أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، قرارًا جمهوريًا بمحاربة الغش الإلكتروني، ونص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من طبع أو نشر أو أذاع، أو روج بأية وسيلة، أسئلة أو إجابات امتحانات تتعلق بمراحل التعليم المختلفة، العامة أو الخاصة، أثناء عقد لجان الامتحانات بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحان، ويأتي ذلك سواء تمت الجريمة داخل لجان الإمتحان أو خارجها. وتضمن القرار أن يعاقب بذات العقوبة كل من ساهم بأية وسيلة في ارتكاب تلك الجريمة، وأن يحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأشياء المضبوطة محل الجريمة. ورأى الدكتور عبدالله سرور، أستاذ التربية بجامعة الإسكندرية، أن تدخل الرئيس بنفسه لمكافحة الغش بمثابة إعلان رسمي بفشل جميع الأجهزة الإدارية القائمة على العملية التعليمية، لأن هناك لوائح تنظم هذة العملية وتحدد العقوبات، فتدخل الرئيس بتحويل العقوبات الإدارية ل"جنائية" أمر خطير، على حد تعبيره. وأشار إلى أن دخول تلك التجاوزات تحت طاولة العقوبة الجنائية له عواقب غير جيدة، وسيعلن انهيار الإدارة؛ لأن العقوبات الجنائية تتطلب إثباتها عبر ضبطية قضائية، وفي لجنة الامتحان، حينما يضبط معلم طالب فهو مشرف على اللجنة، وبالتالي هي عملية إدارية، وحينما يتحول الموضوع إلى "جنائي"، فيعني الأمر أننا بحاجة إلى ضبطية القضائية، معقبًا: "يعني لما يضبط طالب بيغش هنتصل بالشرطة، أم سيخصص ضابط لكل لجنة لضبط الغشاشين، وبالتالي أرى أن القرار غير قابل للتنفيذ إلا في حالة واحدة، وهي إعلان إجابات الأسئلة الامتحانية على مواقع التواصل الاجتماعي فقط، أما الغش أو الشروع في الغش فلن يطبق عليه هذا القرار". وقال الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي، إنه مع فكرة وجود عقوبة رادعة لمكافحة الغش، ولكن ليس بشكل جنائي، لأن هذا يكرس الفاشية في الدولة، موضحًا أن الظواهر أو المشاكل الإنسانية لكي تحل، لابد من خلال معرفة أسباب المشكلة لعلاجها، متابعًا: "ولكن إطلاق سيف القانون لا يحل المشاكل، فمثلًا السرقة مجرمة بالقانون والقتل وتهريب المخدرات وغش الأغذية مجرم أيضًا بالقانون، ولكن لا أحد يستطع أن يقول إن تلك الجرائم امتنعت، وبالتالي أرى أن إقرار عقوبة جنائية على الطلاب الغشاشين لم يمانع من وجود الظاهرة ولن يحلها". وطالب مغيث بتغيير منظومة التعليم والامتحانات بأكلمها، وعدم اعتماد التعلم على الحفظ والتلقين؛ ليكون قائمًا على التفكير والإبداع، فضلًا عن تطوير المدارس لتكون فاعلة، وحتى لا تنقل المدرسة لمراكز الدروس الخصوصية، إضافة إلى إعادة الاعتبار للمعلم وهيبته وكرامته لتكون جزء من مهنيته، وبالتالي إذا فعل ذلك سيتم معالجة ظاهرة الغش الإلكترونى في الامتحانات. وأثنى محمد سعد، رئيس الإدارة المركزية للتعليم الثانوي، بقرار الرئيس وإصداره قانونا لمكافحة الأعمال التي يمكن أن تحدث إخلالًا بالامتحانات، واصفًا القرار بأنه صائب وحازم من الدولة لمواجهة ظاهرة الغش الإلكتروني، وأكد أن هذا القرار سيحقق مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين جميع الطلاب. وأضاف أن بهذا القرار ستطبق، ولأول مرة، عقوبة رادعة وجنائية على الطالب الذى يحاول الغش، معقبًا: "القانون سيمنح صلاحيات أوسع لوزارة الداخلية والقضاء". وبيّن هاني كمال، المتحدث الرسمى باسم وزارة التربية والتعليم، أن تطبيق القانون سيبدأ بداية من العام الحالي، مشيرًا إلى أن القانون يطبق على كل من يسوّل له نفسه أن يخل باعمال الامتحانات ، قائلًا: "كل من يساهم في الإخلال بأعمال الامتحانات مثل من يقف على باب مدرسة، ويمسك بيده مذياعًا، ويذيع الإجابات للطلاب من خارج أسوار اللجان، أويصور ورقة أسئلة الامتحان، سيطبق عليه عقوبات القانون المتمثلة في الحبس لمدة عام، ودفع غرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تتجاوز 50 ألف جنيه؛ لأنه أخل بالعملية الامتحانية". وأوضح كمال أن الوزارة لم تضع تصور مشروع القانون، وإنما وضعته الحكومة، لإنهاء ظاهرة الغش الإلكتروني، لافتًا إلى أن البعض رأى في تعاطي الوزارة مع الظاهرة أنها "مظلومة"، وآخرون رأوها "متهمة"، وعقب: "وبالتالي كان لابد من وضع قانون حازم لضبط تلك المسألة، والتي تهدف إلى ضرب الدولة والتعليم في مقتل عن طريق الإخلال بأعمال الامتحانات، الأمر الذي استوجب على الحكومة الحفاظ على أعمال الامتحانات، ليعلم كل من تسوّل له نفسه أنه سيعاقب عقابًا عسيرًا، وبالتالي من أراد في مجتمع أن يرتكب جريمة، فعليه أن يتحمل نتائج ما فعله من عقاب". وأضاف أن الغش سلوك اجتماعي مرفوض، فقد قال الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، "من غشنا فليس منا"، وبالتالي الغش يعد سلوكًا يستوجب العقاب، لأنه بمثابة جريمة، ومع ذلك هناك فارق بين الغش ومن يقتل، ولكننا في النهاية نتحدث عن جريمة يجب أن يوضع لها إجراءات وقانون لمنعها.