«لسه بيعشق طير العصافير»، هو عنوان ديوان العامية الصادر مؤخرا للشاعر مجدى عبد الرحيم عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويعد الديوان السادس للشاعر، فقد صدر له من قبل «حاجة تموِّت من الحزن، مشهد الوداع الأسبوعى، توت حاوى توت، قلبى صُغَيَّر نونو، ويا مطرة رخى رخى». ويبدو الديوان كأنه المكان الأخير لمجموعة شخصيات تمارس اعترافاتها والتجرد من كل شىء، ومن ثم البوح بألمهم الخفى.. الديوان هو المساحة الذى يكشف فيها النبلاء عن صعوبة المعاش، وجبن الآخرين، وتخلى الأصدقاء.. ويمارس هؤلاء الأبطال تسامحهم وسط أجواء لا تمنحهم ذلك كثيرا. فيضطرون للالتقاء بأنفسهم عبر النصوص، ربما للمرة الأخيرة قبل أن يلاقوا مصيرا منتظرا: «قابل نفسه بجد/ سلم على نفسه يد بيد/ خد نفسه فى حضنه/ وعيط/ دابت روحه ف روحه». تبدو الأوجاع المطروحة فى ديوان من شاكلة الأوجاع الإنسانية لأشخاص ينصرف الآخرون عنهم، فلا يصبح الزمن زمنا لهم، ولوصف ذلك يستعمل الشاعر جملا واقعية قد لا تكون شعرية تمامًا، إلا أن التفاصيل الإنسانية الواقعية المذكورة تحدث التأثير الشعرى المطلوب. يرتبط عنوان الديوان بعالم الشخصيات المطروح عبر أكثر من باب، فتحملنا بشدة مفردة العصافير ناحية قيم المحبة والخير، ورغبة شخوص النص فى الاستمرار بمزاولة نبلهم، وتجدد مقاومتهم، رغم أن الأجواء ليست ملائمة. كما تحيلنا مفردة العصافير إلى الميراث الشعبى الذى يربط العصافير بالقرويين الطيبين. وكلمة طير تشير إلى التحليق: «وجناحك بيرفرف بالخير/ والجانى/ حر طليق/ لكن/ مسجون بالخوف/ من بكره/ يوم ما العصفورة/ ح تكبر/ وح تسأل». ويبدو المصير الملائم فى الديوان لتلك الشخصيات النبيلة رغم صعوبة الأجواء هو الخلود فى الوعى الإنسانى، سواء داومت على المقاومة بالبقاء رغم الوحدة، أو لجأ إليها الموت، لأنه لا مصير آخر ينتظرها، فالتحول ومداهنة الواقع والآخرين يمثل بالنسبة لتلك الشخصيات سقوطًا، وبالتالى يحضر الموت بشدة فى النصوص.. وللمفارقة لا يبدو الموت قاتمًا لأنه يعانق شخصيات جميلة، شخصيات تبدو مثل: «بحر مفتوح ع الآخر/ يساع كل العالم»، وعن الموت يقول: «مش قادر تتخيل/ ح تعيش من غيره إزاى/ مع أن الموت../ مش يعنى فراق/ والعمر محطات/ وإنك مش أول../ ولا آخر راكب/ والرحلة مكتوبة عليك». ولا يمكن إغفال تأثر النصوص فى الديوان بالحس الطفولى وحضور تفاصيل إنسانية كثيرة من هذا العالم، نظرا لأن الشاعر مجدى عبد الرحيم يمارس الكتابة الشعرية للطفل أيضا، مما أثر فى كتابته هنا بشكل إيجابى جدا، فيكتب نصًا جميلًا عن طفلة فقدت أباها، وتعيش مع زوج أمها: «إمبارح رحت معاهم/ حديقة الحيوان/ استنيتك عند الفيل/ يمكن تيجى/ زى زمان/ على فكرة الفيل/ كان زعلان/ ومكشر/ ورافض ياخد أكل ف زلومته/ هو الفيل برضه/ باباه مسافر/ وقاعد ويا عمو ومامته». لجأ الشاعر إلى تقنية المشاهد، فقسم نصوصة إلى واحد واثنين وثلاثة.... ليبدو كأن الراوى يقسِّم عالمه إلى هزائم.. مشهد عن حبيبته الخائنة، ومشهد عن الأصدقاء، ومشهد عن الأجواء المحيطة. كما لجأ الشاعر مجدى عبد الرحيم لصياغة جمل تبدو مثل حكم: «الوداع محطة/ والسكات ركاب/ والأحلام فى شنطة/ وللسفر أسباب». وبشكل عام فإن ديوان العامية «لسه بيعشق طير العصافير»، يعتبر نقلة فى مسيرة الشاعر مجدى عبد الرحيم، استعمل فيها الجمل الأبسط والواقعية التى تحدث تأثيرها الشعرى عبر التفاصيل الإنسانية اليومية، كما أنه تحرر كثيرا من الوزن، معتمدا على التأثير بالمعنى أكثر من الجرس الموسيقى.