«غيوم تشق الظلمة على خط المواجهة عند قمة الجبل من أمام قوات الجيش فى أقصى شمال سوريا»، هكذا استهل الكاتب البريطانى روبرت فيسك مقاله فى صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، فى ثانى مقالاته من داخل سوريا، والتى تحدث فيها عما يشعر به الجنود النظاميون فى سوريا. وقال فيسك: «كنت جالسا فى قلعة شديدة التحصين تحرسها دبابة أقل ما توصف به أنها خردة ترجع إلى خمسينيات القرن الماضى، وقال لى العقيد محمد، قائد وحدة الجيش السورى المتمركزة: بصراحة نحن نستخدمها للدفاع الثابت إنها لا تتحرك». وتابع قائلا «إنه أمر غريب أن تمضى وقتا مع من يراهم العالم طوال الوقت أنهم الأشرار، ورغم أن الشرطة السرية يمكن أن تستحق هذا اللقب، ولكن أن هؤلاء الرجال ليسوا كذلك». واستطرد «إنهم رجال خائفون طلبوا منى أن لا أكتب أسماءهم كاملة أو أصور وجوههم حتى لا يتم التنكيل بهم وبأسرهم مثلا، مثلما يحدث بالضبط مع عناصر المعارضة». ولكن هذا لم يؤثر فى ثقتهم بأنفسهم، والقول لفيسك، فهم يعتقدون بوقوفهم هنا ومواجهتهم المعارضة أنهم يحمون سوريا ويدافعون عنها، لا عن بشار الأسد ولا نظامه. وأضاف قائلا «يبدو لى أنهم ليسوا بمزاج من يمكنه أن يستسلم قريبا، بل تحدوهم آمال عريضة للسيطرة على كل المناطق التى سقطت فى يد المعارضة». واستمر الكاتب البريطانى فى نقل وجهة نظر الجنود النظاميين قائلا «تحدث معى العقيد محمد قائلا إنه كان يود أن ينضم للجيش السورى دوما لمحاربة إسرائيل واستعادة هضبة الجولان، أما الآن فالحرب هى ضد الأدوات والعناصر التى تنفذ أجندات إسرائيل والسعودية وقطر فى سوريا، والانتصار عليهم سيقود لتحرير الجولان». واعترف الجنود النظاميون لفيسك بوقوع خسائر بشرية كبيرة فى صفوفهم، ولكنهم يقولون إنهم «شهداء»؛ لأنهم ماتوا فى سبيل الواجب وعلى جبهة القتال، ولم يموتوا مختبئين فى خندق. واستغرق فى نقل شهادات تصف عمليات القتال والقنص المتبادلة بين القوات النظامية وعناصر المعارضة. وتحدث الجنود مع الكاتب البريطانى على ما سموه «نفاق نظام رجب طيب أردوجان» فى تركيا، الذى يظهر أمام العالم رفضه وانتقاده لنظام بشار الأسد، وفى الباطن يسعى للإبقاء على «شَعْرة معاوية» معه بأن القوات التركية تترك الحدود بينها وبين سوريا مفتوحة وبإشراف نظامى سورى تبقى من خلالها العلاقات التجارية مستمرة بين الجانبين. وأضاف فيسك نقلا عن العقيد محمد: «بريطانيا وفرنسا يريدان أن يمنحا الأسلحة للإرهابيين، التى ستمنحهم فارقا نوعيا عنا، لكنا نريد أن يعيش جميع أبناء شعبنا معا بسلام بغض النظر عن دينهم فى ديمقراطية ورعاية الدكتور بشار الأسد». ولكن هنا قال فيسك: «لا يمكن بتلك البساطة أن تنسجم كلمة ديمقراطية مع اسم الأسد، ولكن الجنود يبدو فعلا أنهم يشعرون أنهم يقاتلون من أجل سوريا لا الأسد، وربما ينتصرون فى تلك الحرب الخاسرة مهما كان الفائز فيها، ولكنهم أيضا يستنكرون مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية». وهنا نقل ما قاله العقيد محمد: «لماذا نستخدم تلك الأسلحة، نحن لدينا طائرات حربية وهليكوبتر، وأسلحة متطورة، والمعارضة تستخدم قفط قذائف الهاون وجراد، والتى لها قدرة محدودة على التدمير».