في تمام الساعة الثانية بعد ظهر يوم 21 أغسطس 1973، دخلت ميناء الإسكندرية باخرة ركاب سوفييتية وعليها 6 رجال سوريون يتوقف على قرارهم مصير الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط، هم اللواء طلاس وزير الدفاع، واللواء يوسف شكور رئيس أركان حرب القوات السورية، واللواء ناجي جميل قائد القوات الجوية والدفاع الجوي، واللواء حكمت الشهابي مدير المخابرات، واللواء عبد الرزاق الدردري رئيس هيئة العمليات، والعميد فضل حسن قائد القوات البحرية. كانوا جميعًا بملابس مدنية ولم يعرف الإعلام في مصر أو سوريا شيئًا عن هذا الوفد. هذا ما يذكره الفريق سعد الدين الشاذلي في مذكراته عن حرب أكتوبر، مضيفًا: كنت في استقبالهم على رصيف الميناء، وخرجنا دون أي مراسم إلى نادي الضباط. وفي الساعة السادسة من نفس اليوم اجتمع الوفدان المصري والسوري في مبنى قيادة القوات البحرية فى قصر رأس التين، وكان الوفد المصري يتكوّن من الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية، والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان، واللواء محمد علي فهمي قائد الدفاع الجوي، واللواء حسني مبارك قائد القوات الجوية، واللواء فؤاد ذكري قائد القوات البحرية، واللواء عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات، واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية.
كان هؤلاء الرجال الثلاثة عشر هم المجلس الأعلى للقوات المصرية والسورية المشتركة، وكان يقوم بأعمال السكرتارية لهذا المجلس اللواء بهي الدين نوفل. كان الهدف من الاجتماع، كما يذكر الفريق الشاذلي، هو الاتفاق على ميعاد حرب أكتوبر، وإعطاء الإشارة للقيادة السياسية في مصر وسوريا بجاهزية القوات في البلدين للحرب، وأفضل التواريخ المناسبة للمعركة، حيث اقترحوا توقيتَين للمعركة، الأول خلال الفترة من 7 إلى 11 من سبتمبر، والثاني من 5 إلى 11 أكتوبر 73، وطالبوا القيادة السياسية أن تخبرهم بالميعاد قبل بدء القتال بخمسة عشر يومًا. وقد تم في هذا الاجتماع أيضًا تنسيق الخطط المصرية- السورية الخاصة بالسرية والأمن والخداع الاستراتيجي والسياسي، وعندما بدأ أعضاء الوفد السوري العودة إلى بلادهم اعتبارًا من يوم 24 من أغسطس، عادوا بأسلوب مختلف تمامًا عن أسلوب حضورهم، فمنهم مَن عاد جوًّا عن طريق السعودية، ومنهم مَن عاد عن طريق البحر، ومنهم مَن بقي عدة أيام أخرى. ومنذ 21 سبتمبر 73 بدأ العد التنازلي للحرب. كان التنسيق بين الجيشَين المصري والسوري في حرب أكتوبر باهرًا وعظيمًا، وغدا الجيش السوري هو الجيش الأول لمصر بحق، لأنه من المعروف أن الجيش المصري يضم الجيش الثاني والجيش الثالث، بينما الجيش الأول هو الموجود في سوريا. وفي يوم 3 أكتوبر سافر الفريق أحمد إسماعيل إلى سوريا، وهناك حاول السوريون تأجيل الحرب لمدة 48 ساعة، ولكن وزير الدفاع المصري رفض قائلًا إن هذا قد يضيع مفاجأة الحرب، ثم قال لهم فكروا في موقف الشاذلي على الجبهة المصرية وما يسببه ذلك له من مشكلات، ولا أعتقد أنه يمكن أن يوافق على التأجيل، وبالفعل وافقوا في النهاية على أن يبقى يوم الحرب كما هو السادس من أكتوبر في الساعة الثانية بعد الظهر. ويعلق الشاذلي على ذلك قائلًا: لقد كانت بعض الوحدات بدأت الحرب بالفعل ويستحيل إيقافها، حيث أبحرت غواصتنا في الأول من أكتوبر لتتخذ أوضاع القتال. ويذكر الشاذلي أن هناك تسع دول عربية قدمت الدعم العسكري لمصر وسوريا، حيث قدمت العراق الدعم الأكبر، وتلتها الجزائر ثم ليبيا وبعدها الأردن والمغرب والسعودية والسودان، وكانت الكويت وتونس أقل الدول مساهمة، في حين لم تسهم 7 دول عربية بقوات عسكرية، منها بالطبع قطر. وبرهنت حرب أكتوبر على قوة العرب عندما يتحدون، خصوصًا مصر وسوريا ومن خلفهما العراق. واستطاع الفريق الشاذلي بعبقرية عسكرية لا تتكرر أن يعبر بالقوات المصرية قناة السويس والساتر الترابي ويدمّر خط بارليف، ويوم 7 أكتوبر كان لمصر 100000جندي شرق القناة و1020 دبابة و13500مركبة. ووقف العالم مبهورًا أمام قدرة وعبقرية الجندي المصري. هذا فصل مما يحكيه الآباء بفخر لأبنائهم، لكنهم ينسون في غمرة الفرح والزهو أن يشيروا ولو من بعيد إلى الجيش الأول لمصر وهو الجيش السوري الذي كان معنا كتفًا بكتف وطلقة بطلقة. والغريب أنه منذ قيام الخائن مرسي بقطع العلاقات مع سوريا، أن القيادة السياسية تقدّم رجلًا وتؤخّر أخرى في علاقتها مع جيشنا الأول خوفًا من غضب بعض الدول الشقيقة! وهو شيء لا يليق بمَن حققوا نصر أكتوبر العظيم، ولا يجب أن يكون هذا جزاءً لمَن كانوا معنا خندقًا بخندق وحفرة بحفرة.. فليحفظ الله جيش مصر الأول كما حفظ جيشنا الثاني والثالث وكل جيوشنا. ومَن لا يعجبه الكلام فليشرب من أي بحر يشاء.