامل السي دي سي في الولاياتالمتحدة والمعامل الحكومية الروسية، ورفضت الدولتين تدمير أخر عينيتن من المرض، ووفقًا لموقع bmj، يعود سبب احتفاظ الدولتين بالعينات إصرارهم على إجراء المزيد من البحوث الضرورية للأمن العالمي. تدمير أخر عينتين يعني تدمير كامل للجدري القاتل من على الكوكب الجدري كغيره من الفيروسات يحتاج لعائل يتكاثر بداخله ليكمل حياته وهو جسم الإنسان، لكن وجود التطعيم حال بين تكاثر فيروسات الجدري البقري وتسبب في انقراضه شيئًا فشئ. اتجاهات عالمية مطالبة بتدمير العينات كونها سلاح بيولوجي قادر على إبادة دول الإبقاء على العينتين يفتح باب الصدفة واحتمالية انتشار المرض فجاءة دون سابق إنذار، وهو ما سيتسبب في قتل أكثر من 3 مليارات، شخص إبادة جماعية، وتزاد نسبة الخطورة مع تكوير تقنيات الهندسة الوراثية التي تفتح باب أمام مخاطر ضخمة أكثر من الفوائد. وفي عام 1990، وزيرة الخارجية الأمريكية للخدمات الصحية والبشرية، لويس سوليفان، صرحت نيابة عن حكومة الولاياتالمتحدة. أنه "لا يوجد سبب علمي لتدمير الفيرس البري بل يعتبر يجب الاحتفاظ بأخر نسخة منه".
مصر وإسرائيل والسعودية محصنين في حال استخدامه كسلاح بيولوجي التطعيم التقليدي قبل عام 1980 كان من خلال خدش أعلى الذراع أو بمنطقة الفخد، إلى أن توقفت العديد من الدول عن التطعيم حتى بشكله الحالي، إلا أن مصر والسعودية وإسرائيل ما زال أطفالهم يتلقون التطعيم حتى الآن، وهو ما يحضنهم ضد استخدامه ضده في حال قيام حرب بيولوجية. التطعيم لا يمنع الإصابة بجدري البقر التطعيم الذي يتلقاه الأطفال لا يمنع إصابتهم بجدري البقر وهو كما ذكرنا نوع مسالم يبقى قرابة أسبوعين، ثم يشفى منه الطفل، فالتطعيم لايمنع الميكروب من دخول الجسم، لكن يحفز خلاياه المناعية للدفاع في حال أصابه ويعجل بالشفاء. السر وراء اكتشاف أول تطعيم ناجح للمرض استطاع العالم إدوارد جنر، الحصول على لقب "أبو علم المناعة"، في 1774 ميلاديًا من خلال تدوينه لملاحظة هامة قادته لاكتشاف أن جدري البقر، يمكنه أن يكون الطريق للتطعيم ضد الجدري المميت، وفقًا لما نشرته جامعة جوتنبرج. اكتشاف التطعيم وبدأت رحلة اكتشاف التطعيم من ملاحظة أن الحليبات، وهن نسوة وظيفتهن حلب البقرات، وكانت تلك النسوة شبه محصنة من الأصابة بالجدري المميت نتيجة لاصابتهن بنوع جدري البقر، ومع الدراسة والتجربة العملية استطاع جنر تأكيد فكرته. أول إنسان يطعم ضد الجدري في التاريخ استخلص جنر، بعض بثور حلبية تُدعى لوسي نلميس Lucy Nelmes" مصابة بجدري البقر من بقرتها "بلوسوم Blossom، وحقنها لجيمس فيلبس ابن البستاني ذو الثمانية أعوام، وخدش ذراعه و دس في الجرح بعضًا من الصديد الخاص ببثور الحلبية، وبدأ في ملاحظة المرض، وأصيب الطفل بجدري البقر وانتظر حتى شفى، وحقنه بالجدري القاتل، ليكتشف إن الطفل لم يمت بل لم يتأثر بالمرض ليكون أول إنسان يطعم. تدوينات العالم جنر جنر ينفذ التطعيم على نفسه وعائلته أيضًا تبين بعد نشر الأبحاث العلمية لجنر، أنه قام بتنفيذ العلاج على نفسه وعائلته أيضًا ليكون ذلك ردًا على من انتقدوه لتنفيذ التطعيم على ابن البستاني. منح الملوك تساهم في التطوير السريع لتطعيم المرض في عام 1800، وصل اللقاح إسبانيا، بعد عامين فقط نشر جينر دراسته، وبعد ثلاث سنوات فقط، بدأ الملك كارلوس الرابع (واحد من أبنائه قد مات من الجدري) بإعطاء الدراسة اهتمام كبير بجانب تطعيم العامة بمبالغ زهيدة جدًا. كما منحه ملك إنجلترا، 10 آلاف استرليني لتطوير أبحاثه، و بعدها 20 ألف أخرى، لتقارب ميزانية أبحاث جنر تكلفة تجيهز الجيش البريطاني بالكامل في ذلك الوقت.
التطعيم يقضي على الجدري القاتل سنة 1979، أعلنت منظمة الصحة العالمية اختفاء الجدري من الوجود، "واتوقف التطعيم بتاعه خلاص"، ماعدا عينتين منه محفوظتين في معامل السي دي سي في الولاياتالمتحدة، والمعامل الحكومية الروسية للذكرى، قام بشأنهم جدل رهيب، لأنه لو تم تدميرهم، يختفي الجدري فعلا من سطح الكوكب، لكن الحكومات ترى، إن ضرر تدمير الفيروس أخطر بكثير من الاحتفاظ به.