ولد الإمام الليث بن سعد فى عام 94 هجرية بقرية قلقشندة بمحافظة القليوبية. كان عالم الديار المصرية من أشهر العلماء والفقهاء فى زمانه. كان معلم وشيخ الإمام الشافعي، الذى قال فيه: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به (يعنى لم يدونوا ولم يحفظوا أعماله)! ولد الليث لأب واسع الغنى ولكنه لم ينشأ على البذخ والترف. فقد كان شديد الحرص على طلب وتحصيل العلم على أيدى العلماء أينما كانوا وعلى اختلاف آرائهم وفقههم. كان يشد رحاله أينما سمع عن عالم جليل، وحتى بعد أن بلغ الستين، ذهب إلى العراق ليتعلم من فقيه فى العشرين من العمر! نال الليث مكانة عظيمة بين الناس عامةً وأيضا بين الحكام، وما أصعب أن ينال المرء الحُسنَيين! فقد كان له كل يوم أربعة مجالس يجلس فيها، أولها لنائب السلطان، ويجلس لأصحاب الحديث، ويجلس لمسائل الناس فيسألونه، ويجلس لحوائج الناس، لا يسأله أحد فيرده كبرت حاجته أو صغرت! في يوم جاءت امرأة إلى الليث تشتكى أن لها ابنًا مريضًا يشتهي أكل العسل، فقال الليث: يا غلام، أعطها مرطًا من عسل (والمرط: مائة وعشرون رطلاً)، فقال الغلام: إنها تطلب قليلاً من العسل، فقال الليث: إنها طلبت على قَدْرِهَا ونحن نعطيها على قدرنا! وروي أن الليث كان يصل الإمام مالك بالكثير كل عام! يقول أبو صالح: كنا على باب مالك بن أنس، فامتنع علينا. فقلنا: ليس يشبه صاحبنا. فسمع مالك كلامنا فأدخلنا عليه وسأل: من صاحبكم؟ قلنا: الليث بن سعد. رد الإمام مالك، قالئاً "تشبهوني برجل كتبنا إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا وثياب جيراننا، فأنفذ إلينا بحمل ثلاثين بعيرًا فصبغنا به ثيابنا وثياب صبياننا وجيراننا وبعنا الفضلة بألف دينار"! السؤال الآن، لماذا لم ينل مكانته بين الأمة؟! أولاً، الليث كان ممن يمهدون الطريق للوسطية والاجتهاد بالاهتمام بفقه السنة وفقه الرأى معًا، وهذا ما تعلمه الشافعى بعد أن جاء إلى مصر! ولهذا نُهر كثيرًا بسبب مناظراته المستمرة لأهل الحديث، ولكنه يرد دائمًا بقول "تعلموا الحلم قبل العلم"! أما الآن، فشيوخ "الفتة" لا يريدون المناقشة والاختلاف. من أنت حتى تفكر؟! هل ترفض أن تكون خروفًا؟! من أنت حتى لا تطيع العلماء مثل "أبو إسحق وحسان ويعقوب" (ما هى إنجازاتهم العلمية حتى يطلق عليهم علماء)؟! ثانيًا، الليث أفتى بأن "بناء الكنائس من عمارة الأرض وزينتها"، وكثيرًا ما أُخذ بها فى عصور الازدهار والتقدم! إذن، من الطبيعى أن لا يوجد مكان للإمام الليث وفقهه فى عصر الظلمات والتخلف الدينى الذى نحياه! أول ما روى الليث من الحديث كان "إن الله جميل يحب الجمال"، هل علمت لماذا غاب عنا فقهه فى زمن الغلبة فيه لمن "يرهب" وليس لمن "يُقبل ويُرغب"؟! ثالثًا، كيف لإمام أن يزهد فى الحكم والسلطة؟! وكان الليث إذا أنكر من القاضي أمرًا أو من نائب السلطان كتب إلى أمير المؤمنين "هارون الرشيد" فيأتيه العزل. يعنى إن أراد الليث الحكم والسلطة لنالهما، ولكنه ترَّفع عنهما وهذا ما لا يريده "الإسلامويون" الجهلاء! تُوفى الامام الليث عام 175 الهجرى، وبكى الشافعى وهو يقول "لله أنت يا إمام! لقد حزت أربع خصال لم يكملهن عالم: العلم، والعمل، والزهد، والكرم". حياة الليث تحتاج إلى مجلدات خصوصًا خلافه مع الإمام مالك فى كثير من فتاواه وفقهه، التى تحتاج إلى دراسة عميقة ومتخصصة. لكن هذه المقالة مجرد نبذة عن حياته، وأتمنى أن تكون حافزًا لقراءة المزيد عن إمام مصر فى كتاب "أئمة الفقه التسعة" لعبد الرحمن الشرقاوى!