أصبح وجود الرئيس السوري بشار الأسد على رأس السلطة في دمشق يمثل أحد أهم الخلافات، إن لم يكن أهمها، بين فرقاء المعارضة الداخلية (التي يطلق عليها مع ذلك المعارضة الموالية)، والقوى الإقليمية، وبين المعارضة الخارجية، والقوى الدولية، وبين كل طرف وآخر في هذه المجموعة من الأطراف الأربعة. وربما يجمع كل هذه الأطراف على ضرورة إزاحة الأسد من المشهد السياسي السوري من أجل التخلص من هذا الخلاف الجوهري، ومن أجل إيجاد نقاط تماس لمناقشة موضوعات أخرى، خاصة بعد أن أثبتت لقاءات فيينا أهميتها وفعاليتها، وإمكانية خروجها بمقررات جماعية للبدء في تسوية الأزمة السورية على أرض الواقع. إن وجود الأسد، مهما تم تغيير الأوضاع على الأرض بمساعدة روسيا أو إيران أو كلتيهما، لن يغير من إجماع كل الأطراف تقريبًا على ضرورة إبعاده لتفادي تقسيم سوريا. فهو ونظامه، ورغم كل "الجهود" الروسية والإيرانية، لا يتحكمان في شيء تقريبًا. وإصراره على عدم "الخروج الآمن" يصب الزيت على النار في عدة اتجاهات. الأول: يتعلق بإصرار المعارضة على محاكمته هو وأركان نظامه، أو في أسوأ الأحوال تكرار مصير صدام حسين ومعمر القذافي. الثاني: يتعلق بالتناقضات التي بدأت تظهر بين روسياوإيران بشأن اتساع نفوذ موسكو على حساب نفوذ طهران في دمشق، وظهور تصريحات علنية من مسؤولين إيرانيين ضد سيناريوهات روسية حول الأزمة السورية، من شأنها تحريك إيران تلقائيًّا ووضعها على مسافة معينة ومحسوبة جيدًا من مركز الأزمة. في هذا الصدد تستخدم طهرانوموسكو نفس الآليات باللعب على التناقضات الإقليمية والدولية. بينما تستخدم روسيا قوتها على الأرض في سوريا والتناقضات الإقليمية والدولية وثقلها الدولي قبل الإقليمي، وعلاقاتها مع العديد من أطياف المعارضة واستثمار التناقضات بينها. الثالث: يتعلق بإصرار الغرب على تعزيز التناقضات بين روسياوإيران وتشديد الحصار عل كل منهما، وإشغالهما بالعقوبات وبرفعها وبتجميدها، وتوريطهما في المزيد من الصراعات الإقليمية والدولية. الرابع: يتعلق بعامل الوقت الذي يلعب في صالح كل من روسيا والغرب، ولكن في اتجاهات مختلفة، بينما يلعب دورًا سلبيًّا بالنسبة لنظام الأسد ونفوذ إيران. لقد أعلن وزير المخابرات الإيراني محمود علوي أن تدخل روسيا في سوريا يهدد الأمن الإيراني. ويبدو أن هذا التصريح قد جاء متأخرًا، لأن الحديث جرى عنه حتى قبل تدخل روسيا رسميًّا في سوريا في 30 سبتمبر 2015. وبعد أن أصبح التدخل أمرًا واقعًا، بدأت إيران تشعر بالتهميش على الرغم من إصرار روسيا على دمجها في العديد من الملفات، ولكن فقط عبر القنوات الروسية. وهو التوجه الذي تسعى طهران للتخلص منه دون أن تغضب موسكو. ولكن الأخيرة تتصرف باعتبارها قوة دولية لها مصالحها التي تتجاوز مصالح الأولى. إذ إن مصالح روسيا لا تقتصر فقط على سوريا أو الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، بل تتجاوزها إلى مناطق أخرى في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا وآسيا الوسطى وأوروبا. من جهة أخرى، تسعى طهران ونظام الأسد في دمشق إلى إعطاء انطباع بأن التدخل الروسي في سوريا هو من أجل الحفاظ على نظام الأسد، وعلى الأسد شخصيًّا، مهما أطلقت موسكو من تصريحات في هذا الصدد. وإلى الآن، لا تستطيع دمشقوطهران التعامل بهدوء مع أي تصريح روسي يتعلق بمصير الأسد أو نظامه أو كليهما. بينما تنظر موسكو إلى المشهدين الإقليمي والدولي وتحدد مصالحها على أساس تحولاتهما، وليس على أساس الوجود المبدئي للأسد أو نظامه، أو رضا طهران من عدمه. قبيل انعقاد لقاء فيينا متعدد الأطراف، أكدت وزارة الخارجية الروسية أنه يجب عدم طرح قضية مصير الأسد في المفاوضات، مشيرة إلى أن الشعب السوري وحده صاحب القرار في هذه القضية. واعترفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن عدم التطرق إلى مصير الأسد كان من الخطوات الحكيمة التي أقدم عليها المشاركون في لقاء فيينا السابق، نظرًا لتباين شديد في مواقف الدول المشاركة حيال هذه المسألة، إذ اختاروا بدلاً من ذلك التركيز على المسائل التي يجب أن تشكل أساسًا للتسوية السورية. وذهبت إلى أن روسيا لا تعتبر النظام السوري "نظامًا مثاليًّا" يقوم فقط بخطوات صائبة، وأن موسكو بدورها انتقدت بعض خطوات دمشق، مشيرة في ذات الوقت إلى أن ما يحدث اليوم يظهر أن أي خطوة نحو السلام من قبل الحكومة السورية تلقى مواجهة "القوى التي تسعى إلى توسيع نطاق الفوضى. هذا الاعتراف ليس جديدًا، ولكنه يحمل الكثير من المعاني الآن على خلفية ما يجري في فيينا. بل ويحمل رسائل متناقضة للأسد ولطهران وللدول الغربية، وللأطراف الإقليمية وعلى رأسها تركيا والسعودية. إذ يتضمن كل الاحتمالات الممكنة التي تحقق مصالح روسيا في أي حال من الأحوال، وبوجود الأسد المؤقت أو رحيله. إن النظام السوري، وبشار الأسد شخصيًّا، لا يريدان أن يفهما أبعد من هذه التصريحات، أو ما الذي يكمن خلفها. بل وينزعجان جدًّا من تحركات موسكو في اتجاه المعارضة عمومًا، وفي اتجاه المعارضة المسلحة على وجه الخصوص. كما أنهما لا يريدان أن يفهما أن تعبير "الشعب السوري وحده هو صاحب القرار في تحديد مصير الأسد"، هو تعبير ينطوي على احتمالات كثيرة، أقربها إلى الواقع هو رحيل الأسد في مرحلة ما كضرورة وليس كتنازل من جانبه أو من جانب نظامه. ومع ذلك فالغرب لا يريد أن يمنح روسيا شرف هذا "الدور". إن عامل الوقت الذي تتعامل معه موسكو والغرب بطرق مختلفة، يلعب دورًا مهمًّا وخطيرًا في تحديد مساحات النفوذ لبعض القوى الإقليمية، وعلى رأسها إيران، وفي تحديد مصير الأسد الذي أصبح محل خلاف ونزاع وصدام بين كل الأطراف. وبالتالي، ستحل تلك اللحظة التي يمكن أن يتفق فيها الجميع ضمنًا على أنه أصبح عبئًا عليهم، وعبئًا على سوريا، ومفتاح التسوية السياسية.