تكتسب الزيارة التي يقوم بها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى الصين في الخامس من مايو المقبل، أهمية كبيرة بالنظر إلى عدة اعتبارات، أولها: أنها تعد الزيارة الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي منذ أكثر من ست سنوات والتي كان آخرها زيارة رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت خلال عام 2007. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلى قد ألغى زيارتين كانتا من المقرر أن يقوم بهما إلى الصين الأولى كانت في عام 2010 والذي فضل حضور لقاء للمجتمع الأمريكي اليهودي في الولاياتالمتحدة، ما أثار غضب الصينيين، والثانية في عام 2012 حينما ألغى زيارة أخرى بعد جهود مكثفة دبلوماسية لإعادة جدولة زيارته إلى هناك، إلا أنه قد ألغى تلك الزيارة بسبب تركيزه على الأزمة الائتلافية التي شهدتها إسرائيل قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة. ثاني الاعتبارات، أن إسرائيل تنظر إلى الاستفادة من علاقاتها مع الصين بشكل خاص في المجال الاقتصادي والتجاري، باعتبار الصين باتت من أهم القوى الآسيوية الصاعدة اقتصاديا وسياسيا، وأصبحت تمتلك من المقومات ما يؤهلها لتكون قوة فاعلة في مجريات الأحداث الاقتصادية والسياسية في العالم، وهو ما يجعلها مؤهلة لتغيير موازين هذه القوى في المستقبل. ومن بين هذه المقومات أن الصين تعد الأكبر في العالم من حيث عدد السكان، كما أنها تتمتع بأسرع نمو اقتصادي في العالم يتجاوز 10\% سنويا منذ أكثر من 25 عاما تقريبا، وتمتلك ثاني أكبر احتياطي نقدي بالدولار الأمريكي وصل في نهاية عام 2012 نحو 3.31 تريليون دولار أمريكي، كما أصبحت الصين أكبر منتج للفحم والفولاذ والأسمنت في العالم، وثاني أكبر مستهلك للطاقة، وثالث أكبر مستورد للنفط. كما نجحت الصين خلال 25 عاما في أن تخرج أكثر من 300 مليون صيني من حالة الفقر، وضاعفت متوسط دخل الفرد بنحو أربعة أضعاف، ويضاف إلى كل ما سبق الدور الأساسي الذي أصبحت تلعبه الصين في الاقتصاد العالمي من خلال عملتها اليوان، بحيث أصبح سعر صرف عملتها يؤثر ليس فقط على من يذهب للتسوق في هذا البلد، بل يؤثر أيضا على المستهلكين في أنحاء العالم. ومما يؤكد صدق هذه الرؤية الإسرائيلية للصين، أن نتنياهو كان قد أرسل وزير الجبهة الداخلية السابق ميتان فلنائى ليكون سفيراً لإسرائيل في أغسطس 2012 داخل الصين، قائلاً «إن العلاقات بين الجانبين لها أهمية اقتصادية ودولية». وخلال العام الماضى احتفلت إسرائيل والصين بمرور 20 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية رسميا بينهما ثمة مصالح وأهداف متبادلة إسرائيلية صينية، يسعى الجانبان نحو تمتين علاقاتهما، في ظل مكانة الصين الدولية، وتتمثل المصالح والأهداف الإسرائيلية في الآتي أولاً: أن قوة الصين كدولة صاعدة وفاعلة في النظام العالمي، ودولة نووية أيضا، والأكبر عدداً من حيث السكان، ونموها الاقتصادي المطرد، كلها عوامل تشير إلى أنها ستكون صاحبة أكبر اقتصاد في العالم حتى عام 2030، فضلاً عن كونها صاحبة مقعد دائم في مجلس الأمن، وكلها عوامل أيضا تدفع إسرائيل نحو بناء أفضل العلاقات مع بكين. في المقابل، تستفيد إسرائيل من تفوقها العسكري والتقنيات الأمريكية والغربية المتوافرة لها، لإغراء الصين العاجزة عن مواكبة الخبرات الإسرائيلية والتكنولوجيا الأمريكية العسكرية المتطورة، خصوصا بعدما شهدت الصناعات العسكرية الإسرائيلية قفزة كبيرة عقب عدوان عام 1967 تحديداً، وكانت فرنسا حينها المورد الرئيسي للسلاح الثقيل إلى إسرائيل ما بين 1956- 1967. ثانيا: لطالما بحثت إسرائيل عن الحليف الأقوى في العالم لتحتمي به وتضمن مصالحها، وهى ترى اليوم الصين »الحليف الاستراتيجي الجديد»، الذي تصوغ معه إسرائيل أفضل العلاقات تحت عنوان «التجارة الأمنية» التي تزدهر وتتوسع في صفقات سرية وعلنية، ففي عام 2011 بلغ حجم التجارة الثنائية ما بين البلدين نحو 10 مليارات دولار بزيادة 3 مليارات دولار عن عام 2010، كما ازداد حجم التبادل التجاري في 2010 بنسبة 49%. تعتبر الصين ثالث أكبر سوق للصادرات الإسرائيلية كما صنفها الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية، إذ تبيع الصين تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والمواد الطبية والمعدات الزراعية، في حين شكلت السوق الصينية أكبر سوق في العالم «1361 مليون نسمة»، ما يفتح المجال أمام رؤوس الأموال والاستثمارات والمنتجات الإسرائيلية. ثالثا: الإدراك الإسرائيلي أن أمنها يعتمد على قوة العلم والتطوير التكنولوجي، ولذلك فإنه لابد من الاستفادة من التقنيات الصينية الحديثة، وفي أول خطاب لرئيس حكومة إسرائيل ومؤسسها دايفيد بن جوريون قال «إن أمن إسرائيل لا يقوم فقط على جيش وسلاح، وإنما الأمن هو في تطوير البحث العلمي والقدرات العلمية والفنية لشبابنا» ومن هنا وظفت إسرائيل العلم في سبيل تقدمها، إذ يقدر عدد مراكز ومعاهد البحوث والدراسات والمؤسسات الثقافية في إسرائيل نحو 5000 مركز. رابعا: كشفت وسائل الإعلام والصحف الإسرائيلية أنه من المتوقع أن تتركز المباحثات الإسرائيلية الصينية على بحث تطوير العلاقات بينهم والإسراع بإنشاء مشروع خط السكك الحديدية الذي سيربط البحر الأحمر بالمتوسط لمنافسة قناة السويس في مصر. وكان لافتا إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء جولته في ميناء إيلات أخيرا، اعتزام إسرائيل إنشاء خط سكة حديد تجاري بديلاً من قناة السويس لربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط ومرور البضائع من وإلى آسيا وأوروبا، حيث جرى توقيع اتفاقية تعاون بين إسرائيل والصين لإنشاء قطار البضائع الجديد. أما المصالح والأهداف الصينية من علاقاتها مع إسرائيل فتتمثل في الآتي: أولا: تسعى الصين إلى الاستفادة من التقنيات العسكرية الإسرائيلية ذات الأصول الأوروبية في المجال البحري تحديدا، وذلك بعد التوترات البحرية العديدة التي شهدتها الصين مع جيرانها في المحيط الهندي، إذ أعربت الهند وهى حليفة لإسرائيل عسكريا،عن قلقها من قيام الصين خلال السنوات الأخيرة بتوسيع عدد من الموانئ في بلدان تحد الهند مثل باكستان وبنجلاديش وسريلانكا وبورما، وهو ما يطلق عليه الخبراء الاستراتيجيون «خيط لؤلؤ» الذي يحيط بالهند وجوارها الاستراتيجي. ثانيا: أن الصين اللاهثة وراء التكنولوجيا الإسرائيلية تقيم وزنا إضافيا للنفوذ اليهودي في العالم، وتأثير اللوبي الصهيوني في الكونجرس الأمريكي خصوصا، وهو تأثير قد يخفف من مفعول القرارات التي قد تسيء إلى الصين، إضافة إلى اعتبارات تتعلق بالتعاون ما بين مراكز البحوث العلمية في البلدين، وهو تعاون قد يمكن الصين من ولوج أسرار التكنولوجيا الأمريكية العسكرية المتطورة. جدير بالذكر أن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الصين وإسرائيل أُقيمت عام 1992، إلا أن تاريخ العلاقات بينهما يعود إلى بداية الخمسينات، حيث كانت إسرائيل الدولة الشرق أوسطية الأولى التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية، وكانت هنالك محاولات لإنشاء روابط رسمية بين البلدين، إذ اعتبر دافيد بن جوريون أن الصين والهند بالذات، ستصبحان في غضون عدة عقود دولتين عظميين، على حساب الاتحاد السوفيتي أنذاك وأمريكا. وكانت أول صفقة للصين في التعامل مع إسرائيل عام 1985 حينما باعت إسرائيل أسلحة ومعدات للصين واستهدفت هذه الصفقة تحديث الدبابات الميدانية من طراز ئ62 السوفيتية الصنع كما شملت الصفقة أجهزة اتصال رادارية ونظماً دفاعية خاصة بالصواريخ جو جو وأجهزة إطفاء الحرائق وأجهزة الليزر والأشعة فوق الحمراء للرؤية الليلية، وكذلك الأنظمة البالستية التي تعمل بالكمبيوتر لتحديد الهدف. ثم توالت بعد ذلك توقيع الصفقات بين الجانبين وخاصة في المجال العسكري، إذ تعد إسرائيل حسب تقارير الكونجرس ثاني أكبر مصدر للسلاح للصين منذ عام 1993 بصفقات تتعدى المليار دولار سنويا. ويبقى التأكيد على أن زيارة نيتنياهو للصين تفتح آفاقا استراتيجية جديدة في العلاقات بين الجانبين، ومرتكزة على حقيقة مفادها أن العلاقات الصينية الإسرائيلية مرشحة لمزيد من التطور بما يخدم مصالح الطرفين، وخصوصا الطرف الإسرائيلي الساعي إلى اختراق جبهة الشرق البعيد، ولا سيما الصين التي تتقدم بخطوات سريعة لتقود العالم الجديد، وخاصة بعد ظهور الاستراتيجية الأمريكية في التركيز على منطقة آسيا كمحور للتفاعل الدولي.