ثارت حالة من الجدل داخل الأروقة الدينية والسياسية والشارع المصري، بسبب سفر البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، إلى القدسالمحتلة؛ للصلاة على الأنبا إبراهام مطران القدس والكرسي الأورشليمي، الذي توفى الأربعاء الماضي، وخاصة أن هذا الفعل يخالف تصريحات البابا التي كان يرفض فيها التطبيع مع العدو الصهيوني، كما يعارض قرار المجمع المقدس، أعلى سلطة في الكنيسة، بمنع زيارة القدس إلا بعد تحريرها من الكيان الصهيوني. ونرصد في هذا التقرير أهم الآراء المؤيدة والمعارضة لزيارة البابا إلى القدس، فكلا منهم ينظر الى الأمر بشكل مختلف ويطرح مبرراته. الكنيسة:«هذا عزاء وليس أكثر» قال القس بولس حليم، الناطق باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، «هذا عزاء وليس أكثر، موقف الكنيسة ثابت لم يتغير وهو عدم دخول القدس إلا مع أخوتنا المصريين جميعًا، والكنيسة لا تضع في حسبانها أي معادلات سياسية، ولذلك كل خطواتها رعوية ووطنية فقط». وأوضح «زيارة البابا للقدس لا تدخل فيها أي حسابات سياسية على الإطلاق، هي زيارة لصلاة جنائزية على الرجل الثاني في المجمع المقدس ولولا وصيته أن يدفن هناك ما كان هناك داعٍ للسفر». المعارضون: الزيارة تطبيع مع إسرائيل وقرار الباب غير حكيم تمنى الكاتب الصحفي، عبد الله السناوي ألا يقدم البابا تواضروس على هذه الزيارة، قائلاً «الزيارة تهدر الإرث الوطني الكبير للبابا الراحل شنودة الثالث، فموقف البابا شنودة كان حاسمًا في رفض السفر لإسرائيل حتى لو سافر شيخ الأزهر، وحتى لو اعترفت الدول العربية كلها بإسرائيل». وتابع السناوي «البابا تواضروس من تلاميذ البابا شنودة، وكان يتوجب ألا يتعرض الأقباط إلى محنةٍ تتعلق بالنسيج الوطني المصري في لحظة يحدث فيها أنَّ عددًا كبيرًا من الأقباط نجحوا على المقاعد الفردية في الانتخابات، وهذه الزيارة ترفع منسوب الاحتقان الطائفي والنيل من مقام الكنيسة الوطنية المصرية». ووصف سليمان شفيق، الباحث في الشأن القبطي إنَّ قرار البابا تواضروس الثاني بالسفر إلى مدينة القدس هو «غير حكيم»، لافتًا إلى أنَّه يضع الأقباط في مرمى نيران الإسلاميين. وأضاف شفيق «اليوم نستطيع القول وداعًا قداسة البابا شنودة، هذا القرار يدل على ابتعاد الحكماء عن المقر البابوي، كان يمكن أن يرسل البابا وفد رفيع المستوى». وعلق الإعلامي تامر أمين على الزيارة، قائلاً«ربما نختلف مع البابا تواضروس، لكن لا ننسى مواقفه الوطنية». وأضاف أمين، خلال برنامج «الحياة اليوم»، عبر فضائية «الحياة»، «من سنة 1968 حتى الآن مفيش باب تولى رأس الكنيسة المصرية أو قيادة كنسية، سافر إلى القدسالمحتلة، بسبب موقف وطني، باعتبار إسرائيل مغتصبة ومحتلة للقدس الشريف وللأراضي الفلسطينية، وتضامنًا مع العالم الإسلامي وقضية المقدسات الإسلامية المحتلة أيضًا في القدس، مرددًا دائمًا بأنهم لن يدخلوا القدس إلى مع أخواتهم المسلمين». وطالب الإعلامي محمود سعد البابا تواضروس بتقديم تفسير ومبرر لزيارته للأراضي المقدسة، مؤكدًا «البابا له مكانه كبيرة لدينا، ونحترمه بشدة، ولكن زيارته لتل أبيب محل تساؤل وتحفظ». وأضاف سعد، خلال برنامجه «آخر النهار»، عبر فضائية «النهار»: «عدم زيارة العرب لإسرائيل عنصر قوة للمفاوض العربي الرسمي المصري، ليس في الزيارة مكسب سياسي إطلاقًا، إحنا مبنروحش إسرائيل، ونعلم أن الأنبا مطران له مواقف نبيلة، وظل سنوات طويلة يواجه الاحتلال السافل، ولا تعليق على البابا كرجل دين، لكن الموقف السياسي يحتم ضرورة سفره عن طريق حدودنا من غزة، وليس من تل أبيب، وهذا الأمر لدينا تحفظ عليه». ودشن النشطاء عبر موقع التدوينات القصيرة «تويتر» أكبر من هاشتاج عارضوا فيه زيارة البابا ومنها، و«الحفلة على تواضروس»، و«القدس تلعن تواضرس»، و«القدس»، و«البابا تواضروس». مؤيدون: الزيارة ليست تطبيعًا ولا داعي للضجة الإعلامية ورفض كمال زاخر، مؤسس التيار العلماني القبطي، اعتبار سفر البابا القدس السفر البابا تطبيعًا مع الاحتلال الإسرائيلي الذي ينهك الأراضي وحقوق الشعب الفلسطيني. وأوضح زاخر «لا علاقة لقرار المنع الصادر سابقًا بهذه الزيارة، القرار صادر بحق الذين ينون السفر للتقديس في القدس من الأقباط المصريين في أسبوع الآلام وعيد القيامة، ولا تمتد آثاره خارج الكنيسة القبطية». وأكد زاخر «لم تعد قضية التطبيع مطروحة، وبخاصةً أنَّ رئيس فلسطين يطالب بدعم الفلسطنيين بدعوته الأقباط لزيارة القدس لمقاومة تهويد المدينة المقدسة». عقب رجل الأعمال، نجيب ساويرس، عبر حسابه الشخصي بموقع التدوينات القصيرة «تويتر»، «زيارة البابا تواضروس واجب ديني للعزاء ليس تأييدًا للسجان، بل تضامنًا مع السجناء من أخواتنا في الضفة الغربيةبفلسطين». وتسأل رئيس حزب الحياة، مايكل منير، «لماذا لم تقم مثل هذه الضجة الإعلامية والهجوم علي الشيخ علي جمعة مفتي الجمهورية آنذاك عندما زار القدس كما قامت الآن علي البابا تواضروس»، متابعًا «لا يوجد داعي لإثارة ضجة بهذا الشكل حول زيارة البابا لتقديم واجب العزاء، من الأساس قرار الحظر هو قرار سياسي، وليس روحي والقدس أرض مقدسة». وبرر الإعلامي ممتاز القط، زيارة البابا تواضروس الثاني، قائلاً «الدول العربية والعالم كله يعترف بدول إسرائيل، وتجمعنا معها علاقات، فلماذا نعاقب من يزور الأماكن المقدسة في القدس؟، زيارتنا لهذه المدينة تؤكد أنها عربية، فهي مدينة الأديان». وأشار القط، إلى أن هذه المدينة يتم تخريبها من قبل اليهود لطمس معالمها الإسلامية والمسيحية، لتصبح يهودية، «فنحن نساعد في محو هويتنا العربية منها»، متسائلاً «لماذا لا ندعو إلى المسلمين والمسيحيين للقيام بزيارات إلى القدس باعتبارها مدينة الأديان». وانتقد الإعلامي أسامة كمال الهجوم البعض على البابا بسبب زيارته، قائلاً «لا يوجد داعي لتأويل الكلام، زيارة البابا إنسانية وليس سياسية كما فعل الرئيس السابق محمد حسني مبارك». في النهاية، سنجد أنفسنا أمام خياران، الأول: السماح للعرب المسلمين والمسيحيين بزيارة القدس، حمايةً الهوية العربية في مدينة الأديان، والحفاظ على المقدسات الدينية التي تسعى إسرائيل إلى تهويدها والقضاء عليها، في ظل قرارات عربية لا تحمي مقدساتنا العربية، ولا تحمي شعب عربي من الاضطهاد. والثاني: التمسك بقرار منع زيارة الشعوب العربية للقدس من منطلق أن ذلك تطبيع مع الكيان الصهيوني الذي تجمعه علاقات واتصالات سياسية مع الأنظمة العربية، ويكون هناك فرصة لهذا الكيان لانتهاك حرمة أدياننا، وطمس الهوية العربية من القدس، فأياً ما كان «نحن أمام خياران نرفضهم، ولكن علينا اختيار الأخف ضررًا منهم».