تحت عنوان "الانتخابات المصرية.. بداية الشتاء العربي" انتقد الكاتب الأمريكي وأستاذ القانون الدولي والدستوري في كلية هارفارد للحقوق، نواه فيلدمان، الانتخابات البرلمانية التي جرت مرحلتها الأولى يومي الأحد والاثنين الماضيين، معتبرًا أنها بداية "الشتاء العربي". وبدأ الكاتب الأمريكي مقاله على شبكة "بلومبرج" الأمريكية بالقول "أتشعرون بالبرد؟ هذا هو الشتاء قادم إلى العالم العربي، بلا نهاية ظاهرة في الأفق، فالانتخابات البرلمانية المصرية التي لا معنى لها حددت المشهد تمامًا". وأوضح "فيلدمان" أنه مع حظر جماعات المعارضة والإلقاء بقادتها في سجن، جائت الانتخابات مطابقة للأوضاع الديكتاتورية قبل الربيع العربي. ووصف الانتخابات بأنها "مهزلة مألوفة" وليست فقط علامة على عدم إحراز تقدم، لكنها أكثر من ذلك بكثير، مشيرًا إلى أن مصر حاولت الوصول إلى الديمقراطية لكنها فشلت، وتسائل "هل يمكن للمواطنين من البلدان العربية الأخرى أن يأملوا في مستقبل أحسن؟"، مضيفًا "يبدو أن دولهم ستبقى استثناء عالمي من التقدم الديمقراطي". وكما كان الحال قبل عام 2011، سيكون من الواجب على القادة العرب أن يسألوا أنفسهم لماذا تستمر الدكتاتورية في بلدانهم أكثر من البلدان الأخرى، فمثلًا "أمريكا اللاتينية وهي فقيرة أيضًا، وكانت مستعمرة من قبل، ورغم ذلك فقد تحولت إلى الديمقراطية" . وذكر الكاتب الأمريكي، أن الإجابات تشمل ضعف المجتمع المدني والطبقة الوسطى، ولكن "هناك دلائل أخرى تلوح في الأفق: فشل تجربة الإسلام السياسي ذات التوجه الديمقراطي"، مشيرًا إلى أن الديمقراطية الإسلامية وعدت بتمكين الطبقة الوسطى، وفرض شكل متميز ومشروع من الديمقراطية الدستورية. ولكن في مصر، حيث ولدت جماعة الإخوان المسلمين وكان لها تأثير مهم في الحياة السياسية، فشلت التجربة، على عكس تونس، حيث الإسلام السياسي الوسطي الذي تم دمجه في الحياة الديمقراطية. وقال الكاتب الأمريكي: إنه "إذا كان الاستثناء التونسي لديه أي أهمية إقليمية، فإنه يذكرنا بأن في ظل ظروف مماثلة تقريبًا، هناك إمكانية لنتائج مختلفة"، كما أن الفهم الكامل للشتاء العربي يتطلب تقييم دقيق لما حدث بالفعل في بلدان مختلفة، وماذا تعني هذه التطورات في المستقبل". وتابع فيلدمان "بنظرة واسعة، لا ينبغي إغفال مكون المجتمع المدني، فكانت لجنة جائزة نوبل لديها شيئًا تقوله عندما منحتها إلى المنظمات الأربعة التي كانت ترعى الحوار الوطني في تونس، هذه المنظمات اهتمت بالعملية الانتقالية، بحسب اعتراف مصادر غير حكومية، فعندما وصلت السياسة إلى طريق مسدود، كان لديهم شرعية للتحدث بشكل جماعي وبناء، على الرغم من عدم انتخابهم من أي جهة". وأوضح أنه في الديكتاتوريات العربية الأخرى، كيانات المجتمع المدني مثل النقابات العمالية والاتحادات المهنية عمومًا لم يكن لديها نفس النوع من المصداقية"، مشيرًا إلى أن السبب في ضعف المجتمع المدني في كل مكان في نفسه: "الأنظمة الديكتاتورية التي تخترق مؤسسات المجتمع المدني ثم تسيطر عليها". ونوه فيلدمان إلى أن غياب الطبقة الوسطى في مصر ذات الثقة والراسخة كان سببًا رئيسيًا في فشل مصر، مشيرًا إلى أن أحد التفسيرات المحتملة لانتفاضات الربيع العربي هو أن الطبقة الوسطى المتعلمة عبرت عن خيبة أملها من انعدام فرص العمل، فتبعتها الطبقة الفقيرة، التي كانت محبطة أيضًا، في النزول إلى الشوارع. لكن الطبقة الوسطى المتعلمة في مصر ليست واثقة بما فيه الكفاية في دورها المجتمعي لأخذ زمام القيادة بعد سقوط حسني مبارك، ومن المؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين التي تم انتخابها وجدت نفسها هي الطبقة المتوسطة الحقيقية، ومع ذلك فإن معظم النخبة والمتعلمين من الطبقة المتوسطة لا يتعاطفون مع الجماعة. وأضاف "عندما جاء وقت الحسم، وقفت هذه الفئة مع الجيش، ورحبت بسقوط الإخوان، وبهذا تكون الطبقة الوسطى المتعلمة في مصر تواطئت في فشل الديمقراطية، وهذا يؤدي إلى السبب الأساسي للشتاء العربي". وذكر أن "الديمقراطية لا تنفع إلا عندما تتفق النخب السياسية المختلفة ضمنيًا لتبادل السلطة مع احترام الحقوق الأساسية لكل منهما عند الخروج من السلطة". في تونس، الحركة الإسلامية والحزب المعروف باسم حزب النهضة تفاوض بنجاح لتقاسم السلطة بعد فوزه في أول انتخابات، وبعد ذلك استمر في أعقاب هزيمته في الانتخابات التي جاءت بعض إقرار الدستور، وهذا ما ضمن لتونس المسار الديمقراطي. أما في مصر، بحسب الكاتب الأمريكي، فقد فشل الإخوان في تشكيل ائتلاف، وكذلك في كسب القبول السياسي من خلال منافسة النخب المتصلة بالدولة والجيش، وكان لهذا الفشل الكثير من الأسباب، ولكن نتائجه هي معروفة. وأنهى فيلدمان مقاله بالقول "الآن ليس هناك خيار آخر على الطاولة: لا يوجد مجتمع مدني، ولا طبقة وسطى متمكنة، ولا أمل في المعارضة الاسلامية، وهذا ما يبدو أنه الشتاء العربي".